التشتت الفكري.. والضيق يقتلاني

منذ 2019-08-26

اجلسي جلسة هادئة في مكان هادئ واحضري قلماً ومجموعة كبيرة من الأوراق ثم اسألي نفسك سؤالاً مكتوباً.. وهو: ماذا أعاني؟ ثم أجيبي على هذا السؤال كتابة أيضاً بكل ما تعانين منه بحسب أولوياتها لديك

السؤال:

مشكلتي الكبرى أنني أعاني من ضيق في الصدر ووجع في الجسم وتشويش في الأفكار كلما دخلت بيتي مع أني لا أختلف مع زوجي.

الإجابة:


أولاً:- جاء سؤالك مختصراً وموجزاً، حد الإخلال.. والتفصيل هنا مهم..!! فلم تذكري شيئاً عن حياتك الأسرية وأبناءك.. وهل تعيشون في منزل مستقل أم هو مشترك مع أسرة زوجك.. وهل أنت موظفة أم ربة منزل.. وما هو عمل زوجك وطبيعة علاقتكما معاً..؟! وغير ذلك من التفاصيل الهامة جداً لتشخيص الداء ووصف الدواء..!!

ثانياً: ربما كان ضيق الصدر ووجع الجسم سببا لتشوش الأفكار الذي تعانين منه. وربما كان نتيجة.. ولذلك فإن الخطوة الأهم هي معرفة أيهما السبب وأيهما النتيجة؟! وهذا ما يحدده إجراءك كشفاً طبيا لدى إحدى الجهات المختصة لمعرفة ما إذا كانت هذه الأوجاع وهذا الضيق " عضوي " أم " نفسي "!!!

ثالثاً: لتعلمي - أختي الكريمة - أن المشكلة - غالباً - ليست فيما يعترينا من صعوبات أو عقبات أو مشكلات عارضة.. فهذه سنة الحياة ونحن لن نخرج بحال عن طبيعتنا البشرية ونقصنا الإنساني..!! ولكن المشكلة - كل المشكلة - هي ما نسقطه على هذه الأمور من تفسيرات أو إسقاطات.. ومن ثم يزداد قلقنا واضطرابنا.. وقد نحمل الأمور أكثر مما تحتمل.. وبالتالي تتفاقم لدينا المشكلة ويزداد الضيق.. ويتضخم الهم ككرة الثلج المنحدرة..!! فنتقلب في فرشنا ونصطلي بلهيب الهواجس والمخاوف والأوهام.. ونعيش في دوامة قد لا نخرج منها إلا بصعوبة!!! وكل ذلك بسبب ما أسقطناه على مشكلاتنا من تفسيرات وتوقعات وهمية هي أبعد ما تكون عن الواقع.

رابعاً: يجب - تبعاً لذلك - ألا نعطي المسائل أكثر مما تستحق وأن نضعها في حجمها الحقيقي ونتعامل معها بشكل إيجابي مبني على التشخيص إما بشكل خاص.. أو باستشارة أهل الاختصاص.. ومن ثم البدء في علاج هذه المشكلة.. أو على الأقل التقليل من أعراضها ... أو التعايش معها كقدر مكتوب نؤجر عليه بقدر صبرنا واحتسابنا. وننظر إليه على أنه جزء من " معادلة الحياة " البشرية المليئة بالإيجابيات وفي نفس الوقت " بعض السلبيات..!! وهذا لا يعني توقف الحياة.. عند هذا الحد.. أو توقفنا عند حدود ندب حظوظنا ولطم خدودنا..!! فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير.. ومن معاني القوة الصبر والاحتساب ومجاهدة النفس والهوى.. والتفاعل الإيجابي مع التفاصيل اليومية لحياتنا.!.

خامساً: هناك طريقة " علمية " وعملية في نفس الوقت للتعامل مع مثل هذا " الضيق النفسي " و" ضبابية الرؤية " وتشويش الأفكار " وهي طريقة: ماذا..؟ ولماذا؟! وكيف؟!! وملخص هذه الفكرة ما يلي:
 

اولا: اجلسي جلسة هادئة في مكان هادئ واحضري قلماً ومجموعة كبيرة من الأوراق ثم اسألي نفسك سؤالاً مكتوباً.. وهو: ماذا أعاني؟
ثم أجيبي على هذا السؤال كتابة أيضاً بكل ما تعانين منه بحسب أولوياتها لديك فعلى سبيل المثال (أولاً - مشكلتي مع زوجي.. ثانياً: مشكلتي مع قريبتي فلانة ثالثاً.. وهكذا) واكتبي كل شيء تعانين منه مهما كان صغيراً ومهما كان الوقت الذي سينقضي وأنت على هذه الحال.


وبعد ذلك.. اسألي السؤال الثاني: لماذا أعاني؟! ثم ابدئي بهذه الأمور التي كتبتِها واحدة واحدة مثال: لماذا أعاني من مشكلة مع زوجي.. وما كنه المشكلة؟ وابدئي بالكتابة بالتفاصيل المملة..!! ولا تتركي شيئاً إلا واكتبيه في هذه النقطة.. ثم انتقلي إلى النقطة التي تليها (مشكلة قريبتي فلانة) وهكذا.. حتى تستكملي كل النقاط.
وبعد ذلك.. أعيدي قراءة كل ما كتبتِه.. واستعملي بعض الأقلام الملونة للتوضيح.. ستكتشفين أن كثيراً من النقاط هي من البساطة واليسر بحيث أنها لا تستحق ذلك الحيز الذي شغلته وهذا الاهتمام الذي أعطيتِه إياها..!! وبمجرد أن تم تفكيكها ووضعها على الورق اتضح مدى بساطتها بل " و " تفاهتها!! " ولكن وجودها مع غيرها كتلة واحدة في " عالمك الداخلي " أعطاها هذا الحجم المبالغ فيه..!! أما وقد تم تجريدها عن غيرها فإنها أقل من أن يلتفت لها..!!! وستستفيدين أيضاً فائدة مهمة جداً.. وهي أن ما قمت به من كتابة وتفصيل هو نوع من " التنفيس الانفعالي " المهم جداً.. والضروري جداً لتفريغ هذه الشحنات الوجدانية السالبة..!! وهذا مكسب كبير ورائع.

وأخيراً: اسألي السؤال الثالث: كيف أتعامل مع هذه المشكلة..؟ وعودي إلى النقطة الأولى (مشكلة الزوج مثلاً) وضعي الكثير من الحلول المقترحة.. إما مثلاً جلسة مصارحة وعتاب. أو كتابة رسالة رقيقة له.. أو توسيط أحد الثقاة.. أو غير ذلك.. ثم انتقلي إلى النقطة الثانية.. ثم الثالثة.. والرابعة.. وهكذا.

وبعد ذلك ضعي التوصيات النهائية لهذا الاجتماع " الثمين جداً " مع نفسك.. وجدولاً " موضوعياً " للتنفيذ.. واستعيني بالله وتوكلي عليه وابدئي أول خطواتك..! صدقيني.. ستكتشفين أن هذا الاجتماع مهما كان وقته طويلاً وربما متعباً.. إلا أنه " أثمن اجتماع في حياتك.. وسيكون له ما بعده بعون الله.

سادساً: وهناك طريقة أخرى.. وهي ما يسمى بـ " دوائر الحياة " وفائدتها أن نحدد من خلالها مكمن المشكلة.. بدل أن يظل الألم عام والرؤية مشوشة.. مثلما يحدد طبيب الأسنان أيهما المشكل.. ثم يبدأ بعلاجه.. فتنتهي مشكلات كثيرة متداخلة ومؤرقة..!!
وتتلخص فكرة " دوائر الحياة " بوضع دائرة الذات في الوسط ونعني بها دائرتك أنت.. ثم نخرج منها بخطوط متوازية دوائر أخرى مثل " دائرة الأبناء ... الأصدقاء.. الزوج.. الأسرة.. المعارف.. المادة ... الوظيفة ... الخ ".

ثم نبدأ بفحص هذه الدوائر شيئاً فشيئاً وواحدة فواحدة.. أيهما مصدر القلق.. وعندما نكتشف أن مصدر القلق أو الوجع هذه الدائرة أو تلك.. نبدأ بإخراج دوائر تفصيلية أخرى منها.. مثال: لو كانت دائرة العمل أو الوظيفة هي الدائرة المزعجة لدينا فإننا نقسمهما إلى دوائر " دائرة المدير العام، زملاء العمل.. مكان العمل....الخ فإذا حددنا أي هذه الدوائر الفرعية.. قسمناها أيضاً إلى دوائر أخرى أصغر.. فلو كانت الدائرة المزعجة هي دائرة زملاء العمل.. كانت دوائرها الفرعية هي " فلانة ... فلانة ... أو فلانة.. والخ.

ثم استخرجي من تلك الدوائر الفرعية..دوائر أخرى فمثلاً " فلانة ... المزعجة تكون دوائرها الفرعية.. طريقة تعاملها.. كلماتها.. تجاهلها لك.. تعاليها.. الخ وبعد ذلك.. ستكونين وضعتِ المشكلة في حجمها المناسب بدل أن كانت مشكلة عامة ومؤرقة.. أصبحت مشكلة تدور في دائرة العمل.. وليس العمل كله.. بل في دائرة زميلات العمل.. وليست كلهن.. بل دائرة " فلانة " وبشكل أدق في دائرة هذا التصرف منها أو ذاك..!!! أما بقية الدوائر فهي سليمة أو على الأقل ليست مزعجة!!!

وأخيراً: " أصلحي ما يمكنك إصلاحه " من هذه الدوائر.. واستمتعي بالأشياء الإيجابية في حياتك وتذكري " أن أعقل الناس أعذرهم للناس ".

سابعاً: وقبل هذا وبعده. أذكرك بحديث المصطفى صلوات الله وسلامه عليه الذي قال فيه «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب»
فالله الله بكثرة الاستغفار وقراءة الأوراد اليومية (أذكار الصباح والمساء) وقراءة القرآن وذكر الله {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} والمحافظة على الصلوات والرواتب.. والالتجاء إلى الله بالدعاء فهذا هو الحصن الحصين للمسلم.. وهو منبع الطمأنينة والاستقرار.

ثامناً: كوني متفائلة.. واستقبلي يومك بذكر الله والاستعانة به والتوكل عليه.. والابتسامة الصادقة.. وبادري بالسلام وكوني إيجابية مع نفسك وأسرتك وصديقاتك ومبادرة بالخير لهم.. وضعي لك رسالة في هذه الحياة مفادها: إيصال الخير للجميع بكل ما تستطيعين.. وثقي أن الله سيعينك ويوفقك.
جعلنا الله جميعاً هداة مهتدين.. ووفقنا للخير وجعلنا من مفاتيحه.. ووقانا من الشر وجعلنا من مغاليقه.. إنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه.

  • 5
  • 1
  • 3,491

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً