كيف أتعامل مع زميلي النصراني؟
تعرفتُ إلى صديق نصراني في الجامعة، عشنا معًا مدة؛ نذاكر وندرس ونأكل معًا، دعوتُه في يوم إلى الإسلام، فقال: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}[الأنعام: 151]، وعندهم في النصرانية في "الوصايا العشر": "لا تقتُلْ".
ففسَّرْتُ له الآية بمعنى بسيطٍ وفَهِمَها، وأقرَّ بعقوبة القتل، إلا أنه يُصِرُّ على دينه، وأنا أتعامل معه مِن مُنْطَلَقِ قوله -صلى الله عليه وسلم-: «
» (رواه مسلم).ثم هجرتُه، وحاول الاتصال بي، لكني لا أرد عليه، فأشيروا عليَّ هل أتعامل معه؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:
فجزاك الله خيرًا -أيها الابن الكريم- على تلك الغَيرة الشرعية، وعلى الوقوف عند حدود الله، وقد أحسنتَ في هجرك لذلك الزميل النصراني؛ ما دامتْ ليست هناك مصلحةٌ راجحةٌ في بقاء العلاقة معه، وذلك أسلمُ للقلب، فعقيدةُ الولاء والبراء مِن آكد أصول الدين، وأَوْثَق عُرى الإيمان، وهدْمُ هذا الأصل في قلب العبد، وترْكُ ما يوجبه على المؤمن مِن الأعمال - يُعَدُّ هدْمًا للإيمان كله، الذي هو مبنيٌّ على محبة أولياء الله تعالى، ومعاداة أعدائه.
ومما لا شك فيه أنَّ الخلطة توجِب مِن الحبِّ أو المودة، فيُخشى الوقوع في مخالفة نصوص الكتاب والسنة التي تنهى عن موادَّة الكفَّار والرُّكون إليهم واتخاذهم أصدقاء وخُلَّانًا؛ لما قد يترتب على ذلك مِن ميل القلب إليه، والرضا بدينه.
قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118]، وقال سبحانه: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود: 113]، وقال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}[النساء: 144].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «
» (رواه أبو داود).وروى أبو داود والترمذيُّ عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «
»، قالوا: يا رسول الله، لمَ؟ قال: « ».قال الشوكاني: "قوله: «
»؛ فيه دليلٌ على تحريم مُساكَنة الكفُّار، ووجوب مُفارقتهم".وقال: "قوله: «
»: يعني: لا ينبغي أن يكونا بِمَوْضِعٍ؛ بحيث تكون نارُ كلِّ واحدٍ منهما في مُقابَلة الأخرى، على وجهٍ لو كانت متمكنةً من الإبصار لأبصرت الأخرى، فإثبات الرؤية للنار مجازٌ"، وقال في "نهاية المحتاج": "فلا تجب إجابة ذمِّي، بل تُسَنُّ إن رجي إسلامه، أو كان نحو قريبٍ، أو جارٍ".هذا؛ ويجوز لك الإحسان إليه، وبذْلُ المعروف إليه، إذا أردت بذلك تأليفه على الإسلام، ولكن بغير مودةِ القلب، ولا تعظيمٍ لشعائر الكُفر، فمتى أدَّى إلى أحد هذين امتنعتْ، وصار مِن قبيل ما نُهِيَ عنه؛ كما قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة: 8].
ولكن مع الحذَر مِن اتخاذه صديقًا وخِلًّا، أو محبته، أو تقديمه على المؤمنين، فمحبةُ الكافر أمرُها خطيرٌ جدًّا؛ لأنها تُناقض بابًا عظيمًا مِن أبواب التوحيد، ألا وهو الولاء للمؤمنين؛ فقد روى أحمدُ عن البراء بن عازبٍ قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «
».وفَّق الله الجميع لكلِّ خيرٍ.
- التصنيف:
- المصدر: