كيف أعرف صفات شريك حياتي؟
فتاة في حيرة وقلق من الخطوبة والزواج، وتريد أن تعرفَ الطريقة الصحيحة للخِطبة في الإسلام، وكيف تعرف صفات شريكها؟ وهل الخاطب مُناسبٌ لها نفسيًّا أو لا؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة في منتصف العشرين مِن عمري، جامعيَّة وغير موظَّفة، أريد أن أتعرَّف إلى الخطبة في الإسلام، كيف تكون؟ وكيف أعرف أن الخاطبَ مناسبٌ لي نفسيًّا؟
هذا الموضوع يُحَيِّرني كثيرًا، ويُسَبِّب لي مخاوفَ وقلقًا شديدًا، بالرغم من إيماني بأنَّ الله مُدَبِّر كل شيء، وأن أمر المسلم كله له خير، لكن مِن باب الأخْذ بالأسباب، وتجنُّب الوقوع في الخطأ، فهذا موضوعٌ مهمٌّ جدًّا، وأنا أخشى مِن الفَشَل والطلاق بسبب سوء الاختيار.
علَّمنا الرسولُ عليه الصلاة والسلام تزويج مَن نرضى دينه وخُلُقه، والرضا هنا أمر نسبيٌّ، فأريد أن أعرف هل هو تكامُل وتناسُب الشخصيات أو لا؟ وكيف يكون التعارُف بين الخاطبين في الشريعة الإسلامية؟ هل الخطوة الأولى هي السؤال عنه ثم النظرة الشرعية؟ وكيف تكون النظرة الشرعية؟ وكم مرة يمكن أن تتمَّ؟ وهل يجوز لي أن أحدثَ الخاطب بوجود محرَم لي عن شخصيته وطباعه لأتأكد من أنه مناسب لي أو لا؟ فلا أعتقد أن سؤال أهله يكفي، وأظن أنه عليَّ سؤاله شخصيًّا، وإن لم أستطعْ بسبب القُيُود الاجتماعية، فماذا يمكنني أن أفعلَ لأريح نفسي وأخفِّف من قلقي؟!
كثيرون يقولون: إن الزواج التقليدي ظُلم للفتاة، فهي تتزوَّج من لا تعرف عنه شيئًا، ولا تمتلك فرصةً للتعرُّف إليه بطريقة ترضي الله.
أنا لا أؤمن أبدًا بالحبِّ قبل الزواج، بل أنا مؤمنة بضرره، وبقلة التوفيق فيه، وما أقصده هو: ما الطريقة الشرعية التي تُمَكِّنني من التعرُّف إلى مَن سيكون شريك حياتي في المستقبل؟ فالخُطَّاب يأتون وأنا أرفض.
أنا في حيرةٍ من أمري، وأرجو أن أجدَ لديكم ما يُطمئنني.
وجزاكم الله خيرًا ونفع بكم.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فهَوِّني عليك أيتها الابنة الكريمة؛ فالأمرُ أيسرُ بكثيرٍ مما هوَّله لك شيطانُك، فمليارات مِن الفتيات تزوَّجْنَ قبْلَك زواجًا تقليديًّا، ونجحت منهنَّ كثيرات، وفشلت أخريات، وما زال الناسُ يتزوجون إلى أن يرثَ الله الأرض ومَن عليها.
أما معرفة خُلُق ودين الخاطب، والتعرُّف إلى طريقة تفكيره، إلى غير ذلك مما تسألين عنه، فباتباع وسائل معروفة تصلين بها لتصوُّر صحيح عن الخاطب، وذلك بسؤال مَعارفه وأصدقائه والمقربين منه، والسؤال عن تربيته، ومدى تديُّنه إلى غير ذلك.
وأيضًا يُمكنك أن تتحدَّثي مع الخاطب أثناء الرُّؤية في جميع الأمور التي تهمك، وسينجلي لك جانبٌ كبيرٌ مِن شخصيته، فتتعرفين على طريقة تفكيره ومدى عُمقه أو سَطحيته في تناوُل الأمور، وحتى لا تنسي شيئًا من ذلك، رتِّبي أفكارك في نقاط مكتوبة، واجعليها معك في مفكرة يد، ومهما حاول التجمُّل أو التشبُّع بما ليس فيه فسيظهر ذلك عليه، كما قيل: تكلَّم حتى أعرفك، وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: "المرءُ مَخبوء تحت لسانه"، ومن أجَلِّ ما تقرئين في هذا المقام كلام الجاحظ في "البيان والتبيين" (1/ 155-156).
قال الأعور الشني:
وكائِنْ تَرَى مِنْ صامتٍ لك مُعْجِبٍ زِيادَتُهُ أو نَقْصُهُ في التكلُّــــــمِ
لِســانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فُؤادُه فَلَمْ يبقَ إلا صورة اللَّحْم والدَّمِ
ولما دخل ضمرة بن ضمرة على النعمان بن المنذر، زرى عليه، للذي رأى من دمامته وقصره وقلته، فقال النعمان: "تسمع بالمعيديِّ لا أن تراه".
فقال: أبيت اللعن، إن الرجال لا تكال بالقفزان، ولا توزن بالميزان، وليست بمسوك يستقى بها، وإنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، إن صال صال بجنان، وإن قال قال ببيان"، وكان يُقال: "عقلُ الرجل مَدفون تحت لسانه".
وقال: أبو الحسن: قال الحسن: "لسان العاقل من وراء قلبه، فإذا أراد الكلام تفكَّر، فإن كان له قال، وإن كان عليه سكت، وقلب الجاهل من وراء لسانه، فإن همَّ بالكلام تكلم به له أو عليه"، وكان يقال: "عقل الرجل مدفون تحت لسانه".
فإن لم تتمكني من الحوار معه في كل ما تريدين، فيجوز لك أن تُكَلِّميه في الهاتف، أو مِن خلال أحد مَحارمك.
أما قولك: "إن الرضا أمر نسبي"، فكلام مجملٌ، ولكن هناك قدر يتفق عليه جميعُ العقلاء أنه تدين وحسن خلق، فالخلقُ القويمُ والدين المستقيم له حدودٌ لا تخطئ يعرفها كل أحدٍ، ويُميزها عن سواها، وكذلك سوء الخلُق ورِقَّة الدين تُدْرَك أيضًا بداهةً، ولا إخالك تظنين أن المعيار الذي أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقبول الخاطب أو رفضه يَغيب على الناس، وإنما يميزه كلُّ أحدٍ بدقةٍ فائقةٍ.
وأضرب لك مثالاً: فالشابُّ المحافظ على عباداته الظاهرة؛ من صلاة، وزكاة، وصيام، وبر للوالدين، ولا يرتَكِب شيئًا من الكبائر، وليست له مثلاً علاقات نسائية، إلى غير ذلك، يكون مَرْضِيَّ الدين عند جميع الخلق، ممن لم تفسد فطرهم، وإن المضيع للعبادات أو مرتكب الكبائر أو المُصر على الصغائر، غير مَرْضِيِّ الدين عند المسلمين.
وكذلك الشاب حسن الخلق له صفات لا يختلف فيها، فهو متَّصف بالصِّدق والأمانة، والشهامة والنجدة، وعلو النفس والكرم، فهل يختلف الناسُ في الرضا عن الشجاع والكريم، وعدم الرضا عن الخاطب البخيل أو الكاذب.
أما النظرُ إلى الخاطب، فيجوز بقدْر الحاجة التي تدعو إلى الزواج، فإن حصل المطلوب بمرة وجب الكفّ، وإن لم يحصل المقصود منه جاز تكراره حتى حُصول المقصود؛ فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنتُ عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل، فأخبره أنه تزوَّج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنظرتَ إليها؟»، قال: لا، قال: «فاذهبْ فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئًا».
وفي المسند وسنن أبي داود عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب أحدكم المرأة، فَقَدَرَ أن يرى منها بعض ما يدعوه إليها، فليفعل»، وزاد أبو داود: قال جابر: "فخطبت جارية، فكنتُ أَتَخَبَّأُ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها؛ فتزوجتُها".
وبَيَّن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم العلة في ذلك؛ وهي دوامُ العِشرة؛ فروى أحمد والترمذي عن المُغيرة بن شعبة، قال: خطبت امرأة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنظرتَ إليها؟»، قلت: لا، فقال: «انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يُؤْدَمَ بينكما»؛ أي: أحرى أن تدومَ المودَّة، وتحصل الموافقة والملاءمة بينكما.
أما تَكْرار النظر فكما ذكرت لك يجوز حتى يحصل المقصود، فإذا حصل المقصود رُفِعَت الحاجة التي مِن أجلها أبيح النظر، وحرم النظر لأنك ما زلتِ أجنبية عنه.
وقد نصَّ على جواز تَكْرار النظر بعض الشافعية وغيرهم؛ قال الإمام النووي الشافعي في منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه (ص: 204): "وإذا قصد نكاحها سن نظره إليها قبل الخطبة، وإن لم تأذن، وله تكرير نظره، ولا ينظر غير الوجه والكفين"، وقال الخطيب الشربيني شارحًا لعبارة النووي في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (4/ 208): (وله تكرير نظره) إن احتاج إليه ليتبين هيئتها، فلا يندم بعد النكاح؛ إذ لا يحصل الغرض غالبًا بأول نظرة، قال الزَّرْكَشِيُّ: ولم يتعرضوا لضبط التكرار، ويحتمل تقديره بثلاث لحصول المعرفة بها غالبًا، وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: "أريتك في ثلاث ليال". اهـ.
والأولى أن يُضبط بالحاجة، وسواء أكان بشهوة أم غيرها، كما قاله الإمامُ والرُّوياني، وإن قال الأذْرَعيُّ: في نظره بالشهوة نظرٌ". اهـ.
هذا، وننصحك أيتها الابنة الكريمة بمُطالَعة الاستشارات الأسرية على شبكة الألوكة؛ وستجدين فيها إن شاء الله تعالى الجواب الشافي للهواجس والأفكار التي تَعنُّ لك، والقضايا التي تُثار بين الفتيات وفي مجتمعاتنا.
وراجعي على سبيل المثال الاستشارتين : المفاضَلة بين الزواج عن حب والزواج التقليدي، أخاف أن أتزوج وقلبي متعلِّق بآخر.
نسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرزقك زوجًا صالحًا.
- التصنيف:
- المصدر: