رسالة (زهير القيسي) إلى الأمة الإسلامية..
اغتال الجيش الصهيوني يوم الجمعة الماضي الأمين العام للجان المقاومة الشعبية وهو فصيل فلسطيني مسلح يعتبر من الفصائل المقربة لحركة حماس، ويحمل في خطابه الفكري الهوية الإسلامية...
اغتال الجيش الصهيوني يوم الجمعة الماضي الأمين العام للجان المقاومة الشعبية وهو فصيل فلسطيني مسلح يعتبر من الفصائل المقربة لحركة حماس، ويحمل في خطابه الفكري الهوية الإسلامية، كما يؤمن بضرورة تحرير فلسطين بكامل ترابها من البحر المتوسط إلى نهر الأردن، ولا يؤمن بأي حق للصهاينة على أرض فلسطين.
وما يمنح الإنسان المسلم فسحة من الأمل تخرجه من حالة الإحباط التي يعيشها بسبب ترهل الأنظمة وانعدام الثقة بسبب الظروف الصعبة والحرجة التي جعلت الأمة الإسلامية من الأمم المتخلفة بعد أن كانت في مقدمتها في جميع المجالات، هو وجود المزيد من القيادات الإسلامية التي ما ملت في حمل راية النصرة لهذا الدين، ورفع كلمته.. وحتى على صعيد الفصائل الفلسطينية التي يغلب على خطابها السياسي والإعلامي الحديث عن الوطنية الفلسطينية وحصر القضية في بعدها الفلسطيني فقط.
إلا أننا حينما وصلتنا نسخة من رسالة الشهيد زهير القيسي (أبو إبراهيم) الأمين العام للجان المقاومة الشعبية فإننا علمنا أن بهؤلاء العظماء الذين رووا بدمائهم أوطانهم إنما فعلوا ذلك من أجل عزة دينهم، وإنهم يحملون ألوية النصر والرفعة في جهادهم ضد اليهود نيابة عن الأمة الإسلامية بأسرها، وإن تحدثوا باسم فلسطين دائمًا.
وفي مطلع رسالته يبدأ الشهيد قائلاً: "بسم الله الرحمن الرحيم: {...إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ...} [الرعد: 11].
وعنونت الرسالة التي نشرت بتاريخ 3 مارس 2012 م أي قبل يومين من استشهاده: (الحقيقة التي يجب أن تقر في القلوب أن الإسلام هو الحل.. والإسلام دين لا يقوم إلا بالجهاد في سبيل الله).
ثم يقول الشهيد: "إن المتأمل لواقع الأمة يجد عجباً، فإذا أمعن في التأمل وقرأ التاريخ من خلال دراسة المقدمات والنتائج فقد يزول العجب، فحركة الأمم عبر التاريخ تسير وفق ناموس رباني خطه الله عز وجل في آية محكمة معجزة: {...إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ..} [الرعد: 11]. فلا عجب إذن ونحن نتأمل النموذج المثالي لتكوين الأمة الشاهدة على الأمم ففي سنوات معدودة وعدد قليل من المؤسسين الأوائل، وامكانيات تكاد تكون هي العدم استطاع المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم أن يقيم أعظم جماعة وأعظم أمة ضاربًا أعظم مثل لنموذج فريد في الصلاح والعدل، نموذج كامل الملامح والصفات ولم يترك عذرًا لبشر من بعده أن يضيع في التيه والضلال.
قال الله سبحانه وتعالى: {..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا..} [المائدة 3]. وقال: {...مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38]. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك» (الألباني: صحيح الترغيب: 59). فهي واضحة لكل مستبصر متبع يراها في ليل الفتن كما يراها في نهار اليقين".
أسباب النصر والتمكين:
ويستطرد أبو إبراهيم -رحمه الله- في رسالة يتحدث فيها عن عوامل النصر لهذه الأمة وأسباب الهزيمة قائلاً: في واقع أمتنا اليوم حالة من التخبط المخطط له منذ أكثر من قرن من الزمان.. دول ممزقة مسلوبة الإرادة والكرامة وحكام أصبح بعضهم أداة لتنفيذ مخططات العدو، وحركات متفرقة ضعيفة الأداء.. إلى أن طفح الكيل وبدأت الشعوب العربية المقهورة في الثورة ضد حكم الطغاة..
وهذه الثورات لا يمكن أن تنتج تغييرًا حقيقيًا يؤدي إلى إقامة أمة عزيزة منتصرة ما لم تبادر الحركات الإسلامية الرائدة والعلماء بإضاءة الطريق أمام الناس، ليحدث التغيير الحقيقي في الشعوب والذي يؤدي بالتالي لنتيجة النصر والتمكين والعزة، والمطلوب من هذه الحركات ومن العلماء أن يبلغوا ويوضحوا للناس بأحسن السبل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]. ثم أن تكون هذه الحركات والعلماء قدوة للناس في السلوك والتضحية {..وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].
إن الأعداء يدركون تمامًا هذا السر، فهم منذ عشرات السنين يحاولون فصل الأمة عن أسرار قوتها، فهذا الحاخام مردخاي الياهو: "لنا أعداء كثيرون وهناك من يتربص بنا وينتظر الفرصة للانقضاض علينا، وهؤلاء بإمكاننا عبر الإجراءات العسكرية أن نواجههم ولكن ما لا نستطيع مواجهته هو ذلك الكتاب الذي يسمونه القرآن، هذا عدونا الأوحد الذي لا تستطيع وسائلنا العسكرية مواجهته..".
وتساءل مردخاي قائلا: "كيف يمكن أن يكون هناك سلام في الوقت الذي يقدس فيه المسلمون والعرب كتابًا يتحدث عنا بكل هذه السلبية.. على قادة الدولة عندنا أن يبلغوا قادة العرب أن يختاروا بين السلام معنا أو القرآن".
ورغم الهيمنة والتفوق الغربي على الأمة الإسلامية في القرن الماضي، فقد حاول المسلمون أن يستعيدوا زمام الأمور، ولكن للأسف من خلال البرنامج الغربي المتاح (الديمقراطية) فكانت النتيجة الصارخة، أن النظام الديمقراطي لم يكن إلا أداة غربية شديدة الكذب شديدة الخداع، لحرف الأمة عن السبيل القويم، وعن الأدوات الحقيقية والمقدمات الربانية للوصول للنصر والتمكين.
النماذج القريبة التي خاض فيها المسلمون تجربة الديمقراطية وفازوا كشفت زيف الحضارة الغربية فسرعان ما تحركت الجيوش وحركت أدواتها الغاشمة لمنع المسلمين من قطف ثمرة الفوز وتجربة الجزائر ماثلة أمام العيان. فالملعب لا يتسع إلا للاعب واحد فقط، وعلى الآخر أن يلعب دور الخصم المهزوم إلى الأبد، وإلا فاللعبة ستنقلب لمعركة حقيقية أعد لها الغرب قوته كاملة، ونحن لم نعد لها سوى حسن الظن بالنظام الغربي والمنظمات الدولية ومجلس الأمن والله سبحانه يقول: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} [هود: 113].
إن دوامة (الديمقراطية الغربية) التي تدور في بعض الدول العربية تحرك الناس بطريقة تجعلهم يعيشون في دوار دائم، وسعار يدفعهم لإتباع أساليب وممارسات بعيدة كل البعد عن المقدمات الربانية للنصر.
إن فرصة العمر للإنسان واحدة، بل هي كذلك للتنظيم والجماعة فلا يجوز للإنسان أن يغامر بعمره ولا للتنظيم أو الجماعة كذلك في تجربة غير مضمونة النتائج، بل إننا نكاد نجزم بالنتيجة من خلال المقياس الرباني في القرآن الكريم حيث قال عز وجل: {..مَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 123، 124].
يجب أن نكون على يقين أن الإسلام لا ينتصر إلا إذا تحركت الآيات في الصدور، ليصبح القرآن واقعًا نعيشه. وإذا كانت الوسيلة المتاحة الآن هي الانتخابات فعلينا أن نوقن أن الوصول للحكم عبر المنظومة السياسية الدولية ووفقًا للقواعد الديمقراطية الغربية لا يمكن أن يعتبر نصرًا ولن يكون كذلك أبدًا.
يجب أن نحسن استخدام الوسائل المتاحة دون أن نغفل عن الأسباب الحقيقية التي يرضاها الله لنا، والتي ضرب لنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم مثلا تطبيقيًا واضحًا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ..} [الأنعام: 153]. فإذا خدعت حركة ما نفسها وادعت أنها تستطيع الوصول لنتيجة النصر والتمكين دون المرور بمقدمات التغيير فإن عمر الحركة سينتهي، وستكون العاقبة وخيمة والحساب عسير.
إن الأمة الإسلامية بل إن العالم أجمع يمر بلحظة يجب فيها قول الحقيقة وعلى الجميع أن يسمع: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى . أَزِفَتِ الْآزِفَةُ . لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النجم: 56ـ 58]. إن الإسلام هو الحل، يجب أن تستسلم الأنفس لهذه الحقيقة.
والحقيقة الأخرى التي لا تنفصل عنها: أن الإسلام لا يقوم إلا بالجهاد في سبيل الله، بكافة مراحل الجهاد ابتداء بجهاد تحمل الأذى والصبر على المعاناة، وهذه المرحلة قطعنا فيها شوطًا طويلا فكان الآلاف من الدعاة الشهداء من أبناء الحركات الإسلامية، وقضى الآلاف من الشباب زهرات شبابهم في سجون الطغاة لا لذنب إلا لأنهم قالوا ربنا الله.
ثم مرحلة الإذن بالقتال لرد الظلم: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]. ثم مرحلة جهاد الدفع وهو واجب ومتعين إذا وقع الهجوم من الأعداء على أي بلد من بلاد المسلمين، ثم مرحلة جهاد الطلب لتكون كلمة الله هي العليا، ولكل مرحلة تفاصيل ومقدمات، إذا غاب هذا التصور فإننا سننتظر طويلا حتى يتحقق النصر وحتى تنجلي الفتنة، ولقد من الله على المجاهدين في فلسطين أن فهموا طبيعة الصراع، وأصبح لديهم يقينًا بأن الجهاد ضد المحتل اليهودي الغاصب هو الطريق للنجاة من المسئولية أمام الله، وهو السبيل الوحيد لاستعادة الأرض وتحرير المقدسات.
ورغم الحصار الشديد الذي يعاني منه أهل فلسطين في الضفة أو في غزة، ورغم شدة التآمر فإن صوت المجاهدين لا زال هو الصوت الأول، وإن كلمة الفصل الأخيرة لن تكون إلا للمجاهدين.
مشروع التغيير للأمة:
لذلك فإن على كل من يتقدم الناس بمشروع يهدف لتغيير الواقع الذي تعيشه الأمة أن يدرك أن هذا هو الطريق وأن عليه أن يصدق شعبه، فالرائد لا يكذب أهله، إنه طريق ذات الشوكة، الطريق الوحيد للنجاة من الفتن، وهو الطريق الوحيد للنصر والتمكين، وهو الطريق الوحيد لتحقيق الغاية من الوجود، وهي إقامة هذا الدين الذي هو دين الحق والعدل والخير: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 10، 11].
- التصنيف: