من مواطن عظمة الإسلام أنه لم يجعل بينك وبين الله أحداً
العناصر الأساسية: العنصر الأول: ليس بينك وبين الله أحد. العنصر الثاني: مرتكب الكبيرة عاص لكنه لا يخرج من الملة. العنصر الثالث: من تاب تاب الله عليه. العنصر الرابع: التوبة من مظالم العباد مشروطة.
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه {{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَـٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }} [سورة النساء] .
أيها الإخوة الكرام: ما زلنا نتحدث بفضل الله تعالى عن مواطن العظمة في الإسلام، والتي بالمناسبة لا نكاد نحصيها عداً..
وموطن العظمة في الإسلام والذي نتحدث عنه اليوم هو: أن الله تعالى لم يجعل بيننا وبينه أحداً، فلا رقيب علينا إلا الله، ولا مالك لأمرنا إلا الله، ولا وسيط بيننا وبين ربنا، ولا يغلق الله تعالى بابه في وجه مخلوق، وإذا فتح الله باباً لم يغلقه أحد..
تسأل رزقاً: قل يا رب..
تسأل علماً: قل يا رب..
تسأل ستراً: قل يا رب..
تسأل عفة: قل يا رب..
تسأل ولداً: قل يا رب..
تسأل غفران الذنوب: قل يا رب..
تسأل رضا علام الغيوب: قل يا رب..
{{وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}}
{{وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ}}
{{وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}}
{{وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}}
في الحديث القدسي يقول الله عز وجل: «" يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ. يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ. يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ. يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ "»
من مواطن العظمة في الإسلام أن الصلة بين العبد وبين ربه موصولة لا تنقطع، ولا يتوسط فيها نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا أحد بينك وبين الله عز وجل..
قال الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلّم «" إذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجفت الصحف "»
في الإسلام لم يجعل الله بيننا وبينه أحداً..
الصحابة رضوان الله تعالى عليهم سألوا رسول الله عن الأهلة فجاء الجواب: {{قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ }}
سألوا رسول الله عن الشهر الحرام قتال فيه؟ فجاء الجواب : {{ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ}}
سألوا رسول الله عن المحيض فجاء الجواب: {{قُلْ هُوَ أَذًى}}
في عموم القرآن يسألونك عن (كذا) قل (كذا) إلا عندما سألوا رسول الله عن الله جاء الجواب بدون (قل) لماذا؟
الجواب: لأنه لا أحد بيننا وبين ربنا..
عن ابن عباس قال : قالت اليهود لسيدنا محمدصلى الله عليه وسلّم كيف يسمع ربنا دعاءنا ، وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء خمسمائة عام ، وغلظ كل سماء مثل ذلك ؟! فنزلت {﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ﴾ }
وقال الحسن : سأل قوم من الصحابة فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه ؟ فنزلت الآية {﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا۟ لِى وَلْيُؤْمِنُوا۟ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾}
في عقيدة أهل السنة والجماعة أن الذنوب تضعف الإيمان وتزلزله، الذنوب تمزق الإيمان، لكن الذنوب لا تُخرج صاحبها من الملة مهما كان الذنب كبيراً..
أكل أموال اليتامى ظلماً، ظلم عظيم لكنه لا يخرج من الملة..
شرب الخمر جرم كبير لكنه لا يخرج من الملة..
سوء الجوار، والغمز واللمز والخوض في أعراض العباد سيئات منكرات لكنها لا تخرج من الملة..
عقوق الوالدين ذنب قبيح لكنه لا يخرج من الملة..
قطيعة الرحم سيئة كبيرة لكنها أيضاً لا تخرج من الملة..
عقيدة أهل السنة والجماعة تقول: إن مرتكب الكبيرة مسلم عاص ليس بكافر ولا يحل دمه، إنما يدخل بذنبه تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء الله أن يعذبه عذبه وهو غير ظالم له، وإن شاء الله أن يرحمه رحمه ورحمته خير للعبد من عمله..
مرتكب الكبيرة مسلم عاص أمره مردود إلى الله تعالى، مرتكب الكبيرة يستغفر الله تعالى ، والله تعالى إن شاء غفر له وإن شاء لم يغفر له
مرتكب الكبيرة يتوب إلى الله تعالى، والله تعالى إن شاء تاب عليه، وإن شاء لم يتب عليه..
{{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا، إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا، وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا } }
أيها الإخوة الكرام: من المبشرات المباركات أن جميع الذنوب صغيرها وكبيرها قد يغفرها الله عز وجل إن لم تكن شركاً..
عن أنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «" قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ، وَلَا أُبَالِي. يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي. يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً "» .
فالشرك فقط هو الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله عز وجل أبداً إذا مات العبد عليه ، اللهم إلا أن يدعه العبد في حياته ويؤمن عند ذلك فقط يغفر الله للعبد ما قد سلف..
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه « لمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي، أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ : ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ. قَالَ : فَقَبَضْتُ يَدِي. قَالَ : " مَا لَكَ يَا عَمْرُو ؟ " قَالَ : قُلْتُ : أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَالَ : " تَشْتَرِطُ بِمَاذَا ؟ " قُلْتُ : أَنْ يُغْفَرَ لِي. قَالَ : " أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ؟ "، وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ ؛ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ..» "
بنو إسرائيل ما بنو إسرائيل؟!
عُرف بنوإسرائيل بين الأمم بجحود نعم الله تعالى، وعرفوا بقسوة القلوب، تشددوا في الأمور كلها فشدد الله تعالى عليهم..
أذنب بنو إسرائيل على عهد سيدنا موسى عليه السلام ذنوباً كثيرة، وعاش بينهم سيدنا موسى علي السلام حياة مريرة..
لما تجبر عليهم الفرعون عتبوا على موسي بما لم يكن له فيه يد.. { {قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا }}
ثم إنه خرج بهم من مصر وضرب لهم في البحر طريقا يبساً فلما جاوزوه أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إله كما لهم آلهة..
ثم إنه أمرهم بأمر الله تعالى أن يدخلوا الأرض المقدسة فقالوا أولا {{إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا}}
ثم قالوا في الأخير {{قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}}
فضرب الله عليهم التية في أرض سيناء أربعين سنة عاشها معهم سيدنا موسى وسيدنا هارون إلا قليلاً..
قالوا يا موسى أرنا الله جهرة ..
قالوا يا موسى لن نصبر على طعام واحد..
ولما توفي سيدنا هارون اتهموا موسى بأنه قتله {{ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ۚ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا }}
فعل بنو إسرائيل ذلك، وفعلوا غير ذلك، والله تعالى يملي لهم ويمهلهم ويتجاوز عنهم برحمته وكرمه..
لكن أتى بنو إسرائيل بالذنب الأكبر الذي لا يغفره الله أبداً ( أشركوا بالله تعالى واتخذوا العجل معبودا إلها) عند ذلك أخذهم الله تعالى بعقاب شديد فضربهم بالذلة والمسكنة، وغضب الله تعالى عليهم فلم يُفلت منهم أحد ممن اتخذ العجل معبوداً..
عند ذلك أذن الله لبني إسرائيل أن يتوبوا لكن شدد عليهم توبتهم فجعل توبتهم أن يقتل بعضهم بعضاً..
أرسل الله عليهم ظلاماً دامساً لا يرى الإنسان فيه أصابعه ثم هجم بعضهم على بعض يقتل بعضهم بعضاً.. ثم إن الظلام انكشف فكانت المقتلة للمقتول شهادة، وكانت المقتلة للباقي توبة.. {{وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ، ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }}
كانت هذه توبة الله تعالى على بني إسرائيل، شددوا على أنفسهم فشدد الله تعالى عليهم..
أما أمة محمد صلى الله عليه وسلّم: فهي أمة مرحومة، يسر الله عليها، لضعفها، يذنب أحدهم الذنب فيكفيه أن يندم، يكفيه أن يقلع عن الذنب، ويعزم على ألا يعود إليه، وإن كان الذنب بينه وبين الناس رد المظالم إلى أهلها، والله تعالى برحمته يغفر الذنب ويقبل التوب..
هكذا.. بينك وبين الله تعالى فقط ، ليس بينك وبين الله وسيط {{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }}
موطن من مواطن العظمة في الإسلام أن بابه مفتوح بالمغفرة والعفو والقبول فلا ييأس المسلم ولا يقنط المسلم من رحمة الله ولو زلت قدمه مرة أو مرتين..
قال الشَّيْطَان : وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ، لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ. فقَالَ الرَّبُّ : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي ".
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يستر برحمته وكرمه عيوبنا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
الخطبة الثانية.
بقي لنا في ختام الحديث عن موطن من مواطن العظمة في الإسلام وهو أن الله تعالى لم يجعل بيننا وبينه أحداً بقي لنا نقول:
إن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون..
لكن لا بد وأن نفرق بين ذنب بينك وبين الله، وبين ذنب بينك وبين الناس..
ما كان بينك وبين الله تعالى، فالتوبة منه ندم، وإقلاع عن الذنب، وعزم على ألا تعود لذلك الذنب..
أما ما كان بينك وبين الناس فالتوبة منه ندم، وإقلاع عن الذنب، وعزم على ألا تعود لذلك الذنب، مع رد المظالم إلى أهلها ..
التوبة مما بينك وبين الناس أن ترد المظالم إلى أهلها ( أن تسد ما عليك، أن تعط كل ذي حق حقه، أو تستسمح صاحب الحق فيسامحك) بدون ذلك لا يغفر الله لك ولو استغفرت الله في كل يوم ألف مرة..
من أكل حق شريكه..
من أكل مال يتيم..
من اغتاب أخاه..
من اختلس مالاً عامّاً، من سرق، من نهب، من سلب، من اغتصب ما لا يحل له.. لا يغفر الله ذنبه، ولا يقبل الله توبته إلا برد تلك المظالم إلى أصحابها..
لما حضرت عبادة بن الصامت رضي الله عنه الوفاة قال:أخرجوا فراشي إلى صحن الدار، فأخرجوه، قال: اجمعوا لي مواليَّ وخدمي وجيراني ومن كان يدخل عليَّ. فجمعوهم له، فقال: إني لأرى يومي هذا آخر يوم يأتي عليَّ من الدنيا، وليلتي هذه أول ليلة من الآخرة، وإني لا أدري لعلّه فَرَطَ مني إليكم شيء بيدي أو بلساني هو والذي نفس عبادة بيده القصاص يوم القيامة، أحرِّج على أحد منكم في نفسه عليَّ شيء من ذلك إلا اقتص مني قبل أن تخرج روحي، فبكوا جميعاً وضجُّوا وقالوا: بل كنت والداً، وكنت مربياً، وكنت مؤدباً، ولم يكن قال لخادم قط سوءاً، قال: تجودون لي بالدمع، وما يغني الدمع. أغفرتم لي؟ فضجُّوا وقالوا: أن نعم، قال: اللهم اشهد .. اللهم اشهد .. اللهم اشهد .. أشهد أن لا إله إلا الله. ثم لقيَ الله.
قَال النبي عليه الصلاة والسلام : «" مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ "» «» .
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعصمنا من الزلل وأن ينجينا برحمته من سوء العمل إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
----------------------------------------------------------
جمع وترتيب : الشيخ / محمد سيد حسين عبد الواحد.
إمام وخطيب ومدرس أول .
إدارة أوقاف القناطر الخيرية.
مديرية أوقاف القليوبية . مصر
- التصنيف: