لماذا حمص؟!

منذ 2012-03-22

حمص السؤال الذي يتردد على الألسنة: لماذا كلُّ هذا الحقد والقسوة، والوحشية والبربرية على مدينة عُرفت بمدينة الأمن والسلام؟ ألم تكن حمص مدينة الجمال والسرور، يتبختر عاصيها تيهًا، وتفخر بخيراتها وطيبة سكانها؟


حمص السؤال الذي يتردد على الألسنة: لماذا كلُّ هذا الحقد والقسوة، والوحشية والبربرية على مدينة عُرفت بمدينة الأمن والسلام؟ ألم تكن حمص مدينة الجمال والسرور، يتبختر عاصيها تيهًا، وتفخر بخيراتها وطيبة سكانها؟ ألم ينزل في رُبَاها أربعمائة من صحابة نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم أو أكثر؟ ألم تجمع بين جنباتها من نادى على الموت مرات ومرات، فأَبَى الموت إلا أن يزوره على الفراش، فقال لنا -رضي الله عنه- معاتبًا للمتخاذلين: "فلا نامت أعين الجبناء".


يا إخوتي: ليست المقصودة حمص وحدها، بل المقصود من هذه البربريَّة هي العلاج بالصدمة المروّعة، وهم يقصدون مِن وراء ذلك مَا وراء حمص من المدن الثائرة.

ألسنا نحن من أطلق على هذه المدينة عاصمة الثورة السورية، كما أطلقنا على درعا مهدها وشرارة انطلاقتها؟
وفي عُرف سقوط الدول المستبدة الطاغية تسقط الدولة بسقوط عاصمتها، والأمس القريب منا يذكر لنا سقوط عاصمة الرشيد دار السلام بغداد، والأمس الأقرب شهد سقوط حكم الطاغية القذافي بسقوط قلعته باب العزيزية والعاصمة طرابلس الغرب، وبالأمس البعيد سقوط برلين عاصمة المستبد هتلر.


لا تلوموا السفاح على إجرامه، فهو طبعه وسجيته، فالذئب لا يمكن أن يكون إلا لاحمًا، وسيُسقى سفاحنا من الكأس الذي يسقي الآخرين منه، بل سنلوم مَن سلَّم راية الثورة لحمص، ومنحها لقب العاصمة، ثم يتركها تعاني كثرة الطاعنين لها، وقد أدركها أبو سفيان بن حرب -رضي الله عنه- قبل إسلامه، فدعا إلى إسقاط (المدينة) بعد النصر الذي حققه على جيش المسلمين في غزوة أحد، فدعاهم إلى الهجوم على المدينة، ليستأصل شأفة المسلمين، ويدمِّر عاصمتهم فينهي بذلك قلب الدولة الذي به تحيا وتقوم.

ولكن ما لا يعلمه الطغاة -ومنهم بشار ذلك السفاح المجرم- أن تلك القوانين تسري على أتباع الباطل والهوى، ودول الظلم والطغيان والقهر والإذلال، أما أتباع الحق وأنصاره فكلما سقط لهم قائد حمل الراية عنه ألف قائد، وكلما قُتل شابٌّ شبَّ بعده طفل، وكلما قتلوا طفلاً هبَّ للثأر له ألف رجل وشاب، وكلما أسقطوا عاصمة قامت وراءها عاصمة تحمل شعلة الجهاد، وما سقوط كابول ودمشق وبغداد بيد الطغاة والجبابرة، إلا دليل واضح على أن عاصمة الحق لا تنكسر ولا تسقط، قد تُسلم الراية لغيرها لكنها لا تموت.

قصدوا حمص، ليقتلوا القلب في ثورتنا، ولكن هيهات لهم! فكل مدينة في سوريا حمص، فقد رأينا كيف يناشد الثوارُ الجيشَ الخائن لوطنه أن يوجِّه سلاحه لهم، فداءً لحمص وأهلها.

هم قصدوا حمص، ولكنهم ما علموا أنهم بوحشيتهم جعلوا سوريا كلها حمص، وما علموا أن في قواميس الحق أن أصحاب الحق والقضية كلٌّ لا يتجزأ.


أيا حمص، يا أمنا الجريحة، كلنا لك الفداء، عهدًا علينا أننا لن ننتظر لنقول ذات يوم: معذرة سامحينا يا حمص، ثقل الدين علينا ووجب الوفاء، عهدًا علينا لن نتخلى عنك، ولو تخلت أرواحنا عن أجسادنا، نحن معكِ، قلوبنا معكِ، أرواحنا، أقلامنا، أموالنا لك الفدى، فسوريا الثائرة هي حمص، وحمص هي الثورة.

نعم، لأجل هذا يقصفون حمص، ويدكون بيوتها، ويقتلون شيبها وشبابها.. ولأجلها نكتب وندعو ونعمل ليبقى القلب صامدًا، وتبقى حمص عصيَّة على الغزاة والبرابرة، كما كانت أرضها وتربتها عصيَّة على عقارب الأرض والبشر، فحمص هي الثورة السورية، والثورة السورية هي حمص.


د. محمد مصطفى عبد الرزاق.
 
المصدر: موقع المركز الإعلامي لدعم ثوار حمص
  • 6
  • 0
  • 1,601

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً