هل دخول الجنة برحمة الله أو بالعمل الصالح؟

منذ 6 ساعات

«((لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجنة)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة))»

 

روى البخاري (5673) ومسلم (2816) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «((لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجنة)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة))» .

وقد ورد هذا الحديث أيضا عن عائشة رضي الله عنها عند البخاري (6464) ومسلم (2818)، وورد أيضا عن جابر الأنصاري رضي الله عنه عند مسلم (2817)، وورد أيضا عن جماعة كثيرة من الصحابة كما في تحقيق مسند أحمد (12/ 136).

وقد قال الله في كتابه الكريم: {{وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} } [الأعراف: 43]، وقال سبحانه: {{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}} [النحل: 32]، وقال عز وجل: {{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}} [الزخرف: 72].

فكيف الجمع بين هذه الآيات الكريمة، وبين ذلك الحديث النبوي الصحيح؟

قال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة (1/ 8): "قال غير واحد من السلف: ينجون من النار بعفو الله ومغفرته، ويدخلون الجنة بفضله ونعمته ومغفرته، ويتقاسمون المنازل بأعمالهم، .. وأحسن من هذا أن يقال: الباء المقتضية للدخول غير الباء التي نفى معها الدخول، فالمقتضية هي باء السببية الدالة على أن الأعمال سبب للدخول مقتضية له كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها، والباء التي نفى بها الدخول هي باء المعاوضة والمقابلة التي في نحو قولهم: اشتريت هذا بهذا، فأخبر النبي أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد، وأنه لولا تغمد الله سبحانه لعبده برحمته لما أدخله الجنة".

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره (7/ 239): "{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72] أي: أعمالكم الصالحة كانت سببا لشمول رحمة الله إياكم، فإنه لا يدخل أحدا عمله الجنة، ولكن بفضل من الله ورحمته، وإنما الدرجات تفاوتها بحسب عمل الصالحات".

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري (11/ 296): "يظهر لي في الجمع بين الآية والحديث جوابٌ آخر، وهو أن يحمل الحديث على أن العمل من حيث هو عمل لا يستفيد به العامل دخول الجنة ما لم يكن مقبولا، وإذا كان كذلك فأمر القبول إلى الله تعالى، وإنما يحصل برحمة الله لمن يقبل منه، وعلى هذا فمعنى قوله: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] أي: تعملونه من العمل المقبول، ولا يضر بعد هذا أن تكون الباء للمصاحبة أو للإلصاق أو المقابلة، ولا يلزم من ذلك أن تكون سببية، ثم رأيت النووي جزم بأن ظاهر الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال، والجمع بينها وبين الحديث أن التوفيق للأعمال، والهداية للإخلاص فيها وقبولها، إنما هو برحمة الله وفضله؛ فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل ،وهو مراد الحديث، ويصح أنه دخل بسبب العمل، وهو من رحمة الله تعالى".

 

محمد بن علي بن جميل المطري

دكتوراه في الدراسات الإسلامية وإمام وخطيب في صنعاء اليمن

  • 1
  • 0
  • 61

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً