التوبة من الاختلاس والعودة إليه
رجل مقيم على معصية اختلاس الأموال في الأماكن التي يعمل بها، رغم أنه طُرد من عمله مرتين بسبب ذلك، وكلما تاب عاد، ويسأل: كيف يتوب توبة نصوحًا؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
ألْمَمتُ بذنب أنا نادم عليه، لكني لم أستطع تركه، وقد غلبتني نفسي وشيطاني؛ فأنا أعمل في وظيفة الكاشير، وأقوم باختلاس الأموال، وحدثت لي بسبب ذلك مشكلة في عملي تركتُه على إثرها، وتبتُ إلى الله بالصلاة والصوم، وقد وفَّقني الله لعمل آخر، ورغم محافظتي على الصلاة والصوم، فإنني عدتُ سيرتي الأولى من الاختلاس والسرقة، وطُردت أيضًا من هذا العمل؛ حيث اكتشفوا أمري، أريد أن أتطهَّر من هذا الذنب، وأن يتوبَ الله عليَّ، ويهبني القدرة على عدم العودة للذنب مرة أخرى، أريد ألَّا أُدخلَ أموالًا من الحرام في بيتي، وأن أكون الأب المثالي لأولادي، وأن أكون إنسانًا محترمًا قنوعًا بما في يدي، أريد توبة نصوحًا حقًّا.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
فأولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: الله يقبل توبة كل تائب، بشرط أن تكون توبة صادقة نصوحًا بندمٍ وعزمٍ على عدم العود، وردِّ المظالم، والإكثار من الأعمال الصالحات؛ قال تعالى: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان: 70].
ثالثًا: للتوبة آفاتٌ تُفسدها؛ منها: التوبة دون ردِّ المظالم، فكان واجبًا عليك رد الأموال التي أخذتها من أماكن عملك، واستسماح أصحابها، فالتوبة مع الإقامة على الذنب نوعٌ من الاستهزاء لا يُتصوَّر من عاقل.
لما سُئل عمر رضي الله عنه عن التوبة النصوح، قال: "التوبة النصوح أن يتوب العبد من العمل السيئ، ثم لا يعود إليه أبدًا"؛ [مصنف ابن أبي شيبة (33823)].
أيها الأخ الفاضل، من آفات التوبة التسويف والتأجيل، فلا تقلْ: "نفسي أكون"، بل تسعى لتكون، غيِّر صحبتك، وصاحب الصالحين المؤمنين الساجدين العالمين العاملين الذين يذكرونك إذا نسيت، وينبهونك إذا غفلت، ويعلمونك إذا جهلت.
رابعًا: أيها الأخ الفاضل، التوبة لها عوامل للثبات عليها؛ منها: أن تشغل نفسك بالطاعات، فاجعَل لنفسك وِرْدًا ثابتًا من كتاب الله، حفظًا وتلاوة وتفسيرًا، وتعلَّم ما ينفعك في دينك ودنياك، اشغل نفسك، فالنفس إن لم تشغلها بالحق، شغلتك بالباطل ولا بد.
أيها الأخ الفاضل، من تمام التوبة محاسبةُ النفس وردُّها عن غَيِّها، والوقوف لها بالمرصاد، وتذكيرها بالعقاب والثواب.
والنصيحة لك أيها الحبيب: بادر بردِّ المظالم وطلب السماح من أصحابها ولا تَخَفْ، وعليك أن تُقدِّر هذه المبالغ التي أخذتها وتُرجعها لأصحابها، فالعار أخف من النار، واصدُقِ اللهَ يصدقْكَ، وأبشِر بتوبتك؛ قال ابن القيم: "إذا أراد الله بعبده خيرًا، فتح له أبواب التوبة، والندم، والذل، والانكسار، والافتقار، والاستعانة به، ودوام التضرع والدعاء، والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات"؛ [الوابل الصيب (1/ 11)].
وأبشر بفرج الله، قال شُتَيْرُ بْنُ شَكَلٍ: سمعت ابن مسعود يقول: "إن أكبر آية فرجًا في القرآن: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [غافر: 53]"؛ [ابن أبي الدنيا في حسن الظن (75)، والطبري في تفسيره (20/ 226، 227)].
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
- التصنيف:
- المصدر: