فتاة تحاول التقرب مني

منذ 2017-01-05
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شابٌّ متدينٌ مُحافِظٌ على صلاتي، والحمد لله، عمري 18 عامًا، تعرفتُ إلى فتاةٍ تدرُس معي في القسم، وأعتبرها مثل أختي، ولكن شعورها نحوي شعور حب وعشق، ولا أستطيع تجنُّبها!

بدأتْ تتقرَّب مني أكثر وأكثر حتى صرنا نتكلم في الحبِّ، ولم يتوقفِ الأمرُ عند هذا الحد، بل صارتْ تلمسني، وأنا أخاف أنْ أقعَ في الفاحشة، فما نصيحتكم؟

سؤالٌ آخر: في القسم الذي أدرس به هناك مجموعةٌ مِن الزُّملاء يسبون الله - والعياذ بالله - وأنا أكره ذلك، فما الحل؟

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فالحمدُ لله الذي مَنَّ عليك بالتدين، والمحافَظة على الصلاة، والغيرة على انتهاك حُدود الله، وأحذرك - يا بني - من الإصغاء لتلك الفتاة المتهوِّرة؛ فتَفْتِنك عن جادة الصواب، ففرَّ منها كما وصَّى رسولُ الله؛ فأنت في خطرٍ حقيقيٍّ يتطلب منك قوةً وحزمًا لغَلْق باب الشر، والبعد عن الفتاة؛ لأن القُرب منها مَهلكةٌ، ولتحذرْ مِن شُؤم التساهُل معها، بل انْهَرْها، ولا تسمحْ لها بالاقتراب منك، حتى لا تضعفَ، واستمرَّ في مجاهدة نفسك، وأخْذِها بالقوة، وخالِفْ هواك والشيطان؛ فقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41]، وقال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36].

وقد أحسنتَ وصدقتَ في قولك: "أخاف أن أقع في الفاحشة"؛ ففطرتُك الصافية وعقلك الصريح يُوافقان ما جاء به الشرعُ الحنيفُ: «أنَّ مَن حام حول الحمى رَتَع»؛ ولذلك حرَّم الله تعالى النظرةَ بين الرجال والنساء إلا لضرورةٍ، وحاجةٍ معتبرةٍ؛ كما قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30، 31].

وأخرج مسلمٌ في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سُئِلَ عن نظرة الفجأة، فقال: «اصْرِفْ بَصَرَك»، بل أخرج الإمامُ أحمد في المسند، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنَّ الأولى لك، والآخرة عليك».

فهذا في مجرد النظرة الخالية من العلاقة، فكيف إذا كانتْ علاقةً ومحادثةً ومسارةً؟! وستنقلب لعلاقةٍ آثمةٍ بعد ذلك ولا محالة؛ فانْجُ بنفسك؛ فاللهُ سبحانه قطَع طريق الغواية على عباده؛ كي لا يندموا بعد فوات الأوان، وقبل أن يُحال بينهم وبين قلوبهم؛ فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21]، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24]، وقال: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110]، فاعملْ بموجب ما تعلمه مِن قُبْح الاختلاط، يثبت الله قلبك على الحق، وإياك ومخالفته فإنها تضعفه؛ بل قد تُذهبه، فآيةُ الأنفال قد دلَّتْ على أنَّ مَن تثاقَل عن الاستجابة، وأبْطَأَ عنها، فلا يأمن أن اللهَ يَحُول بينه وبين قلبه، فلا يُمكّنه بعد ذلك من الاستجابة؛ عقوبة على تركها بعد وُضُوح الحق واستبانته.

فاللهُ سبحانه الخالقُ العليم بخلقه وطبيعةِ تكوينهم هو الذي ينهى عن هذا، الذي خلَق الرجالَ والنساء، يعلم أن المرأة تثير الطمع، وتهيج الفتنة في القلوب، فكيف بالمجتمع الذي نعيش اليوم فيه في عصرنا المريض الدَّنِس الهابط، الذي تهيج فيه الفِتَن، وتثور فيه الشهواتُ، وترف فيه الأطماع؟ كيف بنا في هذا الجو الذي كل شيءٍ فيه يثير الفتنة، ويهيج الشهوة، وينبه الغريزة، ويُوقظ السُّعار الجنسيَّ المحموم؟! كيف بنا في هذا المجتمع وفي هذا العصر؟!

تأمَّلْ - أيها الابن الكريم - حديث النواس بن سمعان، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ضرب الله مثلاً صراطًا مستقيمًا، وعلى كتفي الصراط سوران فيهما أبوابٌ مفتحةٌ، وعلى الأبواب ستورٌ مرخاةٌ، وعلى الصراط داعٍ يدعو يقول: يا أيها الناس، اسلكوا الصراط جميعًا، ولا تعوجوا، وداعٍ يدعو على الصراط، فإذا أراد أحدكم فتح شيءٍ من تلك الأبواب، قال: ويلك، لا تفتحْه؛ فإنك إن تفتحه تَلِجْه، فالصراطُ: الإسلام، والستورُ: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، والداعي الذي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي مِن فوق: واعظُ الله في قلب كل مسلمٍ».

وتأمَّلْ - أيضًا - حديث عمران بن حصينٍ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن سمع بالدجال فلْيَنأَ منه، مَن سمع بالدجال فلْينأ منه، من سمع بالدجال فلينأ منه؛ فإن الرجل يأتيه وهو يحسب أنه مؤمنٌ، فلا يزال به لما معه مِن الشبه حتى يتبعه»؛ رواه أحمد، وأبو داود.

فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أدنى ميلٍ أو ركونٍ، وبَيَّن أن من الناس من يأتيه، فيطيع الدجال؛ من أجل ما يثيره، ويباشره من الشبهات والمشكلات؛ كالسحر، وإحياء الموتى، وغير ذلك، فيصير تابعه كافرًا، وهو لا يدري.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ستكون فتنٌ، القاعد فيها خيرٌ مِن القائم، والقائم خيرٌ مِن الماشي، والماشي فيها خيرٌ مِن الساعي، مَن تشرّف لها تستشرفه، فمَن وجد ملجأً أو معاذًا، فليعذْ به».

ففي هذه الأحاديث وغيرها بيانٌ عظيمٌ لخطر الفتن، والحث على تجنُّبها، والهرب منها، وترْك التشبث بها، وأن شرها وفتنتها تكون على حسب التعلق بها، وأن الواجب عليك وعلينا جميعًا التماس موضعٍ نلتجئ إليه، ونحمي أنفسنا فيه من الفتن، ولا نتعرض لها؛ لأنَّ مَنْ تعرَّض لها تغلبه، وتصرعه، وتهلكه.

 

أما سبُّ الله فهو كفرٌ مجردٌ؛ فاحذر الاختلاط بهؤلاء الطلاب، وانصحهم بالمعروف مبينًا لهم خطورة ما يفعلونه، فإن لم ينتهوا فارفعْ أمرهم للمعلمين.

 

وفَّقك الله للخير، وثَبَّت قلبَك عليه.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 5
  • 0
  • 23,157

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً