متزوج وأحب فتاة أخرى، وليستْ لديَّ إمكانية للزواج منها
أنا متزوج منذ أربع سنوات، ولديَّ طفلةٌ، ولكن لا أحبُّ زوجتي بما فيه الكفاية؛ فليستْ مطيعة لي! لكنها تحبني جدًّا، وتعمل كلَّ ما في وُسْعِها لأكون سعيدًا، ولكن المشكلة فيَّ أنا؛ لأني عندما تزوجتها لم أكن أحبها بالقدْرِ الكافي، وإنما كان إعجابًا بأخلاقها، ورجاحة عقلها؛ يعني لم أكن أحبها بمفهوم حب الرجل للمرأة، فلم تكن جميلة بالشكل الذي كان في مخيلتي، ولم أكن أعرف شكلها عن قُرْب قبل الزواج، ولكن هو القدر.
زادت المشكلة عندما أحببتُ إحدى الفتيات عن طريق الإنترنت، وتطوَّر هذا الحبُّ حتى أصبح عشقًا متبادلًا بين الطرفين، وأصبحتُ أحبها أكثر مِن نفسي، ولا أستطيع أن أتخيَّل حياتي بدونها، وهي بالفعل تستحق هذا الحبَّ؛ لأنَّ فيها جميع المواصفات التي يتمنَّاها أي رجل.
المشكلة الثانية -وهي الأكبر- أن زوجتي قد عارضتْ وبشدة؛ بالإضافة إلى أني لا أملك الإمكانيات المادية للزواج من ثانية، فأنا غير مستعدٍّ -حاليًّا- لنسيان هذه الفتاة؛ لأنها أصبحت تشغل جميع تفكيري، فقد قررنا الزواج، لكننا فوجئنا بواقع مؤلمٍ؛ حيث إنَّ أهلها يستحيل أن يوافقوا على تزويج ابنتهم لرجل متزوجٍ.
أريد نصيحةً وحلًّا للخروج من هذا الجو الكئيب الذي أعيشه، وأرجو أن يكون حلًّا مُجديًا يستطيع إخراجي من الحالة التي أنا فيها؛ لأني تعبتُ جدًّا.
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فجواب استشارتك -أيُّها الأخُ الكريمُ- يَظهَر لك بتأمُّلِ ما كتبتَه أنتَ تأملًا جيدًا، لتعلم أن تعلُّقَكَ بفتاةٍ تصفها بأنها يتمناها أي رجل؛ فإذًا هي تستحق شابًّا لم يتزوج بعدُ، وظروفُه الماديةُ مواتيةٌ، ويتقبلُه أهلُها، ثم تقول: وقررنا الزواج، لكننا فوجئنا بواقع مؤلمٍ؛ حيث إن أهلها يستحيل أن يوافقوا على تزويج ابنتهم لرجل متزوجٍ، وفوق هذا فإن زوجتك فقد عارضتْ وبشدة، وأنت لا تملك الإمكانيات المادية للزواج بثانية!
تدبَّر عباراتك تلك؛ لتعلم أنك كنت تَتَسَلَّى مع تلك الفتاة التي تستحق ما طالها منك؛ لأنها أمكَنَتْ مِن نفسها؛ ولا يخفى عليك أن التصورَ ثم التصديقَ لا بُد أن يسبقا أيَّ عَمَلٍ؛ فأنت متصورٌ، ثم مصدقٌ - يقينًا - لوضعكَ الأسري والمالي، ولوضع الفتاة، ثم أقدمتَ على التعارف عليها، وتماديت حتى تعلَّقَ كلُّ واحدٍ بصاحبه، وأنت تعرف من نفسك مسبقًا أن الزواج ليس هدف هذا الحُب؛ لما كتَبَتْهُ يداك في رسالتك؛ فضلًا عن أن كلَّ ما قمتُما به مخالفٌ لديننا وقِيَمنا.
فلذلك أنا أكاد أجزمُ أن هذا ليس بالحبِّ الحقيقيِّ؛ إذ لو كان كذلك ما تماديتَ، ولا غررتَ بفتاة، وأنت تعلمُ -مسبقًا- أنك لن تستطيع الارتباط بها، كلُّ ما في الأمر أنك لست مقتنعًا بزوجتك، وأغلقتَ على قلبك باب الاكتفاء بها، وهذا وحدَه كافٍ للزهد فيها، حتى وإن كانت أعظم النساء، فليس الغِنَى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس؛ كما صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا في كل شيءٍ حتى في النساء، والرغبةِ فيهن، والميلِ إليهن، فحرصُ النفوس عليهن شديدٌ، والرغبةُ فيهن غايةٌ في الشدة، فمن أَطْلَقَ لنفسه العنان، وتطلَّع إليهن، وتعرَّض لهنَّ، وَطَمِعَتْ نفسُه، ولم يقنع بما قسمه الله له؛ من زوجةٍ؛ كان حالُه كمن أصيب بمرضِ الجوعِ الكاذِبِ؛ كلما ازدَادَ أكلًا ازدَادَ جوعًا، وهذا ما حَذَّرَنَا منه الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- حيثُ قال: "إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى"؛ (متفق عليه).
ولذلك -على الرغم من ثنائك على امرأتك- تحاول أن تُقنِع نفسك بأن هناك ما يدعوك لطرق أبواب الحرام؛ من إنشاء علاقَةٍ مع فتاةٍ صغيرةٍ أجنبيةٍ عنك، وأنت تعلمُ-جيدًا- أن تَعَلُّقَ القلب بما لا مَطْمَعَ في حُصُولِهِ ليس من العقل في شيء.
وعلاجُ ما أنتَ فيه يتلخص في أمرين اثنين:
الأول: زيادة قناعتك في زوجتك، ويتأتى ذلك بالنظر في إيجابياتها، وغض الطرف عن مواضع القصور التي لا يسلم منها رجلٌ ولا امرأةٌ؛ وهذه وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ"، أو قال: "غَيْرَهُ"(صحيح مسلم).
فأنتَ لا تحب زوجتك بما فيه الكفاية؛ لأن تفكيرك في الفتاة الأخرى يغطي على حُبِّها، لكنه لا يموت، فلا تستسلم لتلك الرغبة، واطْرُدْهُ من قلبك، وستصبِحُ -بعد قليلٍ- مجردَ ذكرياتٍ، وسوف تستريح من هذه العاطفة، وتوجهها إلى زوجتك الحلال الطيبة، التي أعطتك عُمُرها ونفسها واختارتك، بل أنت اخترتَها بنفسك، وأُعجبت بأخلاقها، ورجاحة عقلها؛ كما ذكرتَ، وهي بشهادتك أنت تحبُّك جدًّا، وتعمل كل ما في وسعها لتكون سعيدًا، وتذكر -دائمًا- أنك إن أخرجت من قلبك تلك المشاعر المحرمة، رَزَقَكَ اللهُ الحبَّ لزوجك الحلالِ؛ فراقب الكبير المتعال، واعلم أن من علامات الفتن أن يتعلق الإنسانُ بغير الله، وأن يكون حبه مخالفًا لهدي الشرع، فاسأَلِ الله أن يُخْرِجَ حبَّها من قلبك، وأن يعمره بالإيمان، والمراقبة لمالك الأكوان، واطرد عن نفسك الشيطان بكثرة الذكر لله، وتذكر -دائمًا- أن من يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وأن من يَسْتَشْرِفْ إلى ما ليس بيده، يُصَابُ بالجُوعِ الكَاذِبِ.
الأمر الثاني: قال شيخُ الإسلام ابنُ القَيِّمِ في ''زاد المعاد في هدي خير العباد'' (4/ 251):
''وإن كان لا سبيل للعاشق إلى وصال معشوقه؛ قدرًا، أو شرعًا، أو هو ممتنعٌ عليه من الجهتين، وهو الداء العضال، فمن علاجه إشعار نفسه اليأس منه، فإن النفس متى يئستْ من الشيء استراحتْ منه، ولم تلتفتْ إليه، فإن لم يزل مرض العشق مع اليأس، فقد انحرف الطبْعُ انحرافًا شديدًا، فينتقل إلى علاجٍ آخر، وهو علاج عقله بأن يعلم بأن تعلق القلب بما لا مطمع في حصوله نوعٌ مِن الجنون، وصاحبه بمنزلة من يعشق الشمس، وروحه متعلقةٌ بالصعود إليها والدوران معها في فلكها، وهذا معدودٌ -عند جميع العقلاء- في زمرة المجانين.
فإن عجزت عنه هذه الأدوية كلها، لم يبق له إلا صدق اللجء إلى مَن يجيب المضطر إذا دعاه، وليطرح نفسه بين يديه على بابه مستغيثًا به، متضرعًا، متذللًا، مستكينًا، فمتى وفق لذلك، فقد قرع باب التوفيق، فليعف، وليكتم، ولا يشبب بذكر المحبوب، ولا يفضحه بين الناس، ويعرضه للأذى؛ فإنه يكون ظالمًا معتديًا''.
وفَّقك الله لكل خيرٍ.
- التصنيف:
- المصدر: