محاولة اغتيال حازم أبو إسماعيل

منذ 2012-03-12

في حدود علمي أُعلن عن فشل محاولتين لاغتيال المرشح الرئاسي حازم صلاح أبو إسماعيل، وقعت الأولى ليلة 11/23 عندما تمكن عدد من شباب الثورة الموجودين بميدان التحرير من الإمساك بضابط أمن دولة يحمل سلاحًا ناريًا، وكاتمًا للصوت...


في حدود علمي أُعلن عن فشل محاولتين لاغتيال المرشح الرئاسي حازم صلاح أبو إسماعيل، وقعت الأولى ليلة 11/23 عندما تمكن عدد من شباب الثورة الموجودين بميدان التحرير من الإمساك بضابط أمن دولة يحمل سلاحًا ناريًا، وكاتمًا للصوت، وقالوا إنهم علموا بعد استجوابه ميدانيًّا أنه جاء لاغتيال الشيخ حازم أبو إسماعيل داخل الميدان، والمحاولة الثانية بعدها بفترة وجيزة وألقي القبض فيها على أمين شرطة أمن دولة انتحل صفة طبيب أسنان.


بالطبع لست جهة تحقيق لتعرف حقيقة الأمر، ولم أعرف مصير التحقيقات في هذين الحدثين - إن كان أجري تحقيق أصلاً- ولكني من جهة فإني لم أقتنع بما أشيع إعلاميًّا على لسان الضابط حول سبب وجوده بميدان التحرير في هذا الوقت وتلك الظروف، ومن جهة أخرى فإني لا أظن أن غباء أعداء الأستاذ حازم وصل إلى هذه الدرجة من العمى السياسي الذي لا يقدِّرون فيه عواقب تصفيته جسديًّا بهذه الصورة.. بالطبع لا يوجد عندهم مانع أخلاقي، ولكن المانع السياسي المتمثل أساسًا في التحسب لردود الفعل والاضطرابات المحتملة من مؤيديه الكُثُر والتخوف من تحويله إلى شهيد ورمز يلهم المناضلين من أجل مشروعه وقضيته، يجعلهم يفكرون أكثر من مرة قبل الإقدام على هذا النوع من النَّزَقُ السياسي.


والآن وقد بدأت المعركة الانتخابية الرئاسية تأخذ منحناً آخر ينذر بالدخول فيما يسمى بمرحلة تكسير العظام فقد رأينا محاولات اغتيال جديدة لأبرز المرشحين وأكثرهم شعبية -الأستاذ حازم صلاح أبو إسماعيل- ولكنها هذه المرة كانت بشكل مختلف؛ فإذا كانت محاولات الاغتيال السابقة تستهدف التصفية الجسدية وتندرج تحت ما يسمى بـ "الاغتيال السياسي"، فإن هناك صورًا أخرى من الاغتيال لا تقل عن السابقة خطورة وبشاعة، بل تكون أحيانًا أقسى منها وأكثر تأثيرًا وتحقيقًا للهدف المراد، وقد تكون أيضًا مقدمة للنوع الأول من عمليات الاغتيال.. ذلك هو ما يسمى بـ "الاغتيال المعنوي".


يقوم الاغتيال المعنوي على مبدأ اغتيال الشخصية بدل اغتيال الشخص، ويستهدف الإضرار بشخصية المستهدَف وصورته السياسية والاجتماعية؛ لاستنزافه معنويًّا وإفقاده تأثيره في المجتمع، من خلال التشكيك في مصداقيته أمام مجتمعه وجمهوره وجعله عنصرًا غير فعال ومحط اتهام جمهوره ومؤيديه ونقدهم، وللوصول إلى هذا الهدف فإنه يعتمد على:

• استهداف الخصم في مراكز قوته.
• ضربه بسلاحه ذاته الذي يستمد قوته منه.
• استخدام رموز معروفة "مع أو ضد"، يكون لها التأثير على الجمهور المستهدف بإيصال رسالة الاغتيال إليه.
• استخدام وسائل تشكيل الرأي العام الظاهرة "كالصحافة، والإذاعة، والتلفزيون"، وغير الظاهرة كالإشاعات، ومواقع التواصل الاجتماعي "كاليوتيوب والفيس بوك وتويتر"، ووسائل الخطاب الديني من "عظات وخطب ومحاضرات وفتاوى".


في حالة الأستاذ حازم صلاح أبو إسماعيل تتمثل أهم مكامن قوته المعنوية في أمرين:

1- ارتكاز مشروعه النهضوي وبرنامجه الرئاسي على المرجعية الإسلامية الواضحة.
2- غيرته الوطنية وانحيازه إلى الشعب الذي دعاه لأن يكون شعار حملته الانتخابية (سنحيا كرامًا).


وفي سياق القصف الإعلامي لمكامن قوة حازم أبو إسماعيل ومحاولة اغتياله معنويًّا، ظهرت مؤخرًا بعض مقاطع الفيديو المركبة ومتابعات صحفية تحاول النيل من الرجل بطرق خبيثة. سأبدأ بمحاولة استهداف غيرته الوطنية وانحيازه إلى الشعب، فقد ظهر مقطع فيديو يبدو أن من وراءه مغرم بـ "الأختام"، فأخذ يوزع ختم "خائن وعميل" على رموز جميع شرائح الشعب المصري واتجاهاته وأطيافه السياسية، حتى إني تحسبت أن يطال ختمه المشير والفريق! المهم أنه خَتَم تختيمه بمن زعم أنه يَخْفى على الشعب خيانته وعمالته.. حازم صلاح أبو إسماعيل.


وإذا كانت محاولته ضم حازم صاحب المواقف المعروفة وطنيًّا وثوريًّا وصاحب الشعبية الجارفة (وهذه هي المستهدفة) برموز دار حولها لغط كبير ورصيدها الشعبي محل نظر.. فهذه محاولة مكشوفة ومفضوحة، إلا أن ما يمكن أن نقف أمامه قليلاً هو ما نقله "حامل الختم" من كلمة أحد الشيوخ المحترمين في التيار السلفي، عندما ذكر عبارة الأستاذ حازم "منذ متى ونحن نعبأ بالدماء؟!"، وإذا كان "حامل الختم" أراد من وراء إيراد هذه الكلمة إيهام المشاهد بأنها دلالة عمالة وخيانة، فإن الفهم الطبيعي الذي يفهمه أي متكلم بالعربية في ضوء معرفتنا بقائلها وأخلاقياته ومنطلقاته هي أنها تدل على مدى إيمانه بمبادئه وثبوته عليها واستعداده للتضحية من أجلها حتى ولو اقتضى ذلك الدفاع عنها بأرواحنا ودمائنا، مع مراعاة الحكمة التي أمرنا بها ربنا تبارك وتعالى.. وهذا ما يحسب للرجل لا عليه.


أما استهداف مكمن القوة الآخر (ارتكاز مشروعه النهضوي وبرنامجه الرئاسي على المرجعية الإسلامية الواضحة)، فقد كان أكثر صعوبة رغم أهميته، لذا: استعملت فيه أساليب الضرب تحت الحزام ولجأ مُعدّو المقطع إلى التزييف والاجتزاء، فزعم أن الأستاذ حازم يجيز للنصارى سب النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان مقطع الفيديو الذي ظهر في هذه المحاولة لا يستحق الرد عليه، وقد أصدرت حملة الأستاذ حازم بيانًا يكشف عدم أمانة ناقل المقطع، ثم أوضحه الأستاذ حازم نفسه في أحد البرامج التلفزيونية، إلا أنني أحب أن أقف أمام أربع نقاط:


الأولى: مدى الجرأة والمخاطرة التي يمتلكها معدو المقطع، الذي يجعلهم يتصورون أن الناس ستصدق أن من نذر حياته وكرس جهوده دفاعًا عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وشريعته يمكن أن يجيز سب الرسول من أي أحد، وهذا ما يدل على مدى الانزعاج والإحساس بالخطر من وجود الأستاذ حازم في مضمار المنافسة.


الثانية: أن هذا المقطع استُخدِم فيه رمز يناسب المحتوى، أي: رمز ديني.. صحيح أن هذا الرمز ليس مشهورًا حتى في أوساط المتدينين، وصحيح أن هذا الرمز نفسه هاجم من قبل معظم الشيوخ المشهورين، فاتهم الشيخ "محمد عبد المقصود" بأنه تكفيري، ونالت سهامه الشيوخ "صفوت حجازي" و"محمد حسان" و"الحويني" و"الزغبي"، فضلاً عن "الإخوان المسلمين"... وغيرهم من رموز واتجاهات، وصحيح أن هناك أقاويل تشير إلى علاقة هذا الرمز والتيار المنتسب إليه بدوائر أمنية مشبوهة.. إلا أنه يبدو أن من وراء المقطع لم يجدوا في النهاية غيره أو أمثاله.. وهذا يدل على مدى الإفلاس الذي وصل إليه المسؤولون عن غرفة عمليات اغتيال حازم أبو إسماعيل معنويًّا.


الثالثة: إيضاح نقطة فكرية باهتة في وعي كثيرين، وهي الثغرة التي نفذ منها معدو المقطع، أعني: عدم التفرقة بين حرية العقيدة وحرية الرأي والتعبير في الإسلام، فحرية العقيدة في المجتمع الإسلامي أوسع بكثير من حرية الرأي والتعبير، وذلك متسق مع المنظومة الإسلامية العامة، التي تقوم على قيمتي: العبودية "أو السيادة" لله، والعدل، وهذا ما شرحته تفصيلاً في مقال سابق بعنوان (الإسلام والليبرالي: حقيقة التوجه الأمريكي وإمكانية الالتقاء الفكري)؛ فالإسلام الذي أقر أن يعيش في مجتمعه بسلام أهل الكتاب بالضوابط والأحكام المعروفة. أقر ذلك وهو يعرف ويشهد أن عقيدة هؤلاء تتضمن كفرًا بثوابته الإيمانية وتكذيبًا لرسوله، ولكنه لا يسمح بإعلان انتهاك أو انتقاص قيمه وثوابته في المجتمع، وهذا بالضبط ما عناه الأستاذ حازم، أي إن من حق المسيحي أن يعيش بيننا بعقيدته التي نعرف أنها تتضمن عدم الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل واتهامه بالكذب وادعاء النبوة، وهذا ما نعده سبًّا وانتقاصًا في حق النبي، والقول على الله قولاً شنيعًا لا يتسق مع ربوبيته سبحانه، ونقبل عيشه معنا على هذا الأساس، وهو أيضًا يقبل هذا العقد الاجتماعي مع علمه أن عقيدة المسلمين تتضمن إنزال ما يتخذه إلهًا بصورة أو بأخرى إلى مرتبة البشرية والعبودية، والنظر إلى كتابه المقدس على أنه كتاب محرف ومنتحل.. وهو ما يعده سبًّا وطعنًا في عقيدته ودينه... وهذا كله ما ينبغي ألا يتعارض مع التعايش السلمي في المجتمع المسلم القائم على أحكام الإسلام.


الرابعة: التنبيه على السلوك المعرفي الصحيح في مثل هذه الحالات، فاجتزاء مقطع من سياقه، أو تصيد كلمة أو عبارة قد يسبق أو يزل بها اللسان، وعزل الموقف عن المواقف الأخرى الشبيهة... ليس من سمات أهل العدل، ومن القواعد المعرفية لأهل السنة أن المتشابه يُحمل على المُحكَم، والمُجمَل يحمل على المفصَّل، وفي حالتنا هذه: إن فرضنا أن في كلام الأستاذ حازم في هذا الموقف بعض اللبس أو الغموض فقد بيَّن في مواقف أخرى سابقة ولاحقة كثيرة ما يقصده بما لا لبس فيه.


أخيرًا، فإننا يجب أن نتوقع مزيدًا من هذه المحاولات للاغتيال المعنوي لشخصية مثل شخصية الأستاذ حازم، وإذا كانت هذه المحاولات مؤشرًا على قوة الرجل ومكانته على الساحة، إلا أننا يجب ألا نتركها بغير معالجة ومواجهة سريعة وحاسمة وحكيمة في الوقت نفسه "قد يكون من الأنسب إهمال بعضها وتجاهله"، فهم يراهنون على نشر النقائص حتى ولو كانت يسيرة وضعيفة وتراكم أجزاء الصورة السلبية، ثم تجميعها في الوعي الجمعي لجمهور المؤيدين والمترددين، للوصول إلى النقطة الحرجة في عملية الاغتيال في الوقت المناسب.


وإذا كان ترويج مثل تلك الشائعات في المجتمع، يهدف في نهاية المطاف، إلى التعمية على الحقائق وتزييف وعي الشعب؛ للوصول إلى التأثير على إرادته وحرمانه بيده من خياره الصحيح، فإن التصدي لمثل هذا النوع من التصفية المعنوية يعتمد على مدى ثقافة المجتمع وتريثه في إطلاق الأحكام؛ لذا، فإن دورنا لا يقتصر على مواجهة هذه المحاولات وتفنيدها، بل نشر هذا الوعي بين قطاعات الشعب المختلفة بجميع الوسائل وعلى جميع المستويات.


خالد أبو الفتوح

[email protected]
 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 27
  • 0
  • 6,351
  • ابو احمد

      منذ
    اتقتلون رجلا ان يقول ربى الله

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً