الوسواس والطلاق

منذ 2013-07-02
السؤال: مشكلتي أني أفكِّر كثيرًا في الطلاق، لدرجة أنني تعبتُ مِن التفكير، فتوجَّهتُ إلى طبيبٍ نفسيٍّ، وعرضتُ عليه المشكلة، وكتَب لي علاجًا للاكتئاب؛ حيث إنني كنتُ أعاني مِن وساوسَ في الطهارة، وفي الصلاة، وأخيرًا في الطلاق!
كلَّما تكلَّمتُ بلفظٍ مِن ألفاظ الكنايات، لاح في رأسي الطلاق، لدرجة أنني أكره أن أتكلَّم بألفاظ الكناية، وسبب وسوستي في الطلاق كثيرٌ مِن الأشياء التي قلتُها وفعلتُها، والتي أدَّتْ بي إلى هذا الحال، ولكي أتخلَّص من هذه الوساوس؛ أقول: "راجعتُ امرأتي"؛ احترازًا! علمًا بأني صرحتُ بلفْظ الطلاقِ مرتين، لكني لا أذكر التفاصيل بالضبط.
فهل يقع الطلاق في مِثْل هذه الحالات أو لا؟ وكيف أتخلَّص مِن ضِيق صدري الذي يؤرِّقني ويعذبني.
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم، أن يَشفِيك شفاءً تامًّا لا يُغَادِر سقمًا، وأن يُصلِح حالَك، وبعد:
فإن الطلاقَ لا يقع بمجرَّد الوساوس، أو حديث النفس، أو التفكير فيه، أو العزم عليه، ما لم يُتَلفَّظ به باتفاق العلماء، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله عز وجل تجاوز لأمتي ما وسوستْ به، وحدَّثت به أنفسها، ما لم تعمل، أو تتكلَّم به" [متفق عليه مِن حديث أبي هريرة، وأخرجه النسائي]، والترمذي، بلفظ: "إن الله تجاوز لأمتي عمَّا حدَّثت به نفسها، ما لم تتكلم به، أو تعمل"، قال الترمذيُّ: "والعمل على هذا عند أهل العلم أنَّ الرجل إذا حدَّث نفسَه بالطلاق، لم يكن شيء حتى يتكلَّم به".
وقال ابن قُدامة رحمه الله: "وجملة ذلك: أن الطلاق لا يقع إلا بلفظٍ؛ فلو نواه بقلبِه مِن غير لفظٍ لم يقعْ في قول عامَّة أهل العلم؛ منهم: عطاء، وجابر بن زيد، وسعيد بن جبير، ويحيى بن أبي كثير، والشافعي، وإسحاق، وروي أيضًا عن القاسم، وسالم، والحسَن، والشعبي".
وتذكَّر أخي الكريم أن للشيطانِ هجماتٍ على القلب، يدخل فيها الإنسان في دوَّامة القلق، والتعب النفسي؛ ليكدِّر حياتك، وتأمَّلْ قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [المجادلة: 10] يَظهَرْ لك حرصُ الشيطان على حزنِ بني آدم، وعلى ما يُفسِد دينهم، وطريقُ الخلاص مِن كل هذا هو صدق اللجوء إلى الله، وإخلاص الاتباع، والاستعاذة بالله مِن الشيطان الرجيم؛ كما قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200]، مع عدم الالتِفات لنَزغات الشيطان، والتحصُّن منه بالله تعالى.
أما طلاق المُبْتَلَى بالوسواس، فلا يقع طلاقه حتى لو تلفَّظ به بلسانه، إذا لم يكنْ عن قصدٍ؛ لأن هذا اللفظ باللسان يقع مِن المُوَسوِس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مغلَق مُكرَه عليه؛ لقوة الدافع، وقلة المانع، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: "لا طلاقَ في إغلاقٍ"؛ فلا يقع منه طلاقٌ إذا لم يُرِدْه إرادةً حقيقيةً بطمأنينة؛ فهذا الشيء الذي يكون مرغمًا عليه الإنسان بغير قصد ولا اختيار، فإنه لا يقع به طلاق؛ قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" في حكم طلاق الغضبان (ص: 61): "المُوَسْوِس لا يقع طلاقُه؛ صرَّح به أصحاب أبي حنيفة وغيرهم، وما ذاك إلا عدم صحَّة العقل والإرادة منه". اهـ.

وأما إن كانت الطلقتان الصريحتان اللتان ذكرتَهما، قد وقعا بإرادة حقيقيةٍ؛ تخلصًا مما أنتَ فيه مِن الضيق الذي تجدُه في نفسك؛ فالطلاق وَقَع، ولكن ما فعلتَه خطأ ظاهرٌ؛ فدواءُ مَن ابتُلِي بالوسواس لا يكون بإيقاع ما يُرِيده الشيطان منه، بل بألَّا تلتفت إليه.

وختامًا: أنصحُكَ بعَرْضِ نفسِكَ على طبيبٍ نفسي ماهرٍ، وواظِب على الرقية الشرعية، أو ابحث عمَّن يَرقِيك.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 6
  • 2
  • 41,182

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً