أمي تكرهني وأشعر بالعزوبية في بيت أهلي!

منذ 2017-08-07
السؤال:

سؤالي عن سبب محاربة أمي لي! أنا أكبر إخواني الذكور، وأنا من يقوم بكل أمور أبي المعاق، ومعروف بين جماعتي بالخير والصلاح، وأمي تكرهني منذ ثمان سنوات، وتحاربني بأي وسيلة، وأنا أحبها وأسعى لبرها، لكن بدأت مشكلتي معها منذ دخولي للوظيفة وغربتي لمدة سبع سنوات، وفي هذه السنوات كبر أخواتي البنات اللاتي كن أطفالاً، وطار عقل أمي بهن، وبدأت بكرهي وحبهن، وهن استغللن هذه المحبة بتحريض أمي علي في أي تصرف مني يقلبون مجراه، وأمي أصبحت معهم؛ فهي لا تحبهن فقط، بل تعشقهن لدرجة أنهن يعققنها ولا تزيد لهم إلا سمعًا وطاعة، وتشن الحرب علي.

منذ ثمان سنين لا تذكر اسمي إلا وتدعو علي، حتى السلام لا تسلم علي، وتشوه سمعتي أمام الناس، وتكلم أقاربي وتقول هذا عاق، وأنا أجتهد لكي أجد منها أي رضا، فلا تزداد إلا عداء لي، وتسعى لفصلي من عملي، وتكلم حقوق الإنسان وتقول: عندي ولد عاق، أريد سجنه! لدرجة أني لم أستطع الزواج حتى الآن. أطلبها منذ ست سنين أريد الزواج، فتقول أني صغير، وسيضحكون علي الناس ويقولون عندك ولد متزوج!

 

أحوال تدمي القلب، ومعاناة نفسية لا توصف، والأدهى والأمر أني نقلت ورجعت إلى البيت، وهنا بدأت الكارثة عند أمي؛ فهي تحلف ليلاً ونهارًا الآن أني لا أكسر نفسك فأكلي أنا من يطبخه، وأنا من يقوم بشؤوني، عزوبي بين أهلي، وتسعى لتزويج أخواتي وأنا أكبرهم باثني عشر عامًا، وتقول: الرجال عادي أن يتأخروا في الزواج، أما البنات فلا. ولا أنسى تعاملها اللاإنساني مع والدي المعاق. 

سؤالي هو: هل هي مريضة نفسية؟ أنا رجل ملتزم ومومن بالقضاء والقدر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الإجابة:

أخي الفاضل!

إن كنت بارّاً مُحسناً بأمّك كما تقول؛ فأنت على خير عظيم، ومقامك عند الله كبيرٌ، ولن يضرّك أبداً كرهها لك، ولا سعيها في معاداتك، والمطلوب منك أن تصبر وتُصابر في الثّبات على موقفك مُوقناً بأنّ معك من الله ظهيراً ومؤيّداً يؤيّدك؛ فقد روى مسلمٌ عن أبي هريرة أنّ رجلا قال: يا رسول الله! إنّ لي قرابةً أصلهم ويقطعوني، وأُحسِن إليهم ويُسيئون إليّ وأحلم عليهم ويجهلون عليّ؟! فقال له: «لئن كنت كما قلت؛ فكأنما تُسفّهم الملّ [أي: تسقيهم التّراب أو الرّماد الحارّ]، ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دمت على ذلك»؛ فاصبر على أذيّتها لك، وتشجّع بهذا النّصر من الله على كلّ أذىً تجده، وعلى كلّ إحباط ويأس تُواجهه بسببها أو بسبب غيرها من أقاربك؛ ومهما تكن الأسباب التي جعلت أمّك تقسو عليك لهذه الدّرجة غير المُعتادة؛ فإنّنا نُشير عليك بما يأتي:

1ـ أكثر من الدّعاء لوالدتك بالهداية والرّحمة والتّوبة إلى الله قبل الممات؛ فذلك من حقّها عليك كما أمرك الله في كتابه: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء/24]؛ واطلب ممّن تظنّ به خيراً من إخوانك وأصدقائك أن يدعو لها في ظهر الغيب؛ ففي الصّحيح عن أبي الدّرداء قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: «دعوةُ المسلم لأخيه بظهر الغيب مُستجابةٌ عند رأسه ملَكٌ مُوكّلٌ كلّما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكّل به: آمين ولك بمثل».

2ـ أكثر من صدقة السّرّ عليها؛ فذلك ينفعُك وينفعها بإذن الله، واجعل قصدك من ذلك: أن تُعينها على شرّ نفسها الذي استحكم على قلبها؛ ففي مُعجم الطّبرانيّ عن أبي أمامة قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: «صنائع المعروف تقي مصارع السّوء، وصدقةُ السرّ تُطفىء غضب الرّبّ، وصلةُ الرّحم تزيد في العمر».

3ـ ابذُل جُهدك في برّها والتّفاني في خدمتها، واعلم بأنّ بِرَّ الوالدين والإحسانَ إليهما من أفضل الأعمال التي يتقرّب بها العبدُ إلى ربّه، وفي الصّحيح عن عبد الله بن مسعود قال: سألت النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: «الصّلاة لوقتها». قلت: ثمّ أيٌّ؟ قال: «برّ الوالدين». قلت: ثمّ أيٌّ؟ قال: «الجهادُ في سبيل الله». فبرّ أمّك أخي الغالي، وأطعها في طاعة الله تعالى، فإن أمرتك بشيءٍ من معصية الله؛ فلا تُطعها بالفعل، وأحسن إليها بالقول؛ كما أمرك الله في كتابه: {وَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت/8].

4ـ اصبر على أذاها من أجل الله، وتذكّر بأنّ عظم الجزاء مع عظم البلاء، واستحضر في ذهنك على الدّوام بأنّ الله سُبحانه سيُبارك في حياتك وحياة أهلك وولدك بقدر صبرك عليها، وبقدر إكرامك لها؛ فقابل أذيّتها لك بالاستعانة بالله، والصّبر على ما تلقاه؛ فالصّبر مفتاح الفرج كما علّمنا ربّنا في كتابه الكريم: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يُوسف/90]؛ فتحمّل والدتك، واصبر على سيّئاتها كفاء حسناتها؛ فهي سبب وجودك في الدّنيا، ولو لم يكن لها من فضل عليك سوى ذلك؛ لكفى به سبباً موجباً للإحسان إليها، وفي شعب الإيمان للبيهقيّ أنّ أبا بردة بن أبي موسى الأشعريّ حدّث: أنّه شهد ابن عمر رجلاً يمانيّاً يطوف بالبيت، حمل أمه وراء ظهره؛ فقال: حملتها أكثر مما حملتني، فهل تُرى جازيتها يا ابن عمر؟! قال: ابن عمر: لا، ولا بزفرة واحدة!. ولذلك قيل: لا يُعجبنَّ أحدٌ ببرّه بأمّه، أو يتعاظم ما يُسديه لها، فبرُّها طريق إلى الجنّة.

5ـ تقرّب إلى أمّك واسع جاهداً في خدمتها وإعانتها بما تقدر عليه وتستطيعُه، ونحنُ على يقين بأنّ ذلك سيكسر من حدّة الاحتقان الحاصل في قلبها عليك مع مرور الوقت، ويُنشيء في قلبها رابطاً من المحبّة والحنان من شأنه أن يُعيد علاقتها بك إلى وضعها الطبيعيّ، وإيّاك والابتعادَ عنها والجفاء في التّعامل معها؛ فإنّ ذلك لن يزيد وضعها تُجاهك إلا تعقيداً؛ فإنّ الإنسان بطبعه ينفعل للرّفق والإحسان.

 

أخي الغالي!

تيقّن بأنّ كُره أمّك لك أمرٌ عارضٌ لن يدوم، وما تجدُه اليوم في حياتك لا بُدّ وأن يزول يومًا بإذن الله تعالى، وسيأتي عليك زمانٌ يُصبح فيه كلّ ذلك من قبيل ذكريات الماضي بما فيه؛ فلا تُدمّر أعصابك، ولا تُفسد حياتك من أجل أمر ليس له بقاءٌ؛ فإنّ دوام الحال من المُحال؛ فإيّاك واليأس من صلاح والدتك، وعودة عواطفها نحوك إلى وضعها الطّبيعيّ؛ فالإنسان قد تتغيّر حياتُه كلّها بكلمة يسمعها أو إشارة يرمُقها أو موقف يتعرّض له، وما تمرّ به مُصيبةٌ من عند الله، وما من مُصيبة يُبتلى بها المؤمن إلا وفرجُها عند الله حاضرٌ قريبٌ؛ كما روى الطّبرانيّ عن عائشة قالت: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: «إنّ الله يضحك من يأس العباد وقنوطهم، وقُرب الرّحمة منهم»؛ فقلت: بأبي انت وأمّي يا رسول الله! أو يضحك ربُّنا؟ قال: «نعم؛ والذي نفسي بيده؛ إنّه ليضحك]. قلت: فلا يَعْدِمُنَا خيرًا إذا ضَحِك».

كان الله معك، وأدامك في برّ أمّك.

 

المستشار: أ.د. محمد سماعي

  • 0
  • 0
  • 25,014

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً