ذكريات مؤلمة لا تفارقني من الطفولة
شاب لا تفارقه منذ صغره مشاهد رؤية أمه وهي تقع في الزنا، وما زال يتذكَّر ذلك حتى كبر، وعندما شعرت الأم أنه عرَف شيئًا عنها، كرهتْه وبدأتْ تدعو عليه ليلاً ونهارًا، ويسأل: ماذا أفعل؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عندما كنتُ صبيًّا وَقَعَتْ عيني على مناظرَ لا تكادُ تفارقني، فقد شاهدتُ أمي وهي تقع في الزنا في غياب أبي مع أشخاص أجانب!
شعرتْ أمي أني عرفتُ شيئًا من ذلك، لذا كانتْ تُكِنُّ لي كرهًا شديدًا، وتدعو عليَّ ليلاً ونهارًا، وبالرغم من ذلك أُحاول برها والتقرب إليها، لكنها سُرعانَ ما تنقلب ضدي، وأنا لا أريد أن أكون عاقًّا.
وهنا السؤال: هل يُؤذيني دُعاؤُها عليَّ؟ وهل لها علي مِن طاعة؟
لم أرها فَعَلَتْ خيرًا في حياتها فهي دائمة الخُصومة مع الأهل والجيران والقريب والبعيد!
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فكان الله لك - أيها الأخ الكريم - وأعانك على ما تذكرُه عن والدتك، وحاول أن تُجاهد نفسك بقوَّة لتتمكَّن من تخطِّي تلك الذِّكريات المُؤلِمة، وستجد الأمر شاقًّا في أوله، إلاَّ أنَّه يسهلُ بالتدريب، ورياضة النَّفس.
المهمُّ أن تقطع تلك الذِّكريات المؤلِمة عند هجومها عليك بالاشتغال بغيرها، إلى أن تضعُف ويتلاشى أثرُها بالكلِّيَّة - إن شاء الله تعالى.
أما دعاءُ والدتك عليك: فهي من يقعُ عليها الإثمُ في ذلك؛ لمُخالفتها نهيَ رسُول الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا تدعوا على أنفُسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تَدعوا على أموالكم، لا تُوافقوا من الله ساعةً يُسألُ فيها عطاءً فيستجيبُ لكُم»؛ رواه مسلم.
والحديث الشريف لا يدلُّ على أنَّ كلَّ دُعاءٍ للوالدين يُجاب، وإنَّما فيه النَّهيُ عن الدُّعاء على الأبناء في الغضب؛ مُعلِّلاً ذلك بأنَّ الدُّعاء ربما يُستجاب، يبيِّن هذا قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [يونس: 11]؛ والمعنى هو ما قاله مجاهد: " {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ}: قولُ الإنسان لولدِه وماله إذا غضب: اللهمَّ لا تُبارك فيه والْعَنه، {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}: لأهلك من دُعي عليه، ولأماته"؛ كما علَّقه البخاريُّ في صحيحه، وهذا من عظيم رحمة الله تعالى.
فما دمت لم تعُقَّ والدتك، وتبرُّها في حدود الشَّرع، فدعاؤها عليك تعدٍّ منها لحُدود الله تعالى في الدُّعاء؛ وهو من العُدوان أيضًا، وقد قال الصَّادقُ المصدوق صلى الله عليه وسلم: «لا يزالُ يُستجابُ للعبد ما لم يدعُ بإثمٍ، أو قطيعة رَحِم، ما لم يستعجل»؛ رواه مسلم عن أبي هريرة.
وروى أحمد عن أبي سعيدٍ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مُسلمٍ يدعُو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رَحمٍ، إلاَّ أعطاه الله بها إحدى ثلاثٍ: إمَّا أن يُعجِّل له دعوتَه، وإمَّا أن يدَّخرها له في الآخرة، وإمَّا أن يكُفَّ عنه من السُّوء مثلها»، قالُوا: إذًا نُكثرُ، قال: «الله عزَّ وجلَّ أكثرُ».
أمَّا طاعةُ والدتك: فمِن أوجب الواجبات بعد الإيمان بالله، إلاَّ أنَّها ليست مُطْلقةً، وإنَّما هي في المعروف فقط، وفيما لا ضرر ولا مشقَّة فيه؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّما الطَّاعةُ في المعروف»؛ متفق عليه، وفي رواية مسلم: «لا طاعة في معصية الله، إنَّما الطَّاعةُ في المعروف».
هذا، والواجبُ عليك أن تنصح والدتك برِفقٍ ولينٍ وتقرَّب إليها حتى تقبل منك النُّصح، وأظهِر لها شفقتَك عليها ورحمتك لها، وذكِّرها بالتوبة النَّصوح وأنَّ الله يَقبلها من جميع الخَلق حتى الكافر ما لم يغرغِر وتصل روحُه إلى الحلقوم، ويمكنك الاستعانة باستشاراتٍ من شبكتنا تتحدَّث عن التوبة.
وفَّقك اللهُ لكلِّ خير.
- التصنيف:
- المصدر: