السّاعَة الرَّوَاحِيَّة

منذ 3 ساعات

وفي المجالس الإيمانية ترتوي الشخصية بماء الوحي، فينشأ عقلٌ أنضج، ورؤيةٌ أوسع، ومسارٌ أكثر اتزانًا.

تملك المجالس الإيمانية أثرًا يشبه أثر المطر حين يصيب أرضًا عطشى؛ تُحيي في داخل المرء رغبة العودة، وتذيب غبار الأيام عن مرآة القلب، وتزداد حاجتها كلما ضاق الزمن بكثرة الشواغل وتشعّبت الطرق، فيأتي الاجتماع على الذكر كمعبرٍ يردّ القلب إلى أصله. 

ومن أرقى الشواهد على شرف هذا المقام ما روي عن أنس بن مالك أن عبدالله بن رواحة كان إذا لقي أحد أصحابه قال له: تعال نؤمن بربنا ساعة، فغضب رجل من ذلك، ثم جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة؟ فقال النبي ﷺ: «يرحم الله ابن رواحة، إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة» . (١)

وبهٰذا الامتداد يظهر أن العقل لا يكتمل ضياؤه إلا إذا استقر في قلبٍ ممتلئ بالإيمان؛ فالإيمان يرفع مدارك الإنسان من مجرد التفكير إلى البصيرة، ويحوّل المعرفة من معلومةٍ جامدة إلى معنى ينعقد في الروح. وفي المجالس الإيمانية ترتوي الشخصية بماء الوحي، فينشأ عقلٌ أنضج، ورؤيةٌ أوسع، ومسارٌ أكثر اتزانًا.

وتُقيم التجربة الإيمانية بنيانها على ثلاثيةٍ محكمة: إيمانٌ يهب النفس سكونها، وعملٌ ينسج البركة في تفاصيلها، ويقينٌ يمنح العقل قدرته على التمييز والنفاذ. ومع هذا البناء، ينهض الإنسان إلى حياةٍ أجمل وأقرب إلى الفلاح.

والموفَّقُ من يلتقطُ رفيقًا يوقظُ فيه دروبَ الآخرة، ويُحيي معه تلك السّاعَةَ الرَّوَاحِيَّةَ؛ ساعةً يلين فيها القلبُ بعد صلابته، ويجلو فيها وجهُ البصيرة بعد غيمته، ويشرق في الطريق نورُ الهداية بعد عتمته.

_________________________________________
الكاتب: علي آل حوّاء

  • 0
  • 0
  • 38

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً