علاقتي مع عمي!

منذ 2014-05-16
السؤال:

أحببت عَمِّي حبًّا جنونيًّا، وهو مَن بدأ بتكوينِ العلاقة، في البداية كان حديثنا رسميًّا، وبعدها دخلت الكلمات الرومانسية، لكن كنت أتوقف وأضع حدًّا، بدأ يتطور، ويضيف مصطلحات قوية؛ وكنت أغضب، وينتهي، أمَّا الآن فصار دائمًا يتكلم عن هذه الأمور؛ ولا يَمَلُّ، ولمَّا أذكِّرُهُ أنه عمِّي، يغضب، ويقول: أنت تحسبين أني أرتكب معك خطأً؛ أنت بنتي، وأصبحتُ أسيرةً في هواه، أريد التغيُّر، لا أريد أن تستمرَّ هذه العلاقة، أنا طالبة، ومحافظة أكثر من غيري، أرجو مساعدتي، كل هذه العَلاقة بنيتُها لأني أريدُ أن أتزوج، وما تقدَّم لي أحد، فلما وجدت صدرًا حنونًا، ظننتُ أنه يغني عن الزواج، والآن أنا نادمة، وأريدُ حلاًّ.

 

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فقد صدقتِ مع نفسِكِ عندما قلتِ: أخاف الزنا؛ لأن نهاية الاسترسال في الخيانة، وفتح أبواب الشر، وتعريض النفس لمواطنِ الفتن، نهاية كل هذا هو الزنا، لذلك نهى -سبحانه- عن مجردِ الاقتراب منه، ونهى عن الاقتراب من الفواحش، وهو أبلغ من النهي عن مجردِ الفعل؛ لأنه يتناول النهْيَ عن مقدماتِها ووسائلها الموصلة إليها؛ فإنَّ مَن حام حول الحِمَى، يوشِك أن يَقَعَ فيه؛ خصوصًا أن هذا الأمر القوي داعيهِ؛ قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32]، وقال: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151].

فجاهدي نفسَكِ، واقْهَري هواكِ وشهوتَكِ، وتجنَّبي فضيحةَ وخزيَ الدنيا والآخرة، واستشعري وجودَ الله، واطلاعَهُ عليك؛ قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41].

وحرمةُ ما تفعلينه شيءٌ، وكونُ هذا الرجلِ من أرحامِكِ شيءٌ آخرُ؛ فالجريمة أشدُّ، والجرم أعظم، ويا لَلْعجب! كيف تَسمح عاقلةٌ أن تسترسِل في مثلِ هذا مع مستهتِرٍ بحُرمةِ الأرحام؛ ليشبع غرائزه بالخيانة، فاحذري أن يكشِفَ اللهُ أمرَكِ، وأقبِلي على ما سأصفه لك من أدوية:

أولها: صدقُ اللجُوءِ إلى مَن يُجيبُ المُضطرَّ إذا دعاه ويكشف السوء، فاطرحي نفسك بين يديهِ على بابه -سبحانه- تائبةً، نادمةً، متذلِّلةً، مستكينةً، مستغيثةً به، متضرِّعةً؛ فمتَى وُفِّقت لِذلك، فقد قرعت بابَ التوفيق.

الثاني: أنت تقولين: إنه عمُّكِ، فأيُّ طَمَعٍ في مثل تلك العلاقةِ إلا الزنا مع الأرحام، الموجبِ لللّعنِ والطرد من رحمة الله، فلا سبيلَ للزواج منه، لذلك؛ فهو سَفَهٌ في العقل، فلا تشغلي نفسَكِ بِما لا طائل من ورائه إلا اللعنُ، وهذا يجب أن يشعرَ نفسَكِ اليأسَ منه؛ والنفسُ متى يئستْ من الشيء، استراحتْ منه، ولم تلتفت إليه.

ثالثًا: تعلُّق القَلبِ بما لا مَطمعَ فِي حُصولِه نوعٌ من الجنون، وصاحِبُه بمنزلةِ مَن يعشَقُ الشَّمس، ورُوحُه متعلِّقة بالصعودِ إليها، والدَّورانِ معها في فَلَكِها، وهذا معدودٌ عند جَميع العقلاء في زُمرة المجانين؛ بل إن عشق زُحَل أهون مما أنت فيه.

رابعًا: اجلسي مع نفسِكِ بعدَ قطعِ تلك العلاقة، وتغييرِ رقم هاتفِك، ومعاملة هذا الرجل معاملةَ الرجلِ الأجنبيِّ التي يستحقها أمثاله، وتأملي ما تجلِبُ عليك هذه الشهوةُ من مفاسدَ في العاجل، وتعطيل المصالِح، ويكفي أنَّها تحول بينك وبين رُشْدك الذي هو ملاك أمرِك، وقوام مصالِحك.

خامسًا: تذكري قبائِحَ ذلك الرجل الذي تُغضِبين الله معه، وفي تجذُّرِ خُلُقِ الخيانة في نفسه، وتأصُّله في قلبه، وهو ما يدعوك إلى النفرةِ عنه، وأنا على يقين أنك إن طَلَبتِ صفاتِهِ السيئةَ، ستجدينها أضعافَ ما فيه من صفاتٍ داعيةٍ لتعلُّقِكِ به؛ فالمساوئُ داعيةُ البُغضِ والنفرة.

ولتعلمي أن مَنْ أصابه جُرحٌ مسموم، فعليه أن يُخرِج السُّمَّ، ويُبْرِئَ الجرحَ بالترياق والمراهم، فداوي جراح قلبك بأدوية الشرع، من المداومة على الصلواتِ الخمس، والدُّعاء والتضرُّع وقت السَّحَرِ لله أن يصرف قلبك عن ذلك؛ كما قال -تعالى-: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ} [يوسف: 24].

سادسًا: البعد عن هذا الشَّخْصِ، وعن الاجتماع بِه، وعن سماعِ أخباره ورؤيته؛ كما قيل: إنَّ البُعد جَفَا، ومتَى قلَّ الذِّكْرُ، ضعُفَ الأثَر في القلب.

أخيرًا: توكَّلي على الله، واستعينَي به، وافتقري إليه في صرف السوء عنك، وتذكري -دائمًا- قوله -تعالى-: {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الجَاهِلِينَ . فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} [يوسف: 33، 34]، وقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 98-100]، فالمتوكِّلون على الله، ليس للشَّيْطانِ عليهم سلطان، وإنَّما سلطانُه على المتولِّين له، ويُحبُّون ما يُحِبُّه.

وأكثري من الدعاء المأثور: «اللهُمَّ فاطرَ السَّماواتِ والأرضِ، عالمَ الغيب والشَّهادة، ربَّ كلِّ شيءٍ ومَليكَه، أشهد أن لا إله إلا أنتَ، أعوذُ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءًا، أو أجرَّه إلى مسلمٍ» (صحيح الترمذي).

ونسأل الله أن يصرف عنكِ السوءَ والفحشاء. 

 

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 2
  • 1
  • 7,416

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً