تدخل أهل الزوج في حياة الزوجين

منذ 2018-04-05

رجل متزوِّج يشكو من أهل زوجته وتدخُّلهم السافر في حياته، حتى إنهم يُشَجِّعون المرأة على الطلاق، ويذلونه بأولاده ويُريدونه أن يدفع مبلغًا ماليًّا لهم مقابل السماح له برؤية الأولاد.

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا رجلٌ متزوِّج، وأمُّ زوجتي تتدخَّل في حياتي بصورةٍ كبيرة جدًّا، مما يتسبَّب في حُدُوث مشكلة بيني وبين زوجتي!

زوجتي تريد أن تكونَ مثل أمها؛ حيث لها الكلمةُ العليا في بيتها، وتريد أن تتحكَّم في حياتنا كما تحكمت أمها في حياتها، حتى وصل الحال إلى أنها تمنع زوجتي من الخروج!

حدثت مشكلات عدة بسبب تعنُّتِ حماتي وتدخُّلها في حياتنا، حتى إنَّ زوجتي أرادتْ أن تخرجَ لحُضُور عرس، وعندما رفضتُ أصرتْ على الخروج لأن أمها أمرتْها بالخروج، وامتدت المشكلة حتى أخذتْ أولادي معها إلى بيت أهلها، وبعد أيام طلبتُ رؤية أولادي فرفضوا وهدَّدوني بالسجن، وبعد أشهر قابلتُ أمها فطلبتْ مني مبلغاً كبيراً لكي أرى أبنائي!

علِمتُ أنَّ زوجتي تُحبني وتريد العودة، لكن أهلَها يَشْتَرِطُون المال أو الطلاق، ولا أستطيع فِعْل شيءٍ، وكل ما يُريدونه إذلالي!

هم الآن يُريدون الطلاق أو دفْع مبلغ كبير من المال للعودة، فهل يحق لهم ذلك؟

وهل يحق لهم عند الطلاق القائمة والنفقة والمؤخر والمتعة؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فكان اللهُ لك أيها الأخ الكريم، وجَمَع بينك وبين أبنائك، وأصلح لك زوجَك.

مِن العلم الضروريِّ الذي يعْلَمُه الجميعُ أنه ليس للزوجة أن تخرجَ مِن بيت زوجها دون إذنه، وليس لأهلِها أن يعينوها أو يُحَرِّضوها على عِصيان زوجها، والتمرُّد عليه، والخروج من بيته وعدم عودتها إليه؛ مما يجعلها ناشزًا لا حقوق لها عليه ولا نفقة، وأخْذُ أبنائك وحرمانك منهم ظُلْمٌ آخر، واشتراطُهم دفْع مبلغ من المال لرؤية الأبناء ظُلم فوق ظُلم، ولا حقَّ لهم في شيءٍ مِن ذلك كله.

غير أنه يجب عليك أيها الأخ الكريم أن تتذكَّر أنَّ كل ما يحصُل معك يَتَطَلَّب منك صبرًا عظيمًا، واستعانةً بالله تعالى لتحقيقِ ذلك؛ فالله تعالى لما جعَل قوامة الأسرة في يد الرجل وَهَبَهُ القدرةَ والإمكانات التي تُعينه على القيام بتلك المهمة؛ مِن الصبر، والرَّوِيَّة، والحِفاظ على البيت، واستقرار الحياة الزوجية واستمرارها، وعدم التسرُّع في شأن الطلاق، فلا تجعلْ حساسيتك الشديدة والحفاظ على كرامتك عائقًا لك مِن تحقيق ذلك.

وليس المعنى أنني أقول لك: تنازَلْ عنْ كرامتك، أو سلِّمْ زمام بيتك لحماةٍ مُتسلِّطة تفعل فِعْل السحَرة الأشرار ومرَدة الشياطين في إفساد البيت وتخبيب الزوجة عليك، ولكن اصبرْ، وتنازَلْ قليلاً حتى تمرَّ رياحُهم العاتية، فأنت في حاجةٍ لمعرفة فقه سياسة التأزُّم والتي تتلخَّص في فِعْل الممكن؛ بمعنى أنك لا تسمَح بانْسِداد الأفُق، فكلما تأزَّمت الأمورُ وانسدَّ الأفق رجعتَ خطوتين للخلْف.. وهكذا، وليس هذا تنازُلاً بل تقديرٌ للمسؤولية، والرجل الحقُّ هو مَن يصفح ويصبر ويتنازل عن بعض حقوقه، ويؤدِّي واجباته حتى تنكسرَ الأزمة، ثم تبدأ بعدها في تربية زوجتك مِن جديدٍ على الفقه الصحيح للأسرة المسلمة.

ولا تنسَ أن زوجتَك قد نشأتْ في بيتٍ اعتادتْ أن ترى فيه القوامةَ لأمها، وأن الرجلَ ليس له الاعتراض، وتغيُّر القناعات يتطلَّبُ وقتًا ومجهودًا؛ فالنفسُ البشرية لها كبرياؤُها وعنادُها، وهي لا تنْزل عن الرأي الذي تدافع عنه إلا بالرِّفق، حتى لا تشعرَ بالهزيمة.

وفي البداية وَسِّطْ بعض العقلاء من أهل الخير، ليستمعَ منها ومِن أسرتها؛ فلربما عندهم وِجهةُ نظر تستحق أن تُسْمَعَ، ولْيَبْحَثُوا عن الأسباب التي جعلتْهم يُصِرُّون على منْعِها من العودة إليك، ولْيُعالجوها بموضوعيةٍ وحكمةٍ، ويقربوا المسافات بينكما، فإن تَمَّ الصُّلح فكنْ حريصًا في المستقبل على تقويم زوجتك بالمعروف، والارتقاء بها دينيًّا وخلُقيًّا، وعرِّفْها ما يجب عليها من واجبات شرعية للزوج.

وتذكَّرْ أخي الكريم أن العفوَ عن المسيء سبيلٌ لنيل عفوِ الله ومغفرته، وهو يزيد المسلم عزًّا وكرامةً، كما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نقصتْ صدقةٌ مِنْ مالٍ، وما زاد الله عبدًا بعفْوٍ إلا عِزًّا، وما تواضَعَ أحدٌ لله إلا رَفَعَهُ الله»؛ رواه مسلم عن أبي هريرة.

واستَمِرّ في إرسال الوسطاء الصالحين ممن لهم عقولٌ راجحةٌ ووجاهة عند أهل زوجتك؛ لِيُبَيِّنوا لهم أن ما يقومون به يُعَدُّ مِنْ قبيل إفساد المرأة على زوجها؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ليس منَّا مَن خَبَّب امرأةً على زوجها أو عبدًا على سيده»؛ رواه أحمد وأبو داود.

والمأمولُ من أهل الزوجة أن يُعينوها على طاعة زوجها، لا أن يُفسدوها ويَمنعوها مِن الرجوع إلى بيتها، فماذا سيجنون من ذلك إلا هدْمَ بيت ابنتهم؟! وهل يَسُرهم أن يرَوْها مطلَّقةً وتنعدم فُرَص زواجها مرة ثانية، اللهم إلَّا مِن رجل في آخر العمر، أو تكون زوجة ثانية، إلى غير ذلك من حالات مشابهةٍ طلقت؟!

وأول مَن يُجنى عليه هي الزوجة، والواقع يعجُّ بها، وينبغي عليك أن تذكِّرَ زوجتك أن تتأمَّلَ في تلك المآلاتِ وهذه خصيصةُ العقل، فالعاقلُ ينظر في العواقب، والغافلُ لا يرى إلا الحاضر، فالأمورُ ستهدأ يومًا وكذلك أهلها، فهل يسرها أن تخرجَ منتصرة هي وأهلها والثمن هو طولُ الندم والجناية على النفس والأبناء، فكلٌّ خاسر في معركةِ العند الزوجية، فلتتأملْ هذا فهو أنفعُ لها لتتركَ بيت أهلها لبيت الزوجية دون شُروط.

فإن أعْيَتْك لا قدر الله السبُل في الوُصول إلى حلٍّ لإرجاع زوجتك، وقد سلكتَ كل سبيل ممكنة إلى ذلك، فاتركْهم لشأنهم؛ فالإهمالُ علاجٌ لبعض النفوس المريضة، وإن أصَرَّتْ على الطلاق مع تَمَسُّكك بها فهو خلع، وليس لها أية حُقوق شرعية.

وأسأل الله تعالى أن يُيَسِّرَ أمرك، وأن يُوفِّقك إلى ما يحب ويرضى، وأن يَهْدِي زوجك.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 7
  • 0
  • 39,818

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً