الاستطاعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أنا شابٌّ أسكُن مع عائلتي في عمارةٍ، تَمَّ استغلال جزءٍ مِن بَهْوِها مِن طرف صاحب شركةٍ حول العمارة وحوَّلها إلى ورشة عمل؛ مما نتج عن ذلك مَفاسد وأضرار مادِّيَّة ومعنويَّة؛ مُستَغِلًّا بذلك جهْلَ وتهاوُن السكَّان مِن جهة، وسياسة غضّ الطرف مِن المسؤولين من جهة أخرى.
قمتُ بتقديم شكوى مجهولة لرَفْع الضرَر إلى المسؤول المباشر لحَيِّنا؛ واكتفى باستدعاء الرجل، وأبْلَغَهُ بفحوى الشكوى.
فهل يجب عليَّ -مِن الناحية الشرعية- إيصال الشكوى لأكبر عددٍ مِن المسؤولين، مع جَمْع توقيعاتٍ من سُكَّان العمارة حتى يُرْفَعَ الضررُ؟ أو أكتفي بالشكوى التي وجَّهْتُها سابقًا، وبذلك أكون قد برَّأتُ ذمتي، وأصبر على هذا المنكر مُحْتَسِبًا الأجر عند الله تعالى؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
شكَر الله لك أخي الكريم تلك الإيجابيةَ التي -مع الأسف الشديد- خَلَتْ منها مجتمعاتُنا في عالمنا العربيِّ والإسلاميِّ، حتى أصبحنا مِن أكثر مُجتَمَعات العالم فسادًا إداريًّا، أوْصَلَنا إليه الجهلُ الشرعيُّ والثقافيُّ بحقوقنا، والسلبية المقيتة التي نشأ فيها الصغيرُ، وهرم عليها الكبيرُ، والله المستعان وعليه التكلان.
فهذا هو الواقعُ الذي يتطلَّب منَّا جميعًا -علماءً، وطلابَ علمٍ، ودُعاةً، ومُصلحين، وكل طوائف الشعب، كلٌّ بحسب وسعه وطاقته- يتطلَّب أولًا رغبةً صادقةً، وإرادة جازمةً لتنمية الشعور بالمسؤولية؛ حتى تُصبح أداةَ تغيير لحياة أفضل، فننشُر الوعيَ بين الناس، ونُصَحِّح قناعاتهم، ونأخذهم لطريق الحق والصواب لتصلح مجتمعاتنا.
والمُحْزِن في الأمر أنه لا يخفَى على أحدٍ مِن المسلمين -عامِّهم وعُلمائهم- أنَّ الإسلامَ دين الإيجابية، والمسلمُ الحقُّ لا يَسَعُه السكوت عن الحق، مع القدرة على التغيير؛ لأنه ترْكٌ للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر الذي مدح الله تعالى به هذه الأمة، وأخبر بأنها خيرُ الأمم التي أخرجها للناس؛ لقيامِهم بتلك الشعيرة التي تكمل أفراد المجتمع، وتَسُدُّ الخلل ببَذْلِ الجهد المستطاع لرأب الصدْعِ المنتشِر، وصيانة المجتمع من عوامل الفساد والحياة من الشر والفساد والمنكرات، وإقامتها على المعروف والخير، وأنا أعلم أن كلَّ هذا مُتعبٌ شاقٌّ، ولكنه كذلك ضروريٌّ لإقامة مجتمع صالحٍ وصيانته؛ ولهذا كان السعيُ في صلاح الفرد والمجتمع من الفُروض الإسلامية.
قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110].
وروى مسلمٌ في صحيحه، عن أبي سعيد الخُدري -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «
»، وروى أحمدُ والترمذيُّ عن حُذيفة بن اليمان، أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « ».عن العرس بن عُميرة الكندي، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «
» (حسنّه الألباني).والنصوصُ في هذا الباب كثيرةٌ أكثر مِن أن نُحيطَ بها في تلك العجالة، وكلُّها تُقَرِّر أن الإيجابية سِمَة في المجتمع المسلم، وضرورة لهذا المجتمع، وأن صلاح المجتمع أو فساده رهنٌ بقيام المواطن الذي يستشعر المسؤولية.
أما المسلم ضعيف الإيمان، قليل الوازع الديني، أو الذي لا يخشى الله، أو لا يستشعر مراقبته، الذي لا يُشْفِق على الناس فينعدِم عنده الشعور بالمسؤولية تجاه الأمة.
فاستمر -أخي الكريم- في موقفك الإيجابي، وحثَّ غيرَك على معرفة حقوقهم، وخاطب المسؤولين، ولا تيئَسْ من الجواب، وتحمَّل مسؤوليتك في هذا الأمر وغيره على أتمِّ وجه، وأحْسِن نيتك حتى تُحَقِّق عون الله ومدده وتوفيقه، وسترى عاقبة ذلك ولو بعد حين.
والله يرعاك ويحفظك.
- التصنيف:
- المصدر: