زوجتي والمواقع الإباحية

منذ 2016-12-23
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا متزوجٌ منذ عدة سنوات، وزوجتي سيدة محترمة، وعلى دين، ومن أسرة محترمةٍ، ولديَّ أولادٌ، أحيانًا يضطرني عملي إلى أن أبيتَ خارج البيت.

اكتشفتُ أن زوجتي تستغلُّ غيابي وتُشاهد الأفلام الإباحية على الإنترنت، وبالبحث والتدقيق وجدتُ الموضوع مستمرًّا منذ عام، وعلى فترات متباعدة، لكن تطوَّر الأمر لشبه إدمان.

واجهتُها، وأظهرتْ أسَفًا وندَمًا شديدين، وقالتْ: إن الموضوع بدأ بالصدفة عند متابعتها لبعض الفيديوهات العادية من على اليوتيوب، وجذبتْها الإعلانات، فدخلتْ مِن باب الفضول، حتى تمكن منها الشيطان، واستمرتْ على مشاهدتها.

أخبرتني بأنها حاولت البُعد عنها كثيرًا، وتابتْ، ثم عادتْ، وكان الشيطان يغلبها في كلِّ مرة!

الآن تتغلَّب عليَّ الوساوسُ؛ لأني وجدتُها مشتركة في بعض المواقع المتخصصة في الدردشة بين الجنسين، فتملكتني الوساوس أن تكون خانتني مع آخر، أو أرسلتْ صورها لأحد، لكني لم أجد دليلاً على ذلك.

واجهتُها بوساوسي؛ فأقسمتْ لي بأنها لم تتعدَّ المشاهدة ومِن باب الفضول.

أنا في حيرة مِن أمري، فهل ينطبق ذلك على مَن وجَد زوجته تزني؟! وهل أطلقها؟ وهل أصدقها أو لا؟

وكيف أتخلَّص من الوساوس التي تُسيطر عليَّ؟

الإجابة:

لحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا، واخلفْ لنا خيرًا منها.

هوِّن على نفسك أخي الكريم، ولا تحمل الأمر فوق رتبته؛ فقد جعل الله لكل شيء قدرًا، فلا تغالِ فيه، ولا تجعلْ مُشاهدة تلك القاذوراتِ كحال مَن وقعتْ زوجته في الزنا، كذلك لا أقول لك: إنه أمرٌ طبيعيٌّ.

ولكن يجب عليك أن تكون مُلِمًّا بأمرين:

الأول: أن مشاهدة المواقع الجنسية مِن البلايا والرزايا التي ابتُلي بها كثيرٌ مِن المسلمين؛ عامتِهم وخاصتهم، بل لم يسلمْ مِن إدمانه مَن تعدَّى السبعين ربيعًا!

ثانيًا: أن وقوع الإنسان في الفتنة إذا تعرَّض لها لا يسلم منه أحدٌ، إلا مَن عصم الله، ومَن تأمَّل أحاديث الفتن علِمَ هذا جيدًا، كما سيأتي بيانه، فنحن في حاجة للنظر في تلك الأحاديث، وإلى أن نُفعلها، وعدم تنبهنا لأحاديث الفتن وتفعيلها يوقع المسلم في الغلط لا محالة.

أنت تعلم أن زوجتك سيدة محترمة، وعلى دينٍ، ومِن أسرةٍ محترمةٍ أيضًا، يعني: قد أحسنوا تربيتها وتأديبها، غير أن هذا لا يعني عِصْمَتها، فقد أخبر الصادقُ المصدوقُ أن الإنسان مهما كانتْ شدة إيمانه إذا عرَّض نفسه للفتن ولم يفرَّ منها وقع فيها، ففي الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ستكون فِتَنٌ، القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خيرٌ مِن الماشي، والماشي فيها خيرٌ مِن الساعي، من تَشَرَّف لها تستشرفْه، فمَن وجَد فيها ملجأً أو معاذًا، فليَعُذ به»؛ أي: مَن نظَر إلى الفتن أهلكتْه.

مِن أجل هذا حذَّر النبي مِن المغامَرة بالنفس بالهجوم على الفتن، وبيَّن أن الواجبَ على الجميع - القويِّ والضعيفِ - الهرَبُ من مَظانِّها، والبُعد عنها، مهما كانتْ درجةُ وُضوح الشر فيها؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَن سمع بالدجال فلْيَنْأَ عنه؛ فواللهِ إنَّ الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به مِن الشبُهات، أو لما يبعث به مِن الشبهات»؛ رواه أحمد وأبو داود، فتأمَّلْ هذا الحديث العجيب لِمَن ألقى نفسه في فتنة الدجال، فلم يلبس أن كان مِن أتباعه، على الرغم من جلاء الحق؛ فالدجالُ الذي يدعي الألوهية شابٌّ قصيرٌ، أفْحَج جَعد الرأس، أجلى الجبهة، ممسوح العين اليمنى، كأنها عنبة طافئة، وهو مكتوب بين عينيه كافر، نسأل الله السلامة.

فما استُعين على التخلُّص من الفتن بمِثْل البعد عن أسبابها ومظانها، فالرجلُ الدَّيِّنُ والمرأةُ الدَّيِّنةُ إذا تلمَّسا الفتن وقعا فيها، وتأمَّل معي ما رواه الإمام أحمد عن النواس بن سمعان الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ضرَب الله مثلاً صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصراط سوران، فيهما أبوابٌ مفتحةٌ، وعلى الأبواب سُتورٌ مُرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعًا، ولا تتعرَّجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلِجْه، والصراطُ: الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم».

والحاصلُ أيها الأخ الكريم أنَّ العبد لا بُد أن يفعلَ ما قُدِّر عليه مِن ذنبٍ؛ كما قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - «كُتب على ابن آدم نصيبه مِن الزنا، مُدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجْل زناها الخطا، والقلبُ يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه»؛ متفق عليه.

والقدَر يُحتج به في المصائب بعد التوبة منها، والله تعالى قد جعل للعبد مخرجًا ممَّا وقع فيه من الذنوب بالتَّوبة والاستغفار، فإنْ فعل فقد تخلَّص من شرِّ الذنب، وإنْ أصرَّ على الذنب هلك.

ولتحذر الوسوسة والظلم؛ فهو ظلُمات يوم القيامة، فهل لكون زوجتك قد قويتْ على مشاهدة تلك الخبائث أنها تقوى على محادثة الرجال، وهل كل من نظَر لامرأة يستطيع أن يكلمها، وهي قد أقسمتْ لك فصَدِّقها، وأعْطِها فرصةً للتوبة وصلاح الحال، وتخلَّصْ مِن الإنترنت ولو فترة.

هذا، وسأنقل لك مِن نفيس الكلام ما قال شيخُ الإسلام في "منهاج السنة النبوية" (6/ 209-217) في معرض كلامه على مكفِّرات الذنوب:

"... فالمقصودُ كمال النهاية لا نقص البداية؛ فإنَّه تعالى يُحب التوَّابين، ويُحب المتطهِّرين، وهو يبدل بالتَّوبة السيئات حسنات، والذَّنب مع التَّوبة يوجب لصاحبِه من العبوديَّة والخشوع، والتَّواضُع والدعاء وغير ذلك - ما لم يكن يَحصل قبل ذلك؛ ولهذا قال طائفة مِن السَّلف: إنَّ العبد ليفعل الذَّنب فيدخل به الجنَّة، ويفعل الحسنة فيدخل بها النار؛ يفعل الذنب فلا يزال نصْب عينيه، إذا ذكره تاب إلى الله ودعاه وخشع له، فيدخل به الجنة، ويفعل الحسنة، فيُعْجب بِها، فيدخل النَّار.

وفي الأثر: "لَو لم تُذنِبوا، لخِفْتُ عليكم ما هو أعظم من الذَّنب، وهو العُجْبُ"، وفي أثرٍ آخر: "لو لَم تكُن التَّوبة أحبَّ الأشياء إليه، لما ابتلى بالذَّنب أكرم الخلق عليه"، وفي أثرٍ آخر يقول الله تعالى: "أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أقنطهم مِن رحمتي؛ إن تابوا فأنا حبيبُهم، فإن الله يحب التَّوابين ويحب المتطهِّرين، وإن لَم يتوبوا فأنا طبيبُهم، أبتليهم بالمصائب لأُطهِّرَهم مِن المعايب"، والتَّائب حبيب الله، سواءٌ كان شابًّا أم شيخًا.

السَّبب الثَّاني: الاستِغْفار؛ فإنَّ الاستغفار هو طلَب المغفِرة، وهو مِن جنس الدُّعاء والسؤال، وهو مَقرونٌ بالتَّوبة في الغالب ومأمور به؛ لكن قد يتوب الإنسانُ ولا يدعو، وقد يدعو ولا يتوب، والتَّوبة تَمحو جميع السيِّئات، وليس شيءٌ يَغفر جميع الذُّنوب إلاَّ التَّوبة، فإنَّ الله لا يغفِر أن يُشْرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وأمَّا التَّوبة فإنَّه قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وهذه لِمن تاب؛ ولهذا قال: لا تقنطوا من رحمة الله بل توبوا إليه، وقال بعدها: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [الزمر: 54]، وأمَّا الاستِغفار بدون التَّوبة فهذا لا يستلزم المغفِرة؛ ولكن هو سببٌ مِن الأسباب.

السَّبب الثالث: الأعمال الصَّالحة؛ فإنَّ الله تعالى يقول: {إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، وقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لمعاذ بن جبل يوصيه: «يا معاذ، اتَّق الله حيثُما كنت، وأتْبِع السيِّئة الحسنة تَمْحُها، وخالقِ النَّاس بخلُق حسَن».

وفي الصَّحيح عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «الصَّلوات الخمس، والجمُعة إلى الجمُعة، ورمضان إلى رمضان، كفَّارات لما بينهنَّ إذا اجتُنبت الكبائِر»؛ أخرجاه في الصَّحيحين.

وفي الصَّحيح عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَن صام رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه»، وقال: «مَن حجَّ هذا البيت فلم يرفُثْ ولَم يفسقْ، خَرَج مِن ذُنوبه كيوم ولدتْه أمُّه»، وقال: «أرأيتم لو أنَّ بباب أحدكم نهرًا غمرًا يغتسل فيه كلَّ يوم خَمس مرَّات، هل كان يبْقى من درنه شيء؟» قالوا: لا، قال: «كذلك الصَّلوات الخَمس، يَمحو الله بهنَّ الخطايا كما يَمحو الماءُ الدَّرن»، وهذا كلُّه في الصَّحيح، وقال: «الصدقة تطفئُ الخطيئة كما يطفئُ الماءُ النَّار»؛ رواه الترمذي وصحَّحه.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصف: 10 - 12].

وفي الصَّحيح: «يُغْفَر للشَّهيد كلُّ شيءٍ إلاَّ الدَّين»، وفي الصَّحيح: «صومُ يوم عرفة كفَّارة سنتين، وصوم يوم عاشوراء كفَّارة سنة»، ومِثْلُ هذه النصوص كثيرٌ، وشرح هذه الأحاديث يَحتاج إلى بسطٍ كثير.

فإنَّ الإنسانَ قد يقول: إذا كفَّر عني بالصَّلوات الخمْس، فأي شيء تكفِّر عني الجمعة أو رمضان؟ وكذلك صوم يوم عرفة وعاشوراء؟ وبعض النَّاس يجيب عن هذا بأنَّه يُكتب لهم درجات إذا لم تجد ما تكفِّره من السيئات.

فيقال: أوَّلاً العمل الَّذي يمحو الله به الخطايا ويكفِّر به السيِّئات هو العمل المقبول، والله تعالى إنَّما يتقبَّل من المتَّقين، والسَّلف والأئمَّة يقولون: لا يتقبَّل إلاَّ ممَّن اتَّقاه في ذلك العمل، ففعله كما أُمر به خالصًا لوجهِ الله تعالى.

قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود: 7قال: أخْلَصُه وأصوبُه.

قيل: يا أبا علي، ما أخلَصُه وأصوبه؟

قال: إنَّ العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا، لَم يُقْبَل، وإذا كان صوابًا ولم يكُن خالصًا لم يُقْبَل، حتَّى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أنْ يكون لله، والصَّواب أن يكون على السنَّة، فصاحب الكبائر إذا اتقى الله في عمل من الأعمال تقبل الله منه، ومن هو أفضل منه إذا لم يتق الله في عمل لم يتقبله منه، وإن تقبل منه عملاً آخر". اهـ.

وستجد على موقعنا استشارات مشابهة فراجعها؛ حتى تعلمَ صِدْق ما ذكرته لك، وراجع أيضًا: الاستشارتين: كيف أشعر بالتوبة؟ والهداية.

ونسأل الله الهداية والعصمة من مُضِلاَّت الفتن لجميع المسلمين.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 9
  • -1
  • 85,284

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً