ما الفرق بين النصيحة والفضيحة؟

منذ 2013-04-23
السؤال: كنتُ في السُّوق لشراء بعض المستلزمات، ورأيت أمرًا عجيبًا - وكان في السوقِ رجالُ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - رأيتُ فتاةً ترتدي عباءة ضيِّقة لافتة، وبسرعةِ البرق قال رجالُ الهيئة بصوتٍ عالٍ يسمعه كل الناس من داخل السوق ومن خارجه: "اتقي اللهَ، هذه العباءةُ تحتاجُ لعباءةٍ فوقها، اتقي اللهَ، لا تتوسَّعي في النقاب"... إلخ، فالْتفتَ الكلُّ ليرى هذه الفتاة!
سؤالي: هل هذه نصيحةٌ أو فضيحةٌ؟ هل كان الرسولُ محمَّدٌ عليه أفضل الصلاة والسلام يفعل هكذا؟!
تكرر مثلُ هذا الموقفِ كثيرًا, فهل نحن هكذا نحبِّب الناسَ في الدِّين؟ أو نبغِّضُهم فيه؟!
وجزاكم اللهُ خيرًا.
الإجابة: الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فلا يَخفَى عليكِ أن حاجةَ مجتمعاتِنا ماسَّةٌ إلى إقامة فريضةِ الأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر، الذي ضُيِّعَ أكثرُهُ من أزمانٍ بعيدة، حتى لا يكادَ يبقى منه في زماننا شيءٌ، على الرغمِ من عظيم أثرِه، وخطورةِ شأنه، وكونِهِ قوامَ الأمرِ ومِلاكَهُ؛ لأنَّ الخَبَثَ إذا كَثُرَ عَمَّ العقابُ الصالحَ والطَّالحَ؛ كما في الصحيحين لَمَّا قالت زينبُ بنتُ جحشٍ: "يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهلِكُ وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبَث"؛ فظهورُ المنكَرِ والإعلانُ بالمعاصي سببُ الهلاك، وعن أبي بكرٍ الصِّديق رضي الله عنه قال: يا أيها الناسُ، إنكم تقرؤون هذه الآيةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الناسَ إذَا رَأَوُا مُنكرًا، فلم يُغيِّروه، يُوشِكُ أن يَعُمَّهُمُ اللهُ بعقابِهِ" [رواه ابنُ ماجهْ، والترمذيُّ وصحَّحه]، وفي رواية أبي داود: "إذا رَأَوُا الظَّالمَ فلمْ يأخُذُوا على يديه، أوشَكَ أن يَعُمَّهُمُ اللهُ بعقابٍ"، وفي أُخرى له: "ما مِن قومٍ يُعمَلُ فيهم بالمعاصي، ثُم يَقدِرونَ على أن يُغَيِّروا ثُم لا يُغَيِّروا، إلا يُوشِكَ أن يَعُمَّهُمُ اللهُ بعقابٍ"، وفي أُخرى له: "ما مِن قومٍ يُعمَلُ فيهم بالمعاصي، هم أكثرُ ممن يَعمَلُهُ".

أما الأمورُ التي ينبغي توافُرُها في الآمِرِ بالمعروف، والناهي عن المنكر فمن أهمِّها: العلمُ بما يأمرُ وينهى، والرِّفقُ بمن يأمُرُه وينهاهُ، والصبرُ على ما يُصِيبُه؛ قال تعالى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان: 17].
والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر الأصلُ فيه أن يكونَ علنًا، وقد يكونُ في بعض أحوالِهِ سِرًّا، إذا رُئِيَ المنكرُ، أو سُمِع سماعًا محقَّقًا، أو حَصَلَ المنكرُ أَمامَك؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن رَأَى منكُم منكرًا فليغيره بيدِه، فإن لم يستطِعْ فبلسانِه، ومن لم يستطِعْ فبقلبِه، وذلك أضعفُ الإيمانِ" [رواه مسلم]، فأهلُ الحِسبة لَهُم إذا رَأَوْا منكرًا أن يُعاقِبوا عليه بتخويلِ الحاكِمِ لهم، وإذا رَأَى الفاعلَ للمنكَرِ له أن يعاقِبَ بحسَب ما جُعِل له من السُّلطةِ في ذلك.
أما إذا حَصَلَ في غيبتِك فنعودُ إلى الأصلِ العامِّ، وهو النَّصيحةُ، وهي أعمُّ منه، فتشمل المنكَرَ إذا رُئيَ، أو سُمِع، أو أُبلِغتَهُ، أو بَلَغَك أنه حَصَلَ كذا وكذا.

ويَجِبُ عليكِ - أولاً - أن تُفَرِّقِي بين الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر وبين النصيحة، والتي الأصلُ فيها أن تكون سِرًّا مُجَمَّلةً؛ كما قرَّره أهلُ العلم، فما ذكرتِه من السترِ عَلَى العاصي يَتَأَتَّى في النصيحة؛ كما قال الإمامُ الشافعيُّ رضي الله عنه: "مَن وَعَظ أخاه سِرًّا، فقد نَصَحَهُ وزانَهُ، ومن وَعَظَهُ علانيةً، فقد فَضَحَهُ وشانَهُ"، وقال:

تَغَمَّدْني بِنُصْحِكَ في انْفِرَادِي *** وجنِّبني النَّصيحةَ في الجَمَاعَهْ
فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ *** منَ التَّوبيخِ، لا أَرْضَى استِمَاعَهْ
وَإنْ خَالَفْتَنِي وَعَصَيْتَ قَوْلِي *** فَلاَ تَجْزَعْ إذَا لَمْ تُعْطَ طَاعَهْ


أما الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، فهو أَخَصُّ من النصيحةِ، ويكون غالبا علنًا؛ لأن صاحبَه قد أظهرَ منكَرَه أمام الناس، فلا مجالَ إذًا لمسألةِ الستر عليه، كالمرأة التي خرجت من بيتها مرتدية عباءةِ ضيقة، فالذي يظهر أن جميع من مرَّتْ عليهم قد رأَوْها، فلذلك فلا مجال هنا لنصحها منفردةً؛ لأن الأمر قد اشتهر، وفائدة الإنكار العلني عليها إظهارُ شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي قوام الدين بها، وحتى لا يقلدها غيرُها من ضعاف الإيمان، أما النصحُ الانفراديُّ فله موضعُه أيضًا، وهو بحقِّ من سمع عن امرأة تقع في محذورٍ شرعيٍّ، سواءٌ اطلع عليه أو لم يطلع؛ فهذا الواجب في حقه أن ينصحها سرًّا، ويدعوَها إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادلَها بالتي هي أحسن، مع التحلي بالرفق واللين، والترغيب والترهيب؛ فكل هذا من أكبر الأسباب لنفعها، وانتفاعها.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 1
  • 0
  • 16,514

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً