أغار من أهل زوجي

منذ 2021-01-14

امرأة تشكو حب زوجها الشديد لأهله، فزوجها ينفق على أهله لوفاة أبيه منذ مدة طويلة، وهي في مشاحنات دائمة معه بسبب أهله، وأيضًا تشكو أنه لا تستطيع أن تتحاور معه؛ فكل محاوراتهما تنتهي بالشجار، وتريد الطلاق، وتسأل: ما النصيحة؟

السؤال:

أنا فتاة متزوجة من رجل يكبرني بثلاثة عشر عامًا، ونحن مختلفان في البيئة والثقافة؛ إذ هو من دولة غير دولتي، وقد تم زواجنا منذ ثمانية أشهر، زوجي ينفق على أهله؛ بحكم أن والده ميت منذ عشرين عامًا، ودائمًا يرى أهله على حق، ويردد أنه مستعد للتخلي عن أي شيء من أجلهم، أخته ذات العشرين عامًا تجرحني بالكلام على أنها تمزح معي، وقد تشاجرت معه مرات عدة بسببها، ولقد كان زوجي خاطبًا اثنتين قبلي، وتركاه لتعلُّقه الشديد بأهله، وأنا لم أعلم إلا بعد زواجي، فأنا في مشاحنات دائمة معه لدفاعه عن أهله.

 

مشكلتي الثانية أنني لا أستطيع التحاور معه مطلقًا؛ فهو دائمًا يتهمني بأنني لا أختار الوقت ولا الكلام المناسبين، ولا أتحدث معه إلا باستفزاز؛ لذا فكل حوار بيننا ينتهي بالشجار، وآخذ أنا في البكاء، ويأخذ هو في الصراخ والتلفظ بالكلمات البذيئة، ثم إنه لا يهتم لحزني إذا حزنت، ولا يبادر بالصلح، بل أكون أنا دائمًا من يبادر، ولا يقبل مني الاعتذار إلا بعد مرات عديدة، ولا يزال بعدها يقول لي نفس الكلام السيئ، هذا بالإضافة إلى أنني اطَّلعت ذات مرة على رسائل منه إلى فتاة، وقد واجهته بها واعتذر، ووعدني بعدم تكرار ذلك الفعل، مع العلم بأن أهلي لا علمَ لهم بما بيننا، أريد الطلاق، فبمَ تنصحونني؟

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فيبدو من تحليل مشكلتكِ أنها تتلخص في الآتي:

1- زوجكِ مهتم جدًّا بأمه وأخته.

2- وأنتِ تَغَارِيْنَ من هذا الاهتمام.

3- أنتِ وزوجكِ غضوبان.

4- كلُّ واحد منكما يرى نفسه على الحق المطلق، وهذا يؤدي بكما إلى العناد المتبادل.

5- وأنتِ وأخته بينكما شيء من الغيرة والتعامل النِّدِّيُّ.

 

والآن ما الحل لمشكلتكما؟ أقول مستعينًا بالله سبحانه: الحل إن شاء الله بالآتي:

أولًا: وهو أعظم وأقوى حل؛ ألا وهو الدعاء بإلحاح لنفسكِ ولزوجكِ؛ أما لنفسكِ، فتسألين الله تعالى أن يرزقَكِ الحِلْمَ والأنَاةَ، والرِّفْقَ وحسن الظن بزوجكِ، وأن يُذهِبَ الله عنكِ غيرتكِ من أمه وإخوته، وتطلبين الإعانة على بِرِّه بوالدته، وأما الدعاء لزوجكِ، فتسألين الله سبحانه أن يرزقه العدل والحلم، وأن يعينه على الجمع بين أداء حقوق أمه وإخوته وحقوقكِ.

 

ثانيًا: تجاهدين نفسكِ على كظم غيظكِ ولكِ أجرٌ عظيم في هذا الكظم؛ قال سبحانه مبيِّنًا ذلك: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133، 134].

 

ثالثًا: قدِّري وضع زوجكِ، فمَن في وضعه يصعُبُ عليه أن يجمع بين إرضاء كل رغبات زوجته، وكل رغبات أمه وإخوته.

 

رابعًا: أنصحكِ بهجر الجدال مع زوجكِ في كل صغيرة وكبيرة؛ فلن تجني من ذلك إلا العَلْقَمَ المُرَّ.

 

خامسًا: اذكري عِظَمَ أجركِ في مساعدتكِ لزوجكِ في بره لوالدته وخدمته لإخوانه، وأن ذلك قد يكون سببًا عظيمًا في بِرِّ أبنائكِ بكِ.

 

سادسًا: أكثري من التوبة والاستغفار؛ لأن تسلُّطَ غيرِنا علينا يكون في مرات كثيرة بسبب ذنوبنا ونحن لا نشعر؛ ولأن الله سبحانه جعل الاستغفار سببًا للرزق وتفريجِ الكرب؛ فقال سبحانه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10 - 12].

وقد فهم هذا سلفُ الأمة؛ فقال أحدهم: "إني لأعصي الله؛ فأرى ذلك في خُلُقِ دابتي وزوجتي".

 

سابعًا: إذا رأيتِ خطأً من زوجكِ، فمن الحكمة أن تختاري وقتًا مناسبًا لمناقشته فيه بهدوء تام؛ فلا يكون النقاش في حال غضب منكِ، ولا وهو مُغضَبٌ، ولا وهو مُتعَب، ولا وهو جائع، ثم قدِّمي قبل النقاش ثناءً على ما فيه من صفاتٍ طيبة، وبيِّني له عِظَمَ محبتكِ له.

 

ثامنًا: ثم ابدأي النقاش في مسألة واحدة مهمة عندكِ جدًّا، وأنتِ مخلصة تريدين الوصول لحل طيب ولا تقصدين فرض رأيكِ عليه.

 

تاسعًا: فإذا رأيتِهِ انفعل، فاتركي بقية النقاش لوقت آخر.

 

عاشرًا: وقبل أي نقاش استخيري الله في طَرْحِهِ، وسَلِي الله أن يُلْهِمَكِ وإياه الرشد والرفق، وأن يعيذكما من نزغات الشيطان والغضب وحب الانتصار.

 

حادي عشر: اجتهدي في خدمته وإعطائه كامل حقوقه الخاصة والعامة، والتَّزَيُّن له؛ فكل ذلك مما يُرسِّخ محبة الزوجة في قلب زوجها.

 

ثاني عشر: أعود وأكرر: اتركي نهائيًّا أسلوب النِّدِّيَّةِ ورفع الصوت والجدال بحِدَّةٍ؛ فكل الرجال لا يحبون المرأة الجافة الغليظة العنيدة، بل يحبون المرأة الهادئة المطيعة، وهذه هي التي تكسب قلب زوجها.

 

حفظكما الله، ورزقكما الحلم والرفق، وأعاذكما من نزغات الشياطين، وصلِّ اللهم على نبينا محمد.

  • 15
  • 0
  • 6,266

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً