أهلي يجبرونني على تطليق زوجتي

منذ 2015-02-18
السؤال:

أنا متزوِّجٌ منذ عشرة أشهر، كان أهلي رافضين لزواجي، ولم تكن هناك أسبابٌ ظاهرةٌ لهذا الرفْض.

بعد الزواج بدأت المشكلاتُ بيني وبين زوجتي؛ لأنها لا تستطيع التأقْلُم مع الحياة الجديدةٍ؛ فحياتها قبل الزواجِ كانتْ مختلفةً، وطباعها كذلك.

حاولتُ أن أعيشَ معها على ذلك، وكنا نحلَّ مشكلاتنا بأنفسنا، حتى حدثت بيننا مشكلةٌ أمام أمي، ورُفِع صوتُنا أمامها، فأعدتُ زوجتي لبيت أهلها!

اتصل بي أهلُها لحل المشكلة، لكن أمي لا تريد أن أُعيدَها مرةً أخرى، وتريدني أن أُطَلِّقَها، بل وصَل الأمرُ إلى أنهم قالوا لي: سنَتَبَرَّأ منك إن أبقيتَها.

أصبحتُ بين نارَيْنِ؛ إما أن أُطَلِّقَ زوجتي وأُرضي أهلي، أو أن أُعيدَ زوجتي ويتبرأ أهلي مني.

لا أعلم ماذا أريد؟ فزوجتي تُحِبُّني وأنا أُحِبُّها، ونحن سُعداء معًا، إلا أنها عصبيَّةٌ، وفي بعض الأوقات لا تحترمني ولا تعلم ما تقول.

فأشيروا عليَّ ماذا أفعل؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالذي يظهر مِن كلامك - أيها الابن الكريم - أنك وزوجتك مُتحابَّان، وقد أُعْجِبَ كلٌّ منكما بصاحبِه، ولا يلزم مِن ذلك عدم وقوع المشكلات؛ فهذا شيءٌ لا يخلو منه بيتٌ، فاستمسكْ بزوجتِك، وراجعها لبيتك، حتَّى وإن أمرَك أبواك بطلاقِها، فلا تسمعْ لهما، ولا تُطعهما في ذلك، ولا يعَدُّ ذلك معصيةً ولا عقوقًا؛ فطاعةُ الوالدين إنما هي في المعروف، كما قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إنَّما الطَّاعة في المعروف» (متَّفق عليه)، وليس طلاقُ الزوجة مِن المعروف في شيءٍ؛ فالطلاقُ بغيضٌ إلى اللهِ تعالى، ومِن ثَمَّ كان الأصلُ فيه عند الأئمة الحظْرَ، وليس الإباحةَ، وإنما يُباح للحاجة المعتَبَرة والدواعي الطارئة التي يتعذَّر معها الجمعُ بين الزوجين بحالٍ؛ لما فيه مِن قطْعِ النكاح الذي تعلَّقَتْ به المصالحُ الدينية والدنيويَّة، وما ينتج عن هذا الزواج مِن ذُرية طيبةٍ، ولذلك ذكَر الله في القرآن الكريم أن السعْيَ في التفريق بين الزوجين مِن أقبح أفعال السحَرة ومَفاسدهم؛ فقال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102].

وأخْبَرنا -صلى الله عليه وسلم- أن الطلاقَ هو الغاية التي يُريدها الشيطانُ مِنْ أتباعه، وأنه مِن أهم العوامل التي يستعين بها إبليسُ على إفساد الحياةِ البشرية؛ فقد روى مسلمٌ عن جابرٍ مرفوعًا: «إن إبليس يَضَعُ عرْشَهُ على الماء، ثم يبْعَثُ سراياه، فأدناهم منه مَنْزلةً أعظمهم فتنة، يَجِئُ أحدُهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، قال: ثم يجئ أحدُهم فيقول: ما تركتُه حتى فرَّقْتُ بينه وبين امرأتِه، قال: فيُدنيه منه، ويقول: نِعْم أنت».

مِن أجْلِ هذا جَعَلَهُ الإسلامُ في أضيق الحدود، ونهاية المطاف بعد فَشَل جميع محاولات التوفيق، بل حرَّم على الزوجة طلَبَ الطلاق أو الخُلْع، وزَجَرَها عن طلب الطلاق بلا عُذرٍ شرعيٍّ، إلا عند تحقُّق الضرَر وتمحضه، فروى أحمدُ، وأبو داود، والترمذيُّ، قال رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «أيما امرأة سألتْ زوجها الطلاق مِن غير ما بأس، فحرامٌ عليها رائحة الجنة»، كما روى أحمدُ والنَّسائيُّ عن أبي هريرة، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «المُنْتَزِعات والمُخْتَلِعات هنَّ المنافِقات».

ولما كان الطلاقُ بغيضًا إلى اللهِ جعَل رجوعَ الزوجِ عن الحلِف على تَرْك وطْءِ زوجته أحبَّ إليه - سبحانه وتعالى، فغفَر للزوج ما حصَل مِن الحَلِف، وجعَل لِيَمِينِه كفَّارةً وتَحِلَّةً، ولم يجعلْها لازمةً له غير قابلة للانفكاك؛ فقال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاؤُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226].

والإيلاءُ: حَلِفُ الزوجِ على ترْكِ وطْءِ زوجته مطلقًا أو مُقَيدًا، بأقلَّ مِن أربعة أشهر أو أكثر.

هذا وقد نُقِلَ عن الصحابة -ابنِ عمر، وحفصة بنت عمر، وزينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم- أنهم شبَّهوا مَن يأمُر بالطلاق بِهَارُوت ومَارُوت، كما في مُصَنَّف عبد الرَّزَّاق الصنعاني (8/ 486) عن ابن التَّيْمِيِّ، عن أبيه، عن بكر بن عبد الله المُزَني، قال: أخبرني أبو رافع، قال: قالتْ لي مَوْلاتي ليلى ابنةُ العَجْمَاء: كلُّ مملوكٍ لها حرٌّ، وكل مالٍ لها هَدْيٌ، وهي يهوديةٌ ونصرانيةُ إن لم تُطَلِّقْ زوجتَك - أو تُفَرِّق بينك وبين امرأتك - قال: فأتيتُ زينبَ ابنةَ أُمِّ سلَمة، وكانتْ إذا ذُكِرَتِ امرأةٌ بفقهٍ ذُكِرَتْ زينب، قال: فجاءتْ معي إليها، فقالت: «أفي البيت هاروتُ وماروتُ؟»، فقالتْ: يا زينبُ، جعلني الله فداكِ، إنها قالت: كلُّ مملوكٍ لها حرٌّ، وهي يهوديةٌ ونصرانيةٌ، فقالتْ: «يهوديةٌ ونصرانيةٌ؟ خلي بين الرجل وامرأته»، قال: فكأنَّها لم تَقْبَلْ ذلك، قال: فأتيتُ حفصةَ، فأرسلتْ معي إليها، فقالتْ: يا أم المؤمنين، جعلني الله فداكِ، إنها قالت: كلُّ مملوكٍ لها حرٌّ، وكلُّ مالٍ لها هدْيٌ، وهي يهوديةٌ ونصرانيةٌ، قال: فقالتْ حفصةُ: «يهوديةٌ ونصرانيةٌ؟ خلي بين الرجل وامرأته فكأنها أَبَتْ»، فأتيت عبدَالله بنَ عمرَ، فانطلق معي إليها، فلما سلَّمَ عَرَفَتْ صوتَهُ، فقالتْ: بأبي أنت وبآبائي أبوك، فقال: «أمِن حجارةٍ أنتِ؟ أم مِن حديدٍ؟ أم مِن أيِّ شيءٍ أنتِ؟ أفْتَتْك زينب، وأفتتكِ أم المؤمنين، فلم تقبلي منهما»، قالتْ: يا أبا عبد الرحمن، جعلني الله فداك، إنها قالت: كلُّ مملوكٍ لها حرٌّ، وكلُّ مالٍ لها هدْيٌ، وهي يهودية ونصرانية، قال: «يهودية ونصرانية؟ كفِّرِي عن يمينك، وخلي بين الرجل وامرأته».

قال شيخُ الإسلامِ ابن تيميَّة -رحمه الله-: فإنَّ الأصلَ في الطلاق الحظْرُ؛ وإنما أُبيح منه قدر الحاجة "؛ مجموع الفتاوى (32/ 293).

وسُئِل -رحمه الله تعالى- كما في "مجموع الفتاوى" (33/ 112): عن رجلٍ متزوجٍ، وله أولادٌ، ووالدتُه تكره الزوجة، وتُشير عليه بطلاقها، هل يجوز له طلاقها؟

فأجاب: لا يَحِلُّ له أن يُطَلِّقَها لقول أمِّه؛ بل عليه أن يبرَّ أمَّهُ، وليس تطليق امرأته مِن بِرِّها، والله أعلم.

فلا تُقْدِم -أيها الابنُ الكريمُ- على حلِّ ذلك الميثاق الغليظِ، ما دامتْ زوجتك مستقيمةً، وليس هنالك ما يدعو لطلاقها، وحتى وإن كنتَ تكره منها بعض الصفات، فقد قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إن كَرِهَ منها خلقًا رَضِيَ منها آخر» (رواه مسلم).

ولا يلْزمك طاعة والديك ولا إخوانك؛ لما في ذلك من إلْحاق الضَّرر بكما، وطاعةُ الوالِدَيْنِ وإن كانتْ مِن أوْجب الواجبات بعد الإيمان بالله، إلا أنها ليستْ مُطْلَقَةً، وإنَّما هي في المعْروف كما ذكَرْنا، وقال -صلَّى الله عليْه وسلَّم-: «لا ضرَر ولا ضرار» (رواه مالك).

فابذلْ وُسْعَك، واجتهدْ في إقناع أسرتك بِحكمةٍ ولُطفٍ ولينٍ ورحمةٍ، وعليك بالصَّبر والاحتساب، وابذلْ وُسْعَك في الإحسان لوالدتك وإخوتك، وبيِّنْ لهم أن هذه حياتك، ولا يجوز لهم التدخُّل فيها إلا بالمعروف.

وفقك الله لكلِّ خيرٍ، وقدَّر لك الخير حيث كان.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 10
  • 2
  • 57,955

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً