متى يكون الصبر مذموما؟
الذي أعلمه أن الصبر نوعان صبر محمود (يؤجر صاحبه) و صبر مذموم (لا يؤجر صاحبه)،
فهل الصبر على أذى الناس في جميع الحالات كله صبر محمود؟
بالنظر إلى أن أيات القرأن تحث على الصبر و كظم الغيظ، و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.
بسم الله الرحمن الرحمن
الحمد لله القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين:
الصبر ابنتي الفاضلة في لغة العرب يعني الحبس والكف، يقال صبرت نفسي على ذلك الأمر أي حبستها عليه، ومنه قول الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف 28]، وأما الصبر في الاصطلاح، فهو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، فالصبر إذًا هو حبس النفس عن الجزع والتسخط والشكوى،
وهو أنواع ثلاثة:
1- صبر على طاعة الله.
2- صبر عن معصية الله.
3- صبر على قضاء الله وقدره في البلاء.
وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالصبر{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران 200] ، وفي ذات السورة {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [ آل عمران 120] ، وفيها أيضا {(فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران 146] ، والآيات التي تحض على الصبر وتبين فضله كثيرة، وقد كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر وفيها {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
2- أما سؤالك (هل الصبر على أذى الناس في جميع الحالات كله محمود؟) نقول ليس على اطلاقه:
أ - فإذا كان الذي آذاك أحد أبويك فصبرك على أذاه صبرا محمودا لاشك لأن الابن مأمور بطاعة والديه إلا في معصية {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} [لقمان 15]
ب - المؤمن مأمور بأن يدفع عنه الأذية، اللهم إلا إذا كان لايستطيع أن يدفع عن نفسه الأذى فيصبر، أو كان قادرا ولكنه أراد أن يعفوا ويحتسب الأجر والثواب لقول الله تعالى: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ، وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل 126]، شريطة أن يكون صبره لله تعالى، أي الباعث عليه محبة الله تعالى وإرادة وجهه والتقرب به إليه،
ج - المسلم عزيز بدينه وإيمانه لايرضى الضيم والظلم لنفسه ولا لغيره، فقد كتب الله تعالى العزة للمؤمنين، ألم تسمعي قول المنافقين عودة المسلمين من غزوة بني المصطلق إذقالوا كما جاء في القرآن الكريم {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَىى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين، قال الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون 8] ، فالمسلم الذي يقع عليه ظلم أو ضيم في بلد ما، وهو يستطيع الخروج من ذاك البلد فليخرج ولا ينبغي أن يستسلم للظلم، {ياعبادي الذين آمنوا يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت 56]
د - لاينبغي أن يصبر المسلم على من يحاول أن يجره إلى معصية من قول أو فعل، بل عليه أن يدفعه، ثم يحاول أن يصلحه إن استطاع .
هذا والله تبارك وتعالى أعلم، وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
المستشار: أ.سر الختم عكاشة