أخاف على ولدي من زوجته

منذ 2017-10-14

رجلٌ لديه ابنٌ متزوِّجٌ مِن فتاةٍ عنيدة لا تُطيع زوجها، حتى إنها تطاوَلَتْ على حماتها وأهانَتْها، وتَمَسَّك الولدُ بأمِّه ورَفَض زوجتَه، والفتاةُ تتعالى وتريد أن تقوم الأمُّ بالاعتذار إليها، والوالدُ يسأل: هل يُطَلِّقها أو لا؟

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لي ولدٌ تعِبْتُ في تربيتِه حتى حَفِظ القرآن، وتقلَّد وظيفةَ الإمامة، وأحبَّه مَن حولَه، والحمدُ لله أَثْمَرَت الجهودُ بفضل الله، بحثتُ عن زوجةٍ صالحةٍ له، وكنا نُقابَل بالرفض لأسباب ثانوية، حتى وقع اختيارُنا على فتاةٍ والدُها مُطلق زوجته (ولم يُخبرونا بذلك)، وهي أختٌ لامرأة متعاليةٍ على زوجها متحكِّمة فيه، بل هي صاحبة القرار!

تزوَّج ابني وعاش مع زوجته، والفتاةُ تُصَلِّي والتزامُها ضعيفٌ من ناحية القرآن وطاعة الزوج.

المشكلةُ أن الفتاة كانتْ تُطَبِّق ما تقولُه أختُها بالنَّصِّ، وبحُكم أنَّ ولدي قليل الخبرة أصبح يَنقاد لها، حتى أحسستُ بأنَّ فَلذة كبدي بدأ يَقِل التزامُه بالوظيفة (الإمامة)، وبدأتُ أخشى على الثمَرة التي تعبتُ في زَرْعِها.

جاءتْ مناسبة في بيتنا، وكان مِن الحُضور أختُ زوجة ابني وزوجها (ضعيف الشخصية)، وحصلت مشادَّة بسبب كلمة قالتْها أخت زوجة ابني، فقامتْ زوجة ابني بإهانة زوجتي (والدة ابني)، فخرجتْ زوجتي تبكي حتى لحقَها ولدي، وقبَّل رأسَها، وقرَّر ولدي التخلِّي عن زوجته، والتمسُّك بأمِّه.

والآن ابني لا يكلِّم زوجته، وهي لا تُكَلِّمه، بل هي مُتعالية وعَنيدة، وتريد فوق كلِّ ذلك أن يعتذرَ لها الجميعُ ولأختها!

فأخبِرونا وأشيروا علينا بخبرتكم: هل يُطَلِّقها لعنادها؟

لأن أختها توصيها بألا تطيع زوجها؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فلا يخفى عليك أيها الأخُ الكريمُ أنَّ الشارعَ الحكيم لم يجعل الطلاقَ أول الحُلول، وإنما جَعَلَهُ علاجًا أخيرًا إذا استنفدتْ وجُرِّبَتْ جميعُ الحُلُول؛ حتى قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" (32/ 89): "لولا أن الحاجةَ داعية إلى الطلاق، لكان الدليلُ يقتضي تَحريمه، كما دلَّتْ عليه الآثارُ والأصولُ؛ ولكن الله تعالى أباحه رحمةً منه بعباده؛ لحاجتِهم إليه أحيانًا، وحرَّمه في مَواضعَ باتفاق العلماء".

فالإسلامُ - كما تعلم - يَنظُر للبيت المسلم بِوَصْفِه سكنًا وأمنًا وسلامًا، وإلى العلاقة بين الزوجين بِوَصْفِها مَوَدَّةً ورحمةً وأنسًا، وشَرَعَ لنا كلَّ ما مِن شأنه حِفظ البيت ورعايته وتماسُكه، فالعلاقةُ الزوجيةُ يُقَوِّيها التجاوُبُ والتعاطُفُ والتحابُّ، والمودَّةُ والرحمةُ والأُنسُ والسَّكَنُ؛ قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، وقال: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]، وقال: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 223]، وقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} [النحل: 80]، غيرَ أنَّ كلَّ هذه الأمور لا تأتي بين ليلةٍ وضُحاها، ولا بِمُجرد بناء الزوج بزوجته، وإنما تولد وتكبر مع توالي الأيام، وبذْلِ الجهد والصبر حتى تتوافقَ الطباع.

فوَلَدُك لن يجدَ زوجةً جاهزةً فيها كلُّ ما يرجوه، وتتَّفق معه في طباعه، وتعرف كلَّ شيء عن الحياة الزوجية، فلا بد مِن التعَب، ومَنْ تَأَمَّل أحاديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم في عِشرة النساء أَدْرَكَ هذا.

أما اتِّصاف زوجة ابنك بالعناد والتعالي فكثيرٌ من الفتيات يَتَّصِفْنَ بهذا الخُلُق المذموم في أول الزواج، ثم يَقِلّ شيئًا فشيئًا، وكلما زادت العِشْرَةُ زاد التفاهُم، وَنَمَت المَوَدَّة والرحمةُ والسكنُ.

ولا يخفى عليك أن المشكلات الزوجيةَ مهما بلغتْ فإنها تُحَلُّ بالتعقُّل والصبر، وتنازُل كِلا الطرفين عن بعض حُقوقه، وبِغَضِّ الطرف عن بعض مَساوئ الآخر، والعمل على تقويمها وتذكيرها برفق ولينٍ، بما يجب عليها من حقوق، فأساسُ الحياةِ المَوَدَّةُ والرحمةُ، وحُسنُ الخُلُق والاحترامُ المُتبادَلُ.

وحصولُ الخطأ والخلافات بل والتطاوُل والنُّشوز - لا يعني تقويضها، فهذه أمورٌ لا يخلو منها بيتٌ، ومن ثَم ذَكَر الله تعالى طُرُقًا لعلاج اعوجاج المرأة والتعامل معها، فقال تعالى في حقِّ الناشز: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34].

فلْيَبْدَأ ولدُك مع زوجته بما بدأ الله به، وهو: الموعظةُ، ويُذَكِّرها بالله عز وجل، وما أوجب مِن طاعة الزوج في المعروف، فإن عليه زيادة حق عليها، وهي القوامة، التي مِن لَوَازِمِها التقويم والتهذيب؛ قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 228]، والدرجةُ هي القوامة والرئاسة؛ قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، ومَرْجِعُ الحُقُوق بين الزوجين: المعروف، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيته، الإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، والرجلُ راعٍ في أهله وهو مَسؤولٌ عن رعيته»... الحديث.

وعليه ألا ينسى أن ينظرَ في أَوْجُه القُصُور منه تُجاهها، ومبدأ الخلَل نحوها ليُصْلِحَه.

فإن تَمَادَتْ في عِصيانها فيستمر في هَجْرِها حتى تعودَ للحقِّ، فإن لم يُجْدِ معها هَجْرٌ ولا نُصْحٌ ولا إرشادٌ، فالمنهجُ الإسلاميُّ الحكيمُ يأمُر بإجراءٍ آخر لإنقاذ الأسرة من الانهيار، وقبل أن ينفضَ يديه منها ويدعها تنهار، وهو: توسيط العُقَلاء، فابحثْ عمَّن تَثِق في دينه وخبرته وعقله ليكونَ وكيلاً عنك في تلك المشكلة، فإنه سيكون أهدأ نفسًا، فلا تدفعه شدةُ حب الولد والخوف عليه لِأَنْ يَنْحَازَ له أو يتسرَّع في الطلاق؛ قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35]، وقال: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 128].

فينظر فيما ينقم كل منهما على صاحبه، ومهما أمكن الإصلاح فلا يعدل عنه، ولا نُسارع بفصم عقدة النكاح، وتحطيم الأسرة والاستسلام لبوادر الشِّقاق.

فإن لم تُجْدِ تلك المحاولات ولا الوساطات، فهناك إذًا ما لا تستقيم الحياة معه، ولا يستقر قرارُها، والإمساكُ بالزوجية في هذا الوضع محاولةٌ فاشلة، ومن الحكمة التسليمُ بالأمر الواقع، فليس كلُّ طلاق نقمةً، بل من تَمام نعمة الله على عباده أنْ مَكَّنَهم مِن المفارقة بالطلاق إذا أراد أحدُهم استبدال زوج مكان زوج، والتخلُّص ممن لا يحبها ولا يُلائمها، فلم يُرَ للمتحابَّين مثل النِّكاح، ولا للمتباغضين مثل الطلاق؛ قاله الإمام ابن القيِّم في "زاد المعاد في هدي خير العباد" (5/ 219).

وأسأل الله أن يُقَدِّر لولدك وزوجته الخير حيث كان.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 3
  • 5
  • 54,715

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً