رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (14)- الرهبان يجوبون شمال أوربة!

انطلق الرهبان يجوبون شمال أوربة ليدخلوا الهمج الهامج في النصرانية، ويعدوهم إعدادًا عظيمًا لخوض المعركة العظمى بين الإسلام والنصرانية، وكان جزءًا من هذا الإعداد تبشيع الإسلام في عيونهم وأن أهل الإسلام وثنيون، وأن رسول الإسلام كان وكان، فلم يتركوا بابًا من الكذب والتمويه والبشاعة إلا دخلوه، ليقروا معانيه في قرارة نفوس أتباعهم من الهمج الهامج، ليكون حقًا محضًا، قد انطلق به راهب أو ناسك أو قسيس، فهو منزه لا ينطلق إلا بالحق. فهذا الحق إذن، هو عندهم قسيم الدين الذي آمنوا به واعتنقوه. 

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (13)- الحروب الصليبية

الحروب الصليبية التي بدأت سنة 1096م ، إي بعد 6 قرون من سقوط الإمبراطورية الرومانية، في خلالها كان الإسلام قد ظهر بدينه وثقافته وغلب على رقعة ممتدة من حدود الصين إلى الهند، ومن أقصى الأندلس إلى قلب أفريقية، وأنشأ حضارة نبيلة متماسكة كاملة، بعد أن رد النصرانية وأخرجها من الأرض، وحصرها في الرقعة الشمالية التي فيها هذا الهمج الهامج الذي كان يعيش فيما يعرف اليوم باسم أوربة. وظل الصراع مشتعلًا مدة 5 قرون، بين النصرانية المحصورة في الشمال وبين الإسلام الذي يتاخمها جنوبًا. ولكن جيوش النصرانية لم تستطع أن تفعل شيء يذكر، مع تطاول الأمر. فرأوا أن يتجهوا إلى الشمال، ليدخلوا في النصرانية هذا الهمج الهامج الذي لا دين له يجمعه، ليكون بعد قليل مددًا لجيوش جرارة تطبق على ثغور الإسلام وعواصمه في الشام ومصر. 

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (12)- سراب مهلك

هذا الفساد لم يدخل على ثقافتنا دخولًا يوشك أن يطمس معالمها ويطفئ أنوارها، إلا بعد التصادم الصامت المخيف الذي حدث بيننا وبين الثقافة الأوربية الحاضرة. وإذا نحن أغفلنا هذا التاريخ ولم نتبينه تبينًا واضحًا، فكأننا أغفلنا القضية كلها، وأسقطناها أسقاطًا من عقولنا، وخالفنا سنة العقلاء المميزين في التبصر والتبين وترك التساهل عند مواطن الخطر، وصار كلامنا في الثقافة سدى كله وهدرًا، ثم عبثًا وثرثرة وتغريرًا، كما هو حادث الآن في حياتنا الأدبية هذه الفاسدة، وصار الأمر كله جنبًا عن طلب الحق، واستنامة لخداع الباطل وتسويله الخفي، واستدراجه إيانا إلى سراب مهلك. 

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (11)- الأصلا الأخلاقي (2)

وأسلافنا نحن العرب والمسلمين قد منحوا هذا الأصل الأخلاقي عناية فائقة شاملة، لم يكن لها شبيه عند أمة سبقتهم، ولم يتح لأمة لحقتهم وجاءت بعدهم أن يكون لهم عندهم شبيه أو مقارب. وهذه العناية بالأصل الأخلاقي هي التي حفظت على الثقافة الإسلامية تماسكها وترابطها مدة 14 قرنًا، مع كل ما مر عليها من القوارع والنكبات ووقائع الدهر على طول هذا المدى، ومع كل ما انتابها من الضعف، ومع كل ما دخل عليها من التقصير والخلل. وبقاء هذا التماسك على طول القرون، هو وحده إحدى عجائب الحضارات والثقافات التي عرفها البشر. 

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (9)- ورأس كل ثقافة هو الدين!

ورأس كل ثقافة هو الدين بمعناه العام، والذي هو فطرة الإنسان، أي دين كان، أو ما كان في معنى الدين، وبقدر شمول هذا الدين لجميع ما يكبح جموع النفس الإنسانية ويحجزها عن أن تزيغ عن الفطرة السوية العادلة، وبقدر تغلغله إلى أغوار النفس تغلغلًا يجعل صاحبها قادرًا على ضبط الأهواء الجائرة، مريدًا لهذا الضبط بقدرهذا الشمول وهذا التغلغل في بنيان الإنسان، تكون قوة العواصم التي تعصم صاحبها من كل عيب قادح في مسيرة ما قبل المنهج، ثم في مسيرة المنهج الذي يتشعب عنه من شطره الثاني وهو شطر التبيطق.

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (8)- فما الذي يعصم من هذا الوباء؟

فما الذي يعصم من هذا الوباء الحالق الذي يحلق المعرفة حلقًا من أصولها؟ فالعاصم يأتي من قبل الثقافة التي تذوب في بنيان الإنسان وتجري منه مجرى الدم لا يكاد يحس به، لا من حيث هي معارف متنوعة تدرك بالعقل وحسب، بل من حيث هي معارف يؤمن بصحتها من طريق العقل والقلب، ومن حيث هي معارف مطلوبة للعمل بها، والالتزام بما يوجبه ذاك الإيمان، ثم من حيث هي بعد ذلك انتماء إلى هذه الثقافة انتماءً ينبغي أن يدرك معه تمام إدراك أنه لو فرط فيه، لأداه تفريطه إلى الضياع والهلاك، ضياعه هو وضياع ما ينتمي إليه! فرأس الأمر هو ما يتعلق بنفس النازل، وهو بهذه المثابة أصل أخلاقي قبل كل شيء وبعد كل شيء. وإغفال هذا الأصل الأخلاقي من قبل نازل هذا الميدان أو من قبل المتلقي عنه، يجعل قضية المنهج وما قبل المنهج فوضى مبعثرة لا يتبين حق من باطل، ولا صدق من كذب، ولا صحيح من سقيم، ولا صواب من خطأ. 

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (7)- لا يشوبه ذرو من الصدق!

قد بينت لك ما آستطعت طبيعة هذا الميدان، ميدان ما قبل المنهج، وطبيعة النازلين فيه، ثم المخاوف التي تهدد ما قبل المنهج بالتدمير والفساد حتى يصبح ركامًا من الأضاليل، وحتى تفسد الحياة الأدبية فسادًا يستعصى أحيانًا على البرء. ولا يغررك ما غرى به بعض المتشدقين المموهين: أن القاعدة الأساسية في منهج ديكارت، هي أن يتجرد الباحث من كل شيء كان يعلمه من قبل، وأن يستقبل بحثه خالي الذهن خلوًا تامًا مما قبل، فإنه شيء لا أصل له، ويكاد يكون بهذه الصياغة كذبًا مصفي لا يشوبه ذرو من الصدق! هبه يستطيع أن يخلي ذهنه، أفمستطيع هو أيضًا أن يتجرد من سلطان اللغة التي غذي بها صغيرًا؟ أفمستطيع هو أن يتجرد من سطوة الثقافة التي جرت من مجرى لبان الأم من وليدها؟ أفمستطيع هو أن يتجرد كل متجرد من بطشة الأهواء التي تستكين ضارعة في أغوار النفس وفي كهوفها؟ 

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (6)- طبيعة الميدان!

فهذا كما ترى، ميدان لا يطيق النزول في أرضه وبحقه، إلا ما أوتي حظًا وافرًا من البصر النافذ، والإخلاص المتجرد لطلب الحق وإدراكه. وبطبيعة هذه الميدان، تدخل نفس النازل في أرضه عاملًا حاسمًا في شطري ما قبل المنهج، تدخل أولًا عن طريق معرفة اللغة التي نشأ فيها صغيرًا، وتدخل ثانيًا من طريق الثقافة التي ارتضع لبانها يافعًا، وتدخل ثالثًا من طريق أهوائه ومنازعه التي يملك ضبطها أو لا يملكها بعد أن استوى رجلًا مبينًا عن نفسه. فهذا الثاث هو موضع المخافة، الذي يستوجب الحذر، ويقتضيك حسن التحري.

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (5)- آداب اللسان

أما آداب اللسان، فإن الناس لا يتحاجون إلى ما أسميته ما قبل المنهح إلا بعد أن تستوفى الآداب نموها عن طريق اللغة التي هي وعاء المعارف جميعًا، وبعد أن تستوفى أيضًا نموها عن طريق الثقافة التي هي ثمرة المعارف جميعًا، وبعد أن تستوفى حظًا من القوة والتماسك والشمول والغلبة على أصحاب هذه اللغة وهذه الثقافة، حتى يحتاج عندئذ إلى إعادة النظر المفصل بين تداخل أطرافها بعضها في بعض، طلبًا لتصحيح المسيرة، وطلبًا للوضوح، وطلبًا للنهج السوي والطريق المستقيم. 

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (3)- المادة والتطبيق

تبين لي يومئذ تبينًا واضحًا أن شطري المنهج (المادة والتطبيق)، مكتملان اكتمالًا مذهلًا يحير العقل، منذ أولية هذه الأمة العربية المسلمة صاحبة اللسان العربي، ثم يزدادان اتساعًا واكتمالًا وتنوعًا على مر السنين وتعاقب العلماء والكتاب في كل علم وفن، وأقول لك غير متردد أن الذي كان عندهم من ذلك، لم يكن قط عند أمة سابقة من الأمم، حتى اليونان، وأكاد أقول لك غير متردد أيضًا أنهم بلغوا في ذلك مبلغًا لم تدرك ذروته الثقافة الأوربية الحاضرة اليوم، وهي في قمة مجدها وازدهارها وسطوتها على العلم والمعرفة.

 

يا نفس

قصيدة يا نفس | للمشد : أحمد مقرم

Audio player placeholder Audio player placeholder

تحية شعرية

في حفل عقيقة عبد الرحمن نجل أخينا فؤاد الدكداكي.. اشتغلت بنظم أبيات في المجلس تحية له وعربون مودة.. وقرأتها بعد فراغ (باالعلوي) حفظه الله ووفقه للخير... الواعظ الرباطي المشهور.. من موعظته.. ... المزيد

شخصيات قد تهتم بمتابَعتها

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً