عقوق الأبناء بعد الطلاق

منذ 2017-04-02
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخواني الكرام في شبكة الألوكة، لجأتُ إليكم أملاً في أن أجدَ جوابًا شافيًا وحلاًّ جذْريًّا لما أعاني منه.

كنتُ متزوجًا وطلقتُ منذ عامين، وعمري ٤٦ سنة، هادئ، كَتوم، عنيدٌ أحيانًا، أميل للسلبية في المواقف أحيانًا أخرى، ملتزم دينيًّا بدرجةٍ تَفوق المتوسط، ولا أزكِّي نفسي أو أحدًا على الله.

لديَّ أولاد أكبرهم ٢٣ سنة، وأصغرهم أربع سنوات، وتزوجتُ مِن أخرى بعد الطلاق.

أما طليقتي وأُمُّ أبنائي فهي ربةُ بيتٍ حتى وقت الطلاق، والآن لديها عمَلٌ تجاري بسيط، أسرتُها غير مُلتَزِمة في المُجْمَل، اجتماعية مع مَن حولها، حادَّة اللسان، تَميل للتحدِّي في أُمُورها، عُدوانية في حديثها وتصرُّفاتها مع من تُعادي، لا تحترم مَن هو أمامها عند الغضب أو الخلاف، تميل للشك والظنون السيئة بِمَن حولها، رأيُها دائمًا صواب لا يقبل الخطأ، متحكِّمة في شخصية الأبناء بشكل كامل.

أثناء حياتي معها كنتُ أعاني، وكذلك تأثَّر أولادُنا بذلك كثيرًا، ولا تراعي مناقشتنا أمام الأولاد، وتتكلم في خصوصياتنا أمامهم، كنتُ أنصحها كثيرًا وأخبرها بخطأ ما تفعل، لكنها لم تكن تطيع.

عرضتُ عليها أن نذهبَ لِمُختَصٍّ نفسي فرفضتْ، وتدَّعي أنَّني مَن يحتاج إلى الطبيب النفسي، وليس هي!

لم أكنْ أقَصِّر معهم في الإنفاق الماديِّ، وكنتُ أوَفِّر لهم ما يَحتاجونه؛ مِن أكلٍ ومَلبسٍ وخلافه، ووفرتُ سيارة لكلِّ واحدٍ منهم، مع التعليم الجيد، ومع كلِّ هذا فأنا مُقَصِّر مِن وِجهةِ نظَرهم.

بعد تفكير عميقٍ في العلاقة الزوجية والخلافات اليومية قررتُ الطلاق، فجمعتُ أبنائي وخيَّرْتُهم بيني وبينها، فاختاروها هي، وبعد انتهاء العِدَّة، اضطررتُ للخُروج مِن بيتي، واستئجار شقَّة، وهدأت الأمور، وتحسنتْ نفسياتهم نوعًا ما.

مشكلتي ليستْ في الطلاق، لكن المشكلة في أنَّ طليقتي تعيش في بيتي مع أبنائي، وتُحاول فرْضَ ما تُريده عليهم، حتى وإن خالف ما أريده أنا، وكأنها أوامر يجب عليَّ أنا وأبنائي أن نسير عليها؛ مِن ذلك: منْعُ الأولاد مِن رؤيتي، أو المجيء إليَّ؛ بحجة الخوفِ عليهم مِن سِحْرهم، أو غير ذلك مِن الأمور التي ربما أضُرُّهم بها - كما تعتَقِد.

أثَّرَتْ عليَّ وعلى هَيبتي وصورتي أمام أبنائي، وأصبحت تحرضهم ضدي، وضد زوجتي الحالية، بالرغم من أنهم لَم يروها، ولم يتعاملوا معها.

نقطةُ ضعفي هي عطفي وخوفي الزائد على أبنائي وبناتي، والذي وقف دون اتخاذ أي قرارات صعبة، لكنني تعبتُ وتأثرتُ من هذه المشاكل نفسيًّا ثم جسديًّا.

كثيرًا ما أتراجع عن التواصل مع أبنائي لأنهم اختاروا أمهم، وفضَّلوها عليَّ، ويدافعون عنها ويرونها على حق في كل شيء، لكني أخاف عليهم وعلى ما يمكن أن يتعرضوا له بسبب والدتهم.

لا أدري ما التصرُّف المناسب الذي يمكن القيام به من الناحية النفسية والاجتماعية؟

وما رأيكم فيما أنا فيه مِن حيرة في وضعي وعُقوق أبنائي؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فما وصلتْ إليه الأمورُ - أيها الأخ الكريم - مِن تأزمٍ هو ثمرةٌ مرةٌ لحياةٍ زوجيةٍ مُضطربةٍ، مع زوجةٍ غير عاقلةٍ، ولا واعيةٍ بمصالح أبنائها، ولو عقلتْ لتركت الأبناء دون تحريضٍ منها أسْهَم في اعتلال الصحة النفسية لديهم، ولكن لا يمكن أن نقول - الآن -: إلا قدر الله وما شاء فعل.

فالإيمان بالقدر يمنع المسلم من الحسرة على ما فاته مِن النتائج، لكنه يعود إلى نفسه؛ لينظرَ فيما فرَّط فيه مِن أسبابٍ؛ ليتداركه مُستقبلاً، وما أخطأ فيه مِن أفعالٍ؛ ليصحِّح أخطاءه، ويجتهد فيما يقدر عليه مِن الأسباب، فيأخذ بما استطاع منها، ثم يترك النتائج إلى الله يُقَدِّرها - سبحانه - بحكمته، وعلمه، ورحمته؛ قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله مِن المؤمن الضعيف، وفي كل خيرٌ، احرصْ على ما ينفعك، واستعِنْ بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقلْ: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قلْ: قدر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان»؛ رواه مسلمٌ.

وتأمَّلْ - رعاك الله - ما قاله ابن القيم: "لا تتم حقيقةُ التوحيد إلا بمباشَرة الأسباب التي نصبها الله مقتضياتٍ لمسبباتها قدرًا وشرعًا".

والأسبابُ لا تعطي النتائج إلا بإذن الله تعالى، والذي خلق الأسباب هو الذي خلَق النتائج. فبهذا المعتقد تسكب في القلب السكينة، حتى تفيضَ على النفس الطمأنينة، والاشتغال بما ينفع.

وسأذكر لك بعض النقاط لتسترشدَ بها في الطريق:

أولاً: استفراغ وُسعك في التلطُّف مع الأولاد، إلا ما يؤثر عليهم سلبًا، مع طلب العون والمدد من الله تعالى، ثم التسليم للقضاء والقدَر.

ثانيًا: احرصْ على عدم الاحتكاك بطليقتك، إلا فيما لا بد منه؛ فهذا سيُقَلِّل مِن المشاكل معها.

ثالثًا: احذرْ مِن الإقدام على أخْذ سكن الأولاد؛ فهذا سيزيد الأمرَ تعقيدًا.

رابعًا: تذكَّرْ - دائمًا - أنه لا يَصِحُّ في النهاية إلا الصحيح؛ فأبناؤك - وإن طال الزمان - سيفطمون لا محالة يومًا ما مِن أمهم، ويُبصرون الحق، ويومها سيُدركون ما فعلتَه وتفعلُه مِن أجلهم؛ كما قيل:

سَوْفَ تَرَى وَيَنْجَلِي الغُبَارُ        أَفَرَسٌ تَحْتَكَ أَمْ حِمَارُ

 

ونسأل الله أن يشرحَ صدرك، وييسِّر أمرك، إنه وليُّ ذلك، والقادرُ عليه.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 2
  • 0
  • 33,934

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً