قوانين الأسباب والمسببات

منذ 11 ساعة

فالحذر الحذر من أفعال أقوام فمرقوا عن الأوضاع الدينية، وظنوا أن كمال الدين بالخروج عن الطباع، والمخالفة للأوضاع.

 

عرضت لي حالة لجأت فيها بقلبي إلى الله تعالى وحده، عالماً بأنه لا يقدر على جلب نفعي ودفع ضري سواه.
ثم قمت أتعرض بالأسباب، فأنكر على يقيني، وقال: هذا قدح في التوكل.
فقلت: ليس كذلك، فإن الله تعالى وضعها من الحكم.
وكان معنى حالي أن ما وضعت لا يفيد وإن وجوده كالعدم.
وما زالت الأسباب في الشرع كقوله تعالى: " {وَإذَا كُنْتَ فِيِهمْ فَأَقَمْتَ لَهْمْ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} " .
وقال تعالى: " {فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلهِ} " .
وقد ظاهر النبي صلى الله عليه وسلم بين درعين، وشاور طبيبين، ولما خرج إلى الطائف لم يقدر على دخول مكة، حتى بعث إلى المطعم بن عدي فقال: أدخل في جوارك.
وقد كان يمكنه أن يدخل متوكلاً بلا سبب.
فإذا جعل الشرع الأمور منوطة بالأسباب، كان إعراضي عن الأسباب دفعاً للحكمة.
ولهذا أرى أن التداوي مندوب إليه، وقد ذهب صاحب مذهبي إلى أن ترك التداوي أفضل، ومنعني الدليل من اتباعه في هذا فإن الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أنزل الله داء إلا وأنزل له دواء فتداووا.
ومرتبة هذه اللفظة الأمر، والأمر إما أن يكون واجباً، أو ندباً.
ولم يسبقه حظر، فيقال: هو أمر إباحة.
وكانت عائشة رضي الله عنه تقول: تعلمت الطب من كثرة أمراض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ينعت له.
وقال عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: كل من هذا فإنه أوفق لك من هذا.
ومن ذهب إلى أن تركه أفضل احتج بقوله عليه الصلاة والسلام: يدخل الجنة سبعون ألفاً بلا حساب. ثم وصفهم فقال: لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون.
وهذا لا ينافي التداوي، لأنه قد كان أقوام يكتوون لئلا يمرضوا ويسترقون لئلا تصيبهم نكبة، وقد كوى عليه الصلاة والسلام سعد بن زرارة، ورخص في الرقية في الحديث الصحيح. فعلمنا أن المراد ما أشرنا إليه.
وإذا عرفت الحاجة إلى إسهال الطبع، رأيت أن أكل البلوط مما يمنع عنه علمي، وشرب ماء التمر عندي أوفق، وهذا طب.
فإذا لم أشرب ما يوافقني، ثم قلت اللهم عافني، قالت لي الحكمة: أما سمعت أعقلها وتوكل ؟ إشرب وقل عافني، ولا تكن كمن بين زرعه وبين النهر كف من تراب، تكاسل أن يرفعه بيده، ثم قام يصلي صلاة الاستسقاء.
وما هذه الحالة إلا كحال من سافر على التجريد، وإنما سافر على التجريد لأنه يجرب بربه عز وجل هل يرزقه أو لا، وقد تقدم الأمر إليه: " وَتَزَوَّدُوا " فقال: لا أتزود، فهذا هالك قبل أن يهلكه.
ولو جاء وقت صلاة وليس معه ماء، ليم على تفريطه، وقيل له: هلا استصحبت الماء قبل المفازة.
فالحذر الحذر من أفعال أقوام فمرقوا عن الأوضاع الدينية، وظنوا أن كمال الدين بالخروج عن الطباع، والمخالفة للأوضاع.
ولولا قوة العلم والرسوخ فيه، لما قدرت على شرح هذا ولا عرفته، فافهم ما أشرت إليه، فهو أنفع لك من كراريس تسمعها، وكن مع أهل المعاني لا مع أهل الحشو.

  • 0
  • 0
  • 59

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً