ماذا أفعل لكي أنساها؟
شابٌّ كان متعلقًا بفتاة ثم ترَكها؛ لأنه تأكَّد أنها لا تصلُح أن تكونَ زوجةً له، لكن ما زال قلبُه مُتعلِّقًا بها، حاول كثيرًا أن ينساها فلم يَستطعْ، ويسأل: ماذا أفعل لكي أنساها؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بدايةً أشكركم على هذه الشبكة الرائعة، وجزاكم الله خيرًا على ما تُقدِّمون.
أما مشكلتي فأنا شابٌّ في الثلاثين مِن عمري، كنتُ على علاقةِ حبٍّ بإحدى الفتيات، ثم اكتشفتُ أنها لا تَصْلُح زوجةً، فتركتُها.
مرَّ على هذا نحو ستة أَشهُر، حاولتُ أن أنساها لكن للأسف دون جَدوى، حاولتُ مِرارًا وتَكرارًا فلم أَستطعْ، ولا أعلم لماذا لم أنسَها؟ رغم تأكُّدي من عدم صلاحِها كزوجة.
أحيانًا يُرادوني الفِكر وأقول لنفسي: ربما تصلُح أن تكونَ زوجة!
استشرتُ مَن أثق فيه، فأخبرني بأن الحلَّ لكي أنساها أن أُحبَّ غيرها، وأنا غير مُقتنعٍ بهذا؛ لأنني أريد الخَلاص مِن هذا الحبِّ والتعلُّق، ولا أريد أن أقعَ مرةً أخرى في نفس المشكلة!
فأرجو أن تُخبروني ماذا أفعل لكي أنساها؟! لقد تعبت، وصلاتي وعبادتي وديني في تناقص.
المشكلةُ أنني كلما تذكَّرْتُها أتَّجه للاستِمناء حتى أنساها، لكن سرعان ما تعود لرأسي، فأشعُر بكآبةٍ وضِيقٍ!
سؤالي: لماذا لا أستطيع نِسيانها؟ وهل أنا مريضٌ بفعلتي الشنيعة وهي الاستِمناء؟ وكيف أستطيع أن أنساها؟! تعبتُ.
فأنْقِذوني قبل أن يذهبَ عقلي وقلبي.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فشَكَر الله لك أيُّها الابنُ الكريم على قَطْع علاقتك بتلك الفتاة المستهتِرة، ولتحذرْ مِن خِداع النفس، وتزعم صلاح تلك الفتاة، فأيُّ صلاحٍ وأنت مَن تذكُر عنها خِلاف الصلاح مِن كلِّ وجهٍ؟ أسأل الله أن يهديها وأن يتوبَ عليها.
أنت على يقينٍ أن الفتاة لا تصلُح زوجةً لك، فلمَ التفكير فيها مرةً ثانية؟! فهذا الأمرُ وحده كفيلٌ بأن يُشْعِرَك باليأس منها، والبُعد عنها، فالنفسُ متى يَئِسَتْ مِن شيءٍ استراحتْ، ولم تُطالبْ صاحبها بالمزيد.
أما العلاجُ الناجع لمشكلتك، فليس باستبدال فتاة بأخرى، والعودة لطريق الحرام، فهذا عينُ الداء، ولم يكن في يوم من الأيام دواءً للمرَض، واللهُ تعالى ما جعل في شيءٍ حرَّمه شفاءً لأحدٍ، كما صَحَّ عن الصحابي الجليلِ عبدالله بن مسعود.
أمَّا العلاجُ الحقيقيُّ فالذي ورَد في السُّنَّة المُشَرَّفة، وهو الزاوجُ الشرعيُّ مِن فتاةٍ صاحبة خُلُق ودينٍ وصلاح، تحفَظ بها دينَك، ويجعلها اللهُ سببًا مباحًا لنسيان الفتاة، وتحصن بها فَرْجَك من الوُقُوع في تلك العادة؛ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يا مَعْشَرَ الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فلْيَتَزَوَّج، فإنه أغضُّ للبَصر، وأحصنُ للفَرْج، ومَن لَم يستطعْ فعليه بالصَّوم، فإنه له وِجاء»؛ متَّفق عليه.
وإلى أن تُوَفَّق لتلك الفتاة فأكثِرْ مِن الصوم؛ فإن دوامَ الصوم قاطعٌ للشَّهوة، وقاطعٌ لشرِّ المنيِّ، كما يفعله الوِجاء الذي هو رَضُّ الخِصيتين.
وجاهِدْ نفسك، واقهرْ هواك وشَهوتك لله وفي الله، فمُجاهَدةُ النفس مِن أعظم فرائض الشرع المأمور بها، وكذلك قَهر الهوى والشهوة وجهادها أصلُ كل جهاد؛ قال صلى الله عليه وسلم: «وإنه مَن يَستعففْ يعفُّه الله، ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْه الله، ومَن يَستَغنِ يُغنه الله، ولن تُعطوا عطاءً خيرًا وأوسع مِن الصبر»؛ رواه البخاري ومسلم.
فمَن تكلَّفَ العفَّة - وهي: الكفُّ عن الحرام - يَرْزقه الله العفاف، ومن تكلَّف الصبرَ يرزقه الله الصبر.
كما عليك أن تَصدقَ اللجوء إلى الله تعالى، وتدعوه أن يكشفَ عنك السوء، وأن يتوبَ عليك، واسأله بإلحاح أن يُعينك على نِسيانها.
وقد بَيَّن شيخُ الإسلام أحمد ابن تيميَّة دواءً شافيًا لمن أصابه سهمٌ من سهام إبليس المسمومة كالتي أصابتْك فقال: "مَنْ أصابَه جرحٌ مسموم فعليه بِما يُخرج السُّمَّ ويُبْرِئُ الجرح بالتِّرياق والمرهم، وذلك بأمور؛ منها: أن يتزوَّج أو يتسرَّى؛ فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نَظَر أحدُكم إلى مَحاسِنِ امرأةٍ فليأْتِ أهله؛ فإنَّما معها مِثْل ما معها»، وهذا مِمَّا ينقص الشهوة ويُضْعِفُ العِشق.
الثاني: أن يُداومَ على الصلوات الخمس والدُّعاء والتضرُّع وقت السَّحَرِ، وتكون صلاتُه بحضور قلبٍ وخُشوع، ولْيُكْثِرْ من الدُّعاء بقوله: يا مُقَلِّبَ القلوب، ثبِّتْ قلبي على دينك، يا مُصَرِّفَ القُلوب، صرِّفْ قلبي إلى طاعتك وطاعةِ رَسُولِك؛ فإنَّه متَى أدْمَنَ الدُّعاء والتضرُّع لِلَّه صرف قلبه عن ذلك، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24].
الثالث: أن يبعدَ عن مسكن هذا الشَّخْصِ والاجتماع بِمن يَجتمع به؛ بِحيثُ لا يَسمع له خبرًا، ولا يقع له على عينٍ ولا أثر؛ فإنَّ البُعد جَفَاء، ومتَى قلَّ الذِّكْرُ ضعُفَ الأثَر في القلب، فَلْيَفْعَل هذه الأمورَ، وليُطالع بِما تجدَّد له مِن الأحوال"؛ مجموع الفتاوى (32/5-6).
وقال رحمه الله تعالى في قاعدة في المحبة (ص: 77-78) "وأمَّا الإصرار على العِشْقِ ولَوازِمِه من النَّظَرِ ونَحْوِه، فقد يكون أعظمَ من الزِّنا الواحد بشَيْءٍ كثير، والمخلصون يَصْرِفُ الله عنهم السُّوءَ والفَحشاءَ، ويوسفُ عليه السلام كان من المخلَصين؛ حيثُ كان يعبد الله لا يُشْرِكُ به شيئًا، وحيث توكَّل على الله واستعانَ به، كما قال تعالى: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: 33، 34].
وهذا تحقيقُ قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 98 - 100]، المتولون للشيطان هُم الذين يحبون ما يُحبُّه، فأخبر سبحانَه أنَّ المتوكِّلين على الله ليس للشَّيْطانِ عليهم سلطان، وإنَّما سلطانُه على المتولِّين له، والمتولِّي مِن الولاية، وأصلُه المَحبَّة والمُوافَقَة، كما أنَّ العداوَةَ أصْلُها البُغْضُ والمخالفةُ، فالمتولُّون له هم الذين يُحِبُّونَ ما يُحِبُّه الشيطان ويُوافقه، فهم مشركون بِهِ حيثُ أطاعوه وعبدوه بامتثالِ أمْرِه". اهـ.
أما كونُك لا تستطيع نسيانها حتى الآن فالسببُ ظاهرٌ، وهو كونُك لم تَنْزعها من قلبك، وتُشعر نفسك اليأس، وقد أشار ابن الجوزي في كتابه المدهِش (ص: 161) إلى هذا فقال: "يا هذا، دبِّر دينك كما دبَّرت دنياك، لو علق بثوبك مسمارٌ رجعتَ إلى وراء لتخلِّصه، هذا مسمار الأضرار قد تشبَّث بقلبك، فلو عدت إلى الندم خطوتين تخلَّصتَ"!
ومن أجمل ما قال شيخ الإسلام في سبب الرجوع للذنب: "إن العبد إنما يعود إلى الذنب لبقايا في نفسه، فمَن خرَّج من قلبه الشبهة والشهوة لم يعدْ إلى الذنب، فهذه التوبةُ النَّصوحُ، وهي واجبة بما أمر الله تعالى؛ ولو تاب العبد ثم عاد إلى الذنب قَبِل الله توبته الأولى، ثم إذا عاد استحق العقوبة، فإن تاب تاب الله عليه أيضًا، ولا يجوز للمسلم إذا تاب ثم عاد أن يصرَّ؛ بل يتوب ولو عاد في اليوم مائة مرة"؛ "مجموع الفتاوى" (16/ 58).
فإذا غلبك تذكُّر الفتاة فاجعلْه منطلقًا لتجديد التوبة النصوح بالاستغفار والأعمال الصالحة، مع قطع كل ما يذكرك بها، وابحثْ عن رفقة صالحة، واشغلْ نفسك بالطاعات والمباحات؛ فالنفسُ إن لم تشغلْها بالحقِّ شغلتْك بالباطل.
وأكْثِرْ مِن الدُّعاء النبويِّ: «اللهم إني أعوذ بك مِن شرِّ سَمعي، ومِن شرِّ بصري، ومن شرِّ لساني، ومن شرِّ قلبي، ومِن شر مَنِيِّي».
وفقك الله لكلِّ خيرٍ.
- التصنيف:
- المصدر:
ريمه عبد الله
منذ