الذكاء الاصطناعي لئلا يَهِن العقل أمام الآلة
وما يزال الذكاء الاصطناعي بصاحبه المنكب عليه، حتى يضمر عقله وفكره كما يضمر الجسد إن توقف عن الحركة، ويصيبه بكسل معرفيٍّ يريد وجبات سريعة جاهزة، تشبعه في اللحظة لكنها تمرضه مع الوقت.
برز الذكاءُ الاصطناعي اليوم كمصدر من مصادر المعرفة عند بعض الناس، فأصبح كلما عرضت له حاجةٌ علمية عَجِل إليه سائلا أو مستشيرا أو مستكتبا.
وقد زاحم الأستاذَ شارحا، والباحثَ كاتبا، والطالب دارسًا.
والإفادةُ منه لا حرج فيها كسائر الوسائل الحديثة، ولكن الضرر البالغ في الاعتماد التام عليه، فمن فعل ذلك كانت عاقبة أمره ضعفًا في العلم بركنيه: الحفظ والفهم، وتشبعًا بما لم يعط.
فكن منه -يا طالب العلم خاصة- على حذر، فإنَّ مَثَلَه مثل عالم سوء يصدك عن العلم ويقول: سلني أجبك، ودع عنك عناء طلب العلم ومشقتَه.
وما يزال الذكاء الاصطناعي بصاحبه المنكب عليه، حتى يضمر عقله وفكره كما يضمر الجسد إن توقف عن الحركة، ويصيبه بكسل معرفيٍّ يريد وجبات سريعة جاهزة، تشبعه في اللحظة لكنها تمرضه مع الوقت.
وقد رأيت من يفخر بأنه أصبح بواسطته يستطيع كتابة بحث في كل أسبوع!
إن المعلومات اليوم مطروحةٌ في الطريق، لا صعوبة ولا مزية في الوصول إليها، ولكن الشأن في اختيارها وتمحيصها، ولذلك فنحن إلى علمٍ يخالط بشاشة قلوبنا نميز به الجيد والزائف، أحوج من آلاتٍ جديدة تفعل ما تفعله أخواتـها مِن (ضخ) المعلومات.
فكيف وتلك الآلات بإقرار المختصين بـها بل بإقرارها هي: لا تسلم من (الهلوسة) حسب التعبير المصطلح عليه، فتخلط صوابا بخطأ، بل تكذب صراحة في مسائل وإحالات.
ومما يرصده المتابع أن اللقاءات العلمية عن الذكاء الاصطناعي تدور غالبها حول (هندسة أوامره)، وكيفية مساءلته، واستخراج مكنونه، وتطوير قدراته، فأين حاجة السائل نفسه إلى الترقي؟ أليس هو بعد ذلك من يعتقد ويقول ويحكم؟
إن الأجهزة الحديثة لن تتكلم عنك إذا وقفت في محفل، ولن تجيب عنك إذا رمقتك الأبصار بعد سؤال مفاجئ.. ذكر ياقوت الحموي أنَّ حكيمًا قال لبنيه: يا بَنـيَّ أصلحوا من ألسنتكم؛ فإن الرجل تنوبه النائبة يحتاج أن يتجمل فيها فيستعير من أخيه دابة ومن صديقه ثوبا ولا يجد من يعيره لسانا.
ولذلك لا يتحسر من جهل هذه الوسائل، ويرى أنه تأخر في العلم (النافع) وقد تقدم غيره، لا؛ فسيفه المثلَّم خير من سيوفهم اللامعة -ولا أقول المرهفة- فهو كصمصامة عمرو بن معد يكرب التي رآها عمر رضي الله عنه فقال: ما رأيتُ ما بلغني عنها، فقال له عمرو: يا أمير المؤمنين إنك رأيتها وما رأيت الساعد الذي يضرب بـها!
ختامًا:
يجب أن نعلم أنَّ هذه التِّقْنِيَّات الجديدة تجلب خيرا وشرا، ولا تعطيك إلا وقد أخذت منك!
وهب أنـها كتبت عن صاحبها وأحسنت، فكيف ستُمِدُّه بأثر العلم في نفسه يقينا، وفي وجهه نورا، وفي قلبه سكينة، وفي صدره انشراحا، وفي عقله فطنة؟!
__________________________________________
الكاتب: د. ياسر المطيري
- التصنيف: