علاج الحسد والعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاةٌ لعائلةٍ ميسورة الحال الحمد لله، معي شهادات جامعية، وعمل، وحياة منتظمة، أو هكذا كانت حياتي حتى 4 أشهر مضتْ! قمنا بشراء قطعة أرض، واشترينا سيارةً جديدةً من الوكالة، وهذا من الصعب جدًّا شراؤه اليوم؛ فالأوضاع المادية لدى الناس هنا صعبةٌ، لكنَّ والديَّ يعمَلان بضميرٍ وجِدٍّ، ولا يضيِّعان أموالهما كما يفعل الآخرون.
بدأت المصائبُ تتناوَبُ علينا؛ والدي مَرِضَ مرضًا لم يَعْرِفِ الأطباءُ له علاجًا، وأصبحنا نُعاني بين المشافي، والعيادات، والأطباء؛ مع أن والدي رياضي، ولا يدخِّن، وهو على مشارف الـ 50 - أطال الله عمره - وبعدها بفترةٍ؛ أصيب بكُسُور في حادثِ طُرُقٍ، وحديثًا اكتشفوا وجود سرطانٍ في جُمْجُمَةِ الرأس عافاكم الله وشفاه.
أما أمي فتشتكي مِن ملازمةِ صورةِ امرأة تعرِفُها (في مخيَّلتها)؛ تقول: إن عيونها الزرقاء تنظر إليها وجهًا لوجه 24 ساعة في اليوم أينما ذهبتْ، عندما تنظر إليَّ تقول لي: إنها بيننا، لا تزولُ نظراتُها، ودائمًا تشكو آلامًا في الظهر وثقلًا على الكَتِفينِ، فهل هذه عينٌ؟
لماذا هذه المرأة تحديدًا، مع أنه لا توجد صلةُ قَرَابَة، بل هي جارتُنا، وما الحل للخلاص؟ والدي ستُجرَى له عمليةٌ صعبةٌ في الرأس، وعندما يُشفَى سنذبح، ونزكي بالأموال، فهل مِن شيء آخر ينبغي فعلُه؟ وهل هذا بسبب عين المرأة؟ ما الحلُّ؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد: فأسألُ الله العلي الأعلى أن يَشْفِي والدكِ، وأمَّكِ، وإخوانكِ، وأن يحفظَكم من كل سوء، وأن يُعِيذكم من شرِّ الشيطان، وشرِّ الحاسدين، اللهم ربَّ الناس، أَذهِب الباس، اشفِه وأنت الشافي - لا شفاءَ إلا شفاؤك - شفاء لا يغادر سقمًا.
فالعين قوية الضرر، ويقع ضررُها على حسب ما قدَّره الله تعالى وسبق بها علمه؛ فقد روى مسلم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العينُ حقٌّ، ولو كان شيء سابق القدر، سبقتْه العين، وإذا استَغْسَلْتم فاغسلوا".
ولا يخفى عليكِ أن كل ذي نعمةٍ محسودٌ، ودواءُ ذلك سهلٌ ميسور إن شاء الله، بالتوبة، وكثرة الاستغفار، والذِّكر، والرُّقْيَة، وقول: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]؛ ففي "الصحيحين" قال صلى الله عليه وسلم: "لا رقيةَ إلا من عينٍ، أو حُمَّة".
والعين: إصابة العائن غيرَه بعينه؛ قال الإمام الخطَّابي في "معالم السنن": "ومعنى الحديث: لا رقيةَ أشفى وأَوْلَى من رقية العَيْن، وذي الحُمَّة، وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بها، فإذا كانتْ بالقرآن، وبأسماء الله، وبما ثَبَت من السنة، فهي مشروعةٌ، وإن كانتْ بما سوى ذلك، فهي ممنوعةٌ.
وأكثروا مِن تلك التعويذات: "اللهم إني أجعلُكَ في نحورِهم، وأعوذُ بك من شرورِهم".
و"اللهم ربَّ الناس، أَذهِب الباس، اشفِ أنتَ الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا".
و"أعوذ بكلمات الله التامَّة، من كلِّ شيطانٍ وهامَّة، ومن كلِّ عين لامَّة".
و"أعوذ بكلمات الله التامَّات من شرِّ ما خلَق".
و"أعوذ بكلمات الله التامَّة مِن غضبه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرونِ، أعوذ بكلمات الله التامَّات التي لا يُجَاوِزُهنَّ بَرٌّ ولا فاجر، مِن شر ما خلق وذَرَأ وبَرَأ، ومن شرِّ ما ينزل مِن السماء، ومن شرِّ ما يَعرُج فيها، ومن شرِّ ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فِتَنِ الليل والنهار، ومن شر كل طارقٍ، إلا طارقًا يطرق بخيرٍ، يا رحمن".
و"بسم الله الذي لا يضرُّ مع اسمِه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم"، وغير ذلك مِن التعوُّذ بالله، وبالأذكار المشروعة؛ كأذكار الصباح والمساء، وأذكار ما قبل النوم، والدخول والخروج.
وعليكم بكثرة قراءة القرآن، والاستغفار، والمواظَبة على التعوذات، وقراءة بعض الأدعية الشرعيَّة.
هذا؛ والرقية الشرعية هي:
1- قراءة الفاتحة.
2- قراءة آية الكرسي مِن سورة البقرة، وهي قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255].
3- قراءة آيات الأعراف، وهي قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ . فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ . وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ . قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ . رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف: 117- 122].
4- قراءة آيات في سورة يونس، وهي قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ . فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ . وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [يونس: 80 - 82].
5- قراءة آيات من سورة طه، وهي قوله عز وجل: {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى . وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69، 70].
6- قراءة سورة الكافرون.
7- قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين مع تكرارهم.
8- النفث والتَّفْل على نفسكِ، وعلى مَن ترقيه بعد انتهاء القراءة؛ كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وعليكم في المستقبل ألا تُخبِروا أحدًا بأفضال الله عليكم، إلا مَن تثقون بحبهم من القرابة، وأهل مودَّتكم؛ ففي الحديث الشريف: "استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان؛ فإن كلَّ ذي نعمةٍ محسودٌ" [رواه الطبراني وغيره، وصحَّحه الشيخ الألباني]، ولتُخفُوا عمَّن تخشون حسده؛ دفعًا للضرر.
والأصلُ في ذلك كما قال العلماء قولُه تعالى حكايةً عن يعقوب عليه السلام: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: 5]، وقوله تعالى: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67]؛ فهذا سببٌ شرعيٌّ، والمقدَّر لا بد أن يقعَ، وإنما علينا التوكُّل على اللهِ، فهو يحصل كل مطلوب، ويندفع به كل مرهوب.
- التصنيف:
- المصدر: