الوساوس مدخل الشيطان للطائعين
شابة كانت مقيمة على الصلاة ثم تركتها نهائيًّا، وأصابتها الوساوس بالشك في الدين؛ نظرًا للفراغ الديني والنفسي التي أصبحت فيه، وهي تريد أن تعود لسابق عهدها من الطاعة، وتقطع هذه الوساوس، وتسأل: ما الحل؟
في الماضي كنت أصلي كل الصلوات، لكني مع مرور الوقت أصبحت أتكاسل كثيرًا عن الصلاة وأُهمِلُها، إلى أن تركتُها نهائيًّا، وأنا الآن أشعر بفراغ دينيٍّ ونفسيٍّ كبير؛ فقد ابتعدت عن كل شيء يخص الدين، وأُصبت بوسواس في الدين؛ إذ تأتيني أفكارٌ بأنه ربما يكون النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد اخترع هذا الدين وصدَّقه الناس، وأيضًا إذا ما قرأت بعض الأحاديث التي تخص النساء، فإني أشعر فيها بالظلم والانتقاص من مكانة المرأة، وأقول في نفسي: لمَ يقول النبي صلى الله عليه وسلم كلامًا كهذا، وهو يعلم أنه يسيء للنساء، ويجعل الرجال يعتبرونهن مجرد خادمات لشهواتهم؟
وقد قادتني هذه الأفكار إلى التفكير في الإلحاد - عياذًا بالله - وهذا ما يخيفني جدًّا، وكذلك عندما أسمع بعض آي القرآن، يراودني شك وتكذيب فيها، وكلما حاولت الاقتراب من الله عز وجل، والعودة للصلاة، فإني أتكاسل وأهتم بالدنيا وأمورها، أريد أن أعود لسابق عهدي مع الله ومع ديني، ولا أريد التفكير في هذه الأمور، وقد حاولت أن أشغل نفسي بأي شيء عن هذه الوساوس والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، لكن بلا جدوى، فهي عالقة في رأسي، مع العلم أيضًا أن حياتي تسير بمنحًى طبيعي، ليس هناك ضغط من أهلي عليَّ في شيء، أرجو نصيحتكم، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
اعلمي أختنا الكريمة أن الشيطان لَمَّا رآكِ على الطاعة التي كنتِ عليها، أراد إغواءَكِ وصَرْفَكِ عن هذا الطريق المستقيم؛ لأنه أقسم لله تعالى فقال: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82، 83]، فإذا كان الشيطان دخل عليكِ من هذا المدخل، فعليكِ أختنا الكريمة:
أولًا: أن تقطعي هذه الوساوس إذا جاءتكِ، ولا تسترسلي فيها.
ثانيًا: عليكِ بالاستعاذة من هذه الوساوس ومن الشيطان.
ثالثًا: عليكِ بالإكثار من قراءة القرآن وذكر الله تعالى.
واعلمي أنكِ إذا كرِهتِ هذه الوساوس وقطعتِها، واستعذتِ بالله منها، فذلك صريح الإيمان؛ كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فكل ما وقع في قلب المؤمن من خواطر الكفر والنفاق، فكرِهه وألقاه، ازداد إيمانًا ويقينًا، كما أن كل مَن حدَّثَتْهُ نفسه بذنب، فكرهه ونفاه عن نفسه وتركه لله، ازداد صلاحًا وبرًّا وتقوى"[1].
وقال شيخ الإسلام أيضًا: "ومن الوساوس ما يكون من خواطر الكفر والنفاق، فيتألم لها قلب المؤمن تألمًا شديدًا؛ ((كما قال الصحابة: يا رسول الله، إن أحدَنا لَيَجِدُ في نفسه ما لأن يَخِرَّ من السماء أحبُّ إليه من أن يتكلم به؟ فقال: «أوجدتموه»؟ قالوا: نعم، قال: «ذلك صريح الإيمان»، وفي لفظ: ((إن أحدنا ليجد في نفسه ما يتعاظم أن يتكلم به؟ فقال: «الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة»، قال كثير من العلماء: فكراهة ذلك وبُغضه وفرار القلب منه هو صريح الإيمان، والحمد لله الذي كان غاية كيد الشيطان الوسوسة؛ فإن شيطان الجن إذا غُلِبَ وسوس، وشيطان الإنس إذا غُلِبَ كذب، والوسواس يَعْرِضُ لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره، لا بد له من ذلك، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر، فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان؛ {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76]، وكلما أراد العبد توجُّهًا إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوسواس أمور أخرى؛ فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد يسير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه"[2].
فنسأل الله تعالى لنا جميعًا السلامة والتوفيق.
[1] مجموع الفتاوى (10/ 767).
[2] مجموع الفتاوى (22/ 608).
- التصنيف:
- المصدر: