ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ ﺍﻟﻤﻔﻘﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ

ﻳﻌﻴﺶ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻣﻔﺎﺭﻗﺔ ﻣﺆﻟﻤﺔ؛ ﻓﻬﻨﺎﻙ ﺟﻬﻮﺩ ﺿﺨﻤﺔ ﺗُﺒﺬﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ، ﻭﺗﻄﻮﻳﺮ ﺍﻟﻤﻬﺎﺭﺍﺕ، ﻭﺍﻟﺘﻤﻜﻴﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﻱ، ﻭﺍﻟﺘﺮﻓﻴﻪ ﺍﻟﻘﻴﻤﻲ، ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﺨﻠﻞ ﻇﺎﻫﺮًﺍ ﻓﻲ ﻣﺨﺮﺟﺎﺕ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ.

ﻓﻨﺮﻯ ﺟﻴﻼً ﻳﻌﺮﻑ ﻛﻴﻒ ﻳﻌﻤﻞ؟! ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻳﻌﻤﻞ.؟!
ﻭﺟﻴﻼً ﻳﻤﻠﻚ ﺍﻷﺩﻭﺍﺕ ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻔﺘﻘﺪ ﺍﻟﺒﻮﺻﻠﺔ.. ﻭﺟﻴﻼً ﻳﻤﺸﻲ ﺑﺴﺮﻋﺔ، ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻭﺟﻬﺘﻪ..

ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻔﺎﺭﻗﺔ ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺣﻠﻘﺔ ﻣﻔﻘﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ؛ ﺣﻠﻘﺔ ﻏﺎﺑﺖ ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻌﻬﺎ ﻓﺎﺧﺘﻞّ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﻛﻠﻪ، ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ ﺍﻟﻤﻔﻘﻮﺩﺓ ﻫﻲ: ﺭﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺎﺕ، ﻭﺗﻌﻈﻴﻢ ﺍﻟﻤﻘﺎﺻﺪ و ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ.

ﺇﻥّ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺎﺕ ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻠﻤﺎﺕٍ ﺗُﺘﺪﺍﻭﻝ، ﻭﻻ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕٍ ﺗُﺤﻔﻆ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﺣﺠﺮ ﺍﻟﺰﺍﻭﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻷﻱ ﺇﻧﺴﺎﻥ، ﻭﺍﻟﺮﻛﻴﺰﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻛﻞُّ ﻧﺴﻖٍ ﻣﻌﺮﻓﻲّ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺴﺘﻘﻴﻤًﺎ ﻭﻣﺘﻤﺎﺳﻜًﺎ. ﻫﻲ ﺍﻹﻃﺎﺭ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﺴّﺮ ﺑﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﺩ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ، ﻭﻣﻌﻴﺎﺭ ﺍﻟﻘﺪﻭﺓ، ﻭﻭﺯﻥ ﺍﻷﺧﻄﺎﺀ، ﻭﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﻄﻤﻮﺡ، ﻭﻛﻞ ﺗﺮﺍﺟﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺗﺮﺍﺟﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ، ﺛﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ.

ﺇﻥّ ﻛﻞ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻟﺒﻨﺎﺀ ﻓﻜﺮٍ ﺳﻠﻴﻢ ﺗﺒﺪﺃ ﻣﻦ ﻫﻨﺎ: ﻣﻦ ﺇﺻﻼﺡ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ، ﻭﺭﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ، ﻭﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺘﺼﻮّﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﻧﻈﺮﺗﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ.

ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻐﻴﺐ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺃﻭ ﺗﺘﺸﻮّﻩ، ﻳﻀﻄﺮﺏ ﺍﻟﻤﺘﺮﺑﻲ ﻣﻬﻤﺎ ﺍﻣﺘﻠﻚ ﻣﻦ ﻣﻬﺎﺭﺍﺕ، ﻭﻳﺼﺒﺢ ﻗﺎﺑﻼً ﻟﻼﻧﺠﺮﺍﻑ ﺧﻠﻒ ﺃﻱ ﻣﻮﺟﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻋﺎﺑﺮﺓ. ﻓﻨﺠﺪ ﻣﺜﻼً، ﺃﻥ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﻣﻦ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻭﺍﻻﺳﺘﺨﻼﻑ ﻭﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻲ، ﺇﻟﻰ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﺜﺮﻭﺓ ﻭﺍﻟﺸﻬﺮﺓ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ. ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻳُﺨﺘﺰﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺤﺮﺭ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺃﻱ ﻣﺮﺟﻌﻴﺔ، ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻪ ﺗﺤﺮﻳﺮﺍً ﻣﻦ ﻋﺒﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﻭﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﻭﺍﻻﻟﺘﺰﺍﻡ ﺑﻤﺮﺟﻌﻴﺔ ﺍﻟﺤﻖ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﺸﻄﺔ ﻭﻭﺳﺎﺋﻞ ﻭﺑﺮﺍﻣﺞ ﺩﻭﻥ ﻏﺎﻳﺎﺕ ﻋﻈﻤﻰ ﺃﻭ ﻣﻀﺎﻣﻴﻦ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﻳﺮﻳﺪ ﺗﺤﻘﻴﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺘﺮﺑﻲ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻳﺼﺒﺢ ﺳﻠﺒﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺀ ﻳﺼﺒﺢ ﺿﻌﻔًﺎ، ﻭﺍﻟﺘﻮﺍﺿﻊ ﻳﺼﺒﺢ ﻋﺪﻡ ﺛﻘﺔ، ﻭﺍﻻﻟﺘﺰﺍﻡ (ﺑﺎﻟﻬﻮﻳﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ) ﻳﺼﺒﺢ ﻋﺎﺋﻘًﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ.

ﻣﺎ ﻧﺮﺍﻩ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﻦ ﺍﺿﻄﺮﺍﺏٍ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻋﻲ، ﻭﺗﻘﻠّﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ، ﻭﻏﻴﺎﺏ ﻟﻠﻤﻘﺎﺻﺪ، ﻭﺗﻐﻴّﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺎﺕ، ﻭﺍﻧﺠﺮﺍﻑ ﺧﻠﻒ ﺍﻟﺸﻌﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺒﺮﺍﻗﺔ؛ ﻟﻴﺲ ﺇﻻ ﺛﻤﺮﺓً ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﺨﻠﻞٍ ﺃﻋﻤﻖ: ﺍﻟﺘﺸﻮّﻩ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻤﻲ..

ﺍﻟﺘﺸﻮّﻩ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻤﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺣﺼﻴﻠﺔ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﻣﺘﺮﺍﻛﻤﺔ:

• ﺿﻌﻒ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﻷﺻﻴﻠﺔ: ﺷﺒﺎﺏٌ ﻳﻌﻴﺸﻮﻥ ﻓﻲ ﻃﻮﻓﺎﻥٍ ﺳﺮﻳﻊ ﻣﻦ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ، ﻻ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﺃﺩﻭﺍﺕٍ ﺗﺤﻤﻴﻬﻢ، ﻭﻻ ﺃﺻﻮﻻً ﺷﺮﻋﻴﺔ ﻣﺘﻴﻨﺔ ﻳﺴﺘﻨﺪﻭﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﻣﻊ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺮﺍﺳﺦ، ﺗﺘﺴﺮﺏ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﻋﻲ.
• ﺗﺮﺍﺟﻊ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ: ﻣﻤﺎ ﺗﺮﻙ ﻣﺴﺎﺣﺔً ﻭﺍﺳﻌﺔ ﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻷﺧﺮﻯ، ﻭﺟﻌﻞ ﻛﺜﻴﺮًﺍ ﻣﻦ ﺷﺒﺎﺏ ﺍﻷﻣﺔ ﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﺳﺒﺎﻕ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺑﻼ ﻣﺮﺟﻌﻴﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺿﻌﻒ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﺘﺬﻛﻴﺮ ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺗﻼﺷﻲ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺃﻭ ﺿﻌﻔﻬﺎ.
• ﻫﻴﻤﻨﺔ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ: ﺣﻀﺎﺭﺓ ﻗﻮﻳﺔ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺖ – ﺑﻘﻮﺗﻬﺎ ﻭﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﻭﺃﺩﻭﺍﺗﻬﺎ – ﺃﻥ ﺗُﺼﺪّﺭ ﺭﺅﻳﺘﻬﺎ، ﻭﺗﺒﺸﺮ ﺑﻔﻠﺴﻔﺘﻬﺎ، ﻭﺗﺨﻠﻖ ﺟﺎﺫﺑﻴﺔً ﺗُﻐﺮﻱ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﺑﺎﺗﺒﺎﻋﻬﺎ ﻭﺍﻻﻧﺒﻬﺎﺭ ﺑﻬﺎ. ﻭﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺛﺎﺑﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ: ﺍﻟﻘﻮﻱّ ﻻ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺄﻥ ﻳﻨﺘﺼﺮ ﺑﺴﻼﺣﻪ، ﺑﻞ ﻳﻔﺮﺽ ﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻪ ﺃﻳﻀًﺎ.
• ﺗﺤﺮﻳﻒ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎﺕ: ﻭﻫﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺧﻄﻴﺮﺓ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺗﻔﺮﻳﻎ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻣﻦ ﻣﺤﺘﻮﺍﻩ، ﻓﻤﺜﻼً: ﻳﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﻘﺪﻭﺓ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺼﻠﺤﻴﻦ ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﺍﻟﻘﻮﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﻴﺮ ﻭﺍﻟﻤﺆﺛﺮﻳﻦ، ﻭﺗُﻌﺎﺩ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻟﺘﺼﺒﺢ ﻗﻮﺓ ﻇﺎﻫﺮﺓ (ﻣﺎﻝ ﻭﻧﻔﻮﺫ)، ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﻗﻮﺓ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻭﺍﻷﺧﻼﻕ ﻭﺍﻟﻌﺪﻝ.

ﺇﻥ ﻟﻠﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺃﻫﻤﻴﺘﻬﺎ، ﻭﺧﻄﺮﻫﺎ، ﻓﻬﻲ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻣﻢ. ﻭﻟﻬﺬﺍ، ﻓﺈﻥ ﺗﺪﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭﺗﺸﻮﻳﻬﻬﺎ، ﺃﻭ ﺗﻐﻴﻴﺮﻫﺎ، ﻳﺸﻜﻞ ﺧﻄﻮﺭﺓ ﻛﺒﺮﻯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻭﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻷﻱ ﺃﻣﺔ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻷﻣﺔ ﻭﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، ﻭﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ؛ ﺭﻛﻨﺎﻥ ﺃﺻﻴﻼﻥ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ.

ﻟﻬﺬﺍ ﺗﺼﺒﺢ ﺭﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺿﺮﻭﺭﺓً، ﻻ ﺗﺮﻓًﺎ: ﺗﺄﺻﻴﻞٌ ﻣﺴﺘﻤﺮ، ﺗﻜﺮﺍﺭٌ، ﻣﺮﺍﺟﻌﺔٌ، ﻭﺗﺜﺒﻴﺖٌ.

ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻣﺸﺮﻭﻉ ﺣﻴﺎﺓ: ﻫﻲ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻟﻠﻬﻮﻳﺔ، ﻭﺻﻴﺎﻧﺔ ﻟﻠﻔﻄﺮﺓ، ﻭﺗﺄﺳﻴﺲ ﻟﻮﻋﻲٍ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻋﺎﻟﻢٍ ﺗﺘﺒﺪّﻝ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ. ﻭﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﻧﻌﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﺘﻬﻴﺄ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺎﺕ ﻋﻤﺮﻩ ﻣﻦ ﻳُﻘﻮّﻡ ﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻪ ﻭﻳﺮﺳﻢ ﻟﻪ ﺗﺼﻮّﺭﺍﺕ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ؛ ﺗﺼﻮّﺭﺍﺕٌ ﺭﺍﺳﺨﺔ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ.

ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻛﺎﺋﻨﺎﺕ ﺣﻴّﺔ، ﺗﻤﻮﺕ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗُﺮﻉَ، ﻭﺗﻀﻌﻒ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗُﺠﺪَّﺩ، ﻭﺗﺘﺒﺪﺩ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﺆﻛﺪ، ﻭﺗﺬﺑﻞ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﺴﻘﻰ، ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ – ﻛﺎﻹﻳﻤﺎﻥ ﺗﻤﺎﻣًﺎ – ﺗﻀﻌﻒ ﻣﻊ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻧﺸﻌﺮ، ﻭﺗﺘﺂﻛﻞ ﺑﺼﻤﺖ، ﺧﺼﻮﺻًﺎ ﺣﻴﻦ ﻳﻌﻴﺶ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﺘﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻫﻦ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﻔﺘﻮﺭ ﺍﻹﻳﻤﺎﻧﻲ. ﻭﻟﺬﺍ ﺗﺄﺗﻲ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ: “ﻻ ﺗُﻘﺮّﺭ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻚ، ﻭﻻ ﺗُﻌﻴﺪ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻚ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺿﻌﻔﻚ”.

ﻭﻣﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺿﻴﺎﻉ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺃﻧﻨﺎ ﻗﺪﻣﻨﺎ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ، ﻭﺍﻟﻤﻬﺎﺭﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ، ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻮﺻﻠﺔ، ﻋﻠّﻤﻨﺎ ﺃﺑﻨﺎﺀﻧﺎ ﻛﻴﻒ ﻳﻨﺠﺰﻭﻥ، ﻭﻟﻢ ﻧﻌﻠّﻤﻬﻢ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻳﻨﺠﺰﻭﻥ، ﺩﺭّﺑﻨﺎﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﺩﻭﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻟﻢ ﻧﺒﻦِ ﻟﻬﻢ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻓﺄﻧﺘﺠﻨﺎ ﺟﻴﻼً ﻗﻮﻳًﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ… ﺿﻌﻴﻔًﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ.

ﻭﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺒﻌﺾ ﺍﺭﺗﺒﺎﻃًﺎ ﻭﺛﻴﻘًﺎ، ﻓﺎﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻳﻀﻊ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ، ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺗﺤﺪﺩ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ، ﻭﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻳﺼﻨﻊ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ، ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺗﺤﺮﻙ ﺍﻟﻔﻌﻞ، ﻭﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻳﻌﻄﻲ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ، ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺗﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﺪﻑ.

ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻫﻮ ﺟﺰﺀ ﺃﺻﻴﻞ ﻣﻦ ﺭﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ؛ ﻓﺎﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻭﺣﺪﻩ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻨﻊ ﻏﺎﻳﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ.

ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻻ ﺗُﺪﺭَّﺱ ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﺗُﻌﺎﺵ، ﻭﺗﻨﺘﻘﻞ ﻛﺮﻭﺡ ﺗُﺴﻜﺐ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﻤﺘﺮﺑﻴﻦ، ﻓﺎﻟﻤﺮﺑﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺤﻤﻞ ﺭﻭﺣًﺎ ﺣﻴﺔ ﻣﺘﻘﺪﺓ ﻣﺘﺸﺒﻌﺔ ﺑﺎﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﺻﺪ، ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻧﻘﻞ ﺫﻟﻚ ﻟﻠﻤﺮﺑﻴﻦ، ﻷﻥ ﻣﺎ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﻪ ﻳﺴﺮﻱ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﻳﺼﺎﺣﺒﻚ ﺃﻭ ﻳﺘﻌﻠﻢ ﻣﻨﻚ، ﻓﻨﺤﺘﺎﺝ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺇﻟﻰ “ﻧﻔﺦ ﺍﻟﺮﻭﺡ” ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺑﻴﻦ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ.

ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻘﺪﻭﺓ ﺍﻟﺤﻴّﺔ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ ﺍﻟﻘﺮﻳﺒﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﻤﺘﺮﺑﻲ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻣﺘﺠﺴﺪًﺍ ﺃﻣﺎﻣﻪ، ﻳﺤﻤﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻭﻳﻄﺒﻘﻬﺎ. ﻭﻋﺒﺮ ﺍﻟﻤﺪﺧﻼﺕ ﺍﻟﻤﺘﻜﺮﺭﺓ: ﻓﺎﻟﺘﻜﺮﺍﺭ ﻳﺼﻨﻊ ﺍﻹﻃﺎﺭ ﺍﻟﺬﻫﻨﻲ ﻭﻳﻐﺮﺱ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ، ﻭﻳﺮﺳﺦ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺎﺕ ﻭﻳﻌﺰﺯ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭﻋﺒﺮ ﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ: ﻓﺎﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﺗﻮﻓﺮ ﻣﻨﺎﺥ ﻟﻨﻤﻮ ﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ، ﻭﻛﻞ ﻋﺎﺩﺓ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻔﻬﻮﻣًﺎ ﻣﻀﻤﻨًﺎ، ﻭﻋﺒﺮ ﺍﻟﻤﻨﻬﺎﺝ ﺍﻟﺨﻔﻲ: ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﺑﺼﻤﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺑﻴﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺸﻌﺮ ﻭﻋﺒﺮ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀﺍﺕ ﺍﻟﺪﻭﺭﻳﺔ: ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻜﺮﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺮﺑﻲ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭﻳﺮﺳﺦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ.

ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ، ﻳﺒﻌﺚ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻳﻨﻔﺦ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺮﻭﺡ: ﺣﺮﺍﺭﺓ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺒﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻘﺔ، ﻭﺍﻟﺼﺪﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺼﺢ.

ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻗﺪ ﻳﻔﺸﻞ ﻣﺸﺮﻭﻉ ﺗﺮﺑﻮﻱ ﺿﺨﻢ، ﻭﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺗﺄﻫﻴﻠﻲ ﻛﺒﻴﺮ ﺃﻧﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻼﻳﻴﻦ، ﻭﺗﻨﺠﺢ ﻛﻠﻤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﻣﺮﺏٍّ ﺻﺎﺩﻕ.

ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ ﺍﻟﻤﻔﻘﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻨﻬﺠًﺎ ﺩﺭﺍﺳﻴًﺎ ﻭﻻ ﻣﻬﺎﺭﺓ ﺣﻴﺎﺗﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ؛ ﺑﻞ ﻫﻲ ﻋﻮﺩﺓ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ، ﻭﺭﺑﻄﻬﺎ ﺑﺎﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ، ﻭﺑﺎﻟﺮﻭﺡ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺒﺮﺍﻣﺞ.

ﻭﺣﻴﻦ ﺗُﺴﺘﻌﺎﺩ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ، ﻭﺗﺼﺢّ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ، ﻭﻳﺸﺘﻌﻞ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻤﺘﺮﺑﻲ، ﻳﻮﻟﺪ ﺟﻴﻞ ﻳﻌﺮﻑ ﻣﻦ ﻫﻮ؟ ﻭﺃﻳﻦ ﻳﻘﻒ؟ ﻭﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ﻳﺴﻴﺮ؟ ﺟﻴﻞ ﻳﻔﻬﻢ ﺛﻢ ﻳﻌﻤﻞ، ﺟﻴﻞ ﻳﺤﻴﺎ ﺛﻢ ﻳﻌﻤّﺮ.

ﻭﺗﻌﻮﺩ ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ ﺭﺳﺎﻟﺘﻬﺎ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻭﻏﺎﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ، ﻭﺣﻴﻨﻬﺎ ﻗﺪ ﻳﻘﻮﻝ ﻗﺎﺋﻞ:
ﻣﺎ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺼﻠﺢ ﻛﻞ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ؟!

ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﺍﻟﻤﻘﺎﺻﺪ ﻭﺃﺻﻞ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﻛﻠﻬﺎ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻟﻠﻪ، ﻓﺎﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻬﻤﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺟﻴﻞ ﻣﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ ﺟﻮﻫﺮ ﻭﺟﻮﺩﻩ، ﻭﺗﺎﺋﻪ ﻑ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺫﺍﺗﻪ، ﻭﻣﻤﺰﻕ ﺑﻴﻦ ﺭﻏﺒﺎﺗﻪ ﻭﻣﺘﻄﻠﺒﺎﺕ ﻋﺼﺮﻩ.

ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻔﻬﻮﻣًﺎ ﺗﻌﺒﺪﻳًﺎ ﺿﻴﻘًﺎ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﻨﻈﻮﺭ ﻛﺎﻣﻞ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ، ﺗُﺒﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ، ﻭﺗﻨﺪﺭﺝ ﺗﺤﺘﻪ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ، ﻭﺗﻜﺘﺐ ﻧﺤﻮﻩ ﺍﻷﻫﺪﺍﻑ، ﻭﺗﺸﺘﻖ ﻣﻨﻪ ﺍﻷﻧﺸﻄﺔ، ﻭﺗﻘﺎﻡ ﺣﻮﻟﻪ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺍﺕ.

ﻭﺿﻮﺡ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺗﻌﻄﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻮﺟﻮﺩﻩ ﻻ ﺗﻤﻨﺤﻪ ﺃﻱ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺑﺸﺮﻳﺔ، ﺗﻤﻨﺤﻪ ﻣﺮﺟﻌًﺎ ﺛﺎﺑﺘًﺎ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﺘﺤﻮﻻﺕ، ﺗﻌﻠﻤﻪ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺠﺎﺯ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻓﻘﻂ، ﺑﻞ ﻓﻲ ﻗﻴﺎﻣﻪ ﺑﻮﻇﻴﻔﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ، ﻭﺗﻮﺟﺪ ﻟﺪﻳﻪ ﺍﺗﺴﺎﻗﺎ ﺩﺍﺧﻠﻴﺎ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻪ ﻭﻣﺎ ﻳﻤﺎﺭﺳﻪ.

ﺣﻴﻦ ﺗﻐﻴﺐ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ، ﻳُﻔﻘﺪ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻭﺗﻀﻴﻊ ﺍﻟﺒﻮﺻﻠﺔ ﻭﻳﺨﺘﻠﻒ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ، ﻭﻳﻨﺸﻐﻞ ﺑﺎﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻜﻠﻴﺎﺕ ﻭﺑﺎﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻐﺎﻳﺎﺕ، ﻭﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻬﺎﻡ ﺑﻼ ﺭﻭﺡ، ﻭﺗﻜﺜﺮ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﻭﻳﺮﺗﺒﻚ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪ، ﻭﺗﺘﻀﺨﻢ ﺍﻷﻧﺎ، ﻭﺗﻜﺜﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩﺍﻧﻴﺔ ﻭﺗﻐﻴﺐ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭﺗﺘﺸﻮﻩ ﺍﻟﺒﻴﺌﺎﺕ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ ﻭﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﺒﺮﺍﻣﺞ ﺑﻼ ﺭﻭﺡ، ﻭﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﺑﻼ ﻣﻌﻨﻰ، ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﺑﻼ ﻗﻴﻤﺔ، ﻭﺍﻹﻧﺠﺎﺯ ﺑﻼ ﺃﺛﺮ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﺣﻴﻦ ﺗﻨﻔﺼﻞ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻋﻦ ﻏﺎﻳﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻭﺗُﺨﺘﺰﻝ ﻓﻲ ﻧﻘﻞ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺃﻭ ﺿﺒﻂ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﻱ، ﺃﻭ ﺗﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﺒﺮﺍﻣﺞ ﻭﺍﻷنشطة، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻔﻘﺪ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺍﻷﺻﻠﻴﺔ: ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﺑﺪ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪ، ﺍﻟﻤﺰﻛّﻲ ﻟﻨﻔﺴﻪ، ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﻪ، ﺍﻟﻤﺆﺩﻱ ﺃﻣﺎﻧﺘﻪ ﻭﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻻﺳﺘﺨﻼﻑ. ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ ﺍﻟﻤﻔﻘﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻭﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻫﺞ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻭﺿﻮﺡ ﺍﻟﻤﻘﺼﺪ ﻭﺍﺳﺘﺤﻀﺎﺭ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ؛ ﻓﺒﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻧﻌﻴﺪ ﻭﺻﻞ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻭﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ، ﺗﺴﺘﻌﻴﺪ ﻗﺪﺭﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺒﻨﻴﺎﻥ، ﻭﺻﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ ﻗﺒﻞ ﻣﻈﺎﻫﺮﻫﺎ، ﻭﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﻗﺒﻞ ﺃﺩﻭﺍﺗﻬﺎ.

___________________________________
الكاتب: عبدالله بن صلاح الشهري