أمي طردتني وزوجتي من البيت!
في النهاية؛ أريد أن أعلمكم أن أبي تنازل عن كل شيء لأمي، وأنا أصلًا لا أريد شيئًا، وأنا أحب أبي كثيرًا، ولذا فأنا أُسامِحه على ما فعل.
السلام عليكم؛ مشكلتي كبيرة جدًا... سأحاول أن أختصرها قدر الإمكان.
أولاً: مشكلتي هي أمي، فأنا متزوج منذ 4 سنوات تقريبًا، منهم سنتين في منزل والدي، والدتي أصرَّت على ألا يأتي أي فرد من أهل زوجتي لزيارتنا في أي مناسبة.
وقالت لزوجتي باللفظ "البيت بتاعي وأنا اللي أقول مين يدخله ومين ما يدخلهوش"، مما أحدث مشاكل جمَّة بيني وبين زوجتي من ناحية، وبيني وبين أمي من ناحيةٍ أخرى. أما عن أهل زوجتي فلم يأتوا لزيارتها، حتى لا تحدُث مشاكل، واكتفوا بزيارتنا لهم.
والدتي أيضًا لا تريد أن نعيش -أنا وزوجتي- حياة منفردة، فهي تتدخَّل في كل أموري، مادية كانت أو أي شيء آخر، وهذا أحدث أيضًا مشاكل كثيرة، وفي إحدى هذه المشادات طلبت مني أن أُخرِج زوجتي من المنزل، فهي غير مرغوب بها! وأُأجر لها شقة أخرى، وقمت بالفعل بشراء شقة في مكانٍ بعيد عن منزل أمي، وتمنيت أن تنتهي المشاكل ولكنها لم تنته.
وسوف أقول لك عن آخر مشكلة حدثت لي؛ حيث كنت قد ذهبت إلى بلدتي، وكانت زوجتي فيها تزور أهلها، لتهنئتهم بأداء العمرة، واستمرت زيارتها 3 أسابيع، وفي اليوم الثاني من وجودي في البلدة، كلمتني أمي وأخبرتني أن أبي مريض جدًا، فرجعت من سفري لرؤية أبي، الذي منَّ الله عليه بالشفاء، في اليوم التالي لمرضه.
وسافرت أنا وأبي وأمي وأخواتي، وعند وصولنا كانت زوجتي في انتظارنا، وأهل زوجتي تاركين معها هدية لهم من العمرة، وكنت معزوم على الغداء في اليوم السابق الذي سافرت فيه لرؤية أبي، وانتظروني هم حتى آتي من سفري، فتعصّبت أمي، وقالت: "ما أنا هنا وهعمل الغداء، إنتَ معزوم ليه؟!".
فقلت لها أنا معزوم هناك على الغداء قبل سفري أمس، وهم في انتظاري؛ وكان كل هذا أمام زوجتي التي لم تتحدَّث، فتعصّبت أمي أكثر، وأغلقت الباب في وجهي ووجه زوجتي، وجعلت صورتي سيئة جدًا أمام زوجتي، التي بدأت بالعصبية هي الأخرى، ولكنها لم تجرحها بأي كلمة، فتداركت الموقف سريعًا، وأخرجت زوجتي وذهبنا إلى بيت أهلها، وقرّرت أنا وزوجتي الرجوع إلى منزلنا.
وعند ذهابي إلى بيت أمي في بلدتنا لأخذ أشيائي حدثت مواجهة أخرى؛ وقالت لي أمي: "لا أريد أن أراك"، وأنا من عصبيتي الشديدة قلت لها وبكل برود أيضًا: "وأنا لا أريد أن أراكِ مرة أخرى"، فأغلقتُ الباب خلفي بعنف، ولشدة غضبي أمسكت بحجر وألقيتُ به على البيت، لا أدري لماذا؟!، لكنني فعلت!
في النهاية؛ أريد أن أعلمكم أن أبي تنازل عن كل شيء لأمي، وأنا أصلًا لا أريد شيئًا، وأنا أحب أبي كثيرًا، ولذا فأنا أُسامِحه على ما فعل.
أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلًا لهذه الثقة، آمين... ثم أما بعد:
قرأت رسالتك، واستنتجت من أقوالك عدة عبارات تُلخِّص المشكلة، وهي قولك:
- مشكلتي هي أمي!
- والدتي أصرّت على ألا يأتي أي فرد من أهل زوجتي لزيارتنا!
- والدتي لا تريد أن نعيش أنا وزوجتي حياة منفردة، وتتدخّل في كل أموري!
- طلبت مني أن أخرج زوجتي من المنزل وأن أبحث لها عن سكنٍ خاص.
- قمت بالفعل بشراء شقةٍ في مكان بعيد عن منزل أمي لكن المشكلة لم تحل.
- تعصّبت أمي، وأغلقت الباب في وجهي ووجه زوجتي.
- قالت لي أمي لا أريد أن أراك فرددتُ عليها "وأنا لا أريد أن أراكِ"!
- أغلقتُ الباب خلفي بعنف، فأمسكتُ بحجر وألقيتُ به على البيت!
واسمح لي -أخي الكريم- في البداية أن أذكرك بأن بِرّ الوالدين فريضة، أي أفرض من الفرض، وأن هذا البِرّ ليس في اليُسر وحسب، فهذا يقدِر عليه كل أحد ولكنه في العسر أوجب. قال تعالى في محكم التنزيل: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان:14-15].
وروى البخاري وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «
».وأود أن أوضح أن الزواج الناجح هو الذي يبدأ مُستقِلًا قدر الاستطاعة، وكأن هناك إشارة في الحديث الشريف من قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
ء» (متفقٌ عليه). المقصود بالباءة تكاليف الزواج ومؤونة العيش.ونصيحتي لكل شاب مُقبِل على الزواج -وكان مستطيعًا- أن يبدأ حياته الزوجية باستقلالية، فيؤجِّر أو يشتري شقة أو سكنًا منفصلًا، وحبذا لو كان بعيدًا بعض الشيء عن سكن أسرتي الزوجين، على أن يبقى الود موصولًا، والبِرّ متصلًا، بالأسرتين، أسرة الزوج، وأسرة الزوجة، لكن دون أن تقحماهما في حياتكما الخاصة.
هذه مقدمة لا بد منها، لنضع النقاط فوق الحروف، أما عن مشكلتك كما وردت في رسالتك، فإنني أُلخِّص لك إجابتي على النحو التالي:
1- رغم تقديري للظروف التي مررتَ بها، والتي سردتها تفصيلًا في رسالتك؛ فقد أحزنني أن تستهل رسالتك بقولك "مشكلتي هي أمي"! وإن التمست لك بعض العذر عندما قرأت التفاصيل لكن لا يجب أن يصل الأمر إلى هذا الحد، وأن يتسرَّب إليك هذا الشعور، فأين البِرّ الواجب؟ و"الصبر الجميل"؟! وأين "القول الكريم"؟ وأين احتساب الأجر عند الله؟ وأين وأين... إلخ.
أوصيك ونفسي بمراجعة هذا الأمر، والتوبة عنه، وتحمُّل الأذى مهما كان في سبيل الله.
2- على الرغم من أن والدتك "هي صاحبة الدار"؛ إلا أنه ما كان ينبغي عليها أن تمنع أهل زوجتك من زيارة ابنتهم، طالما أنها قبِلت بمبدأ أن تقيما معها في دارها، وكان الأحرى بها أن تكون رفيقة بك، وبزوجك وبأهل زوجتك، حتى تدفعكما -أنت وزوجتك- إلى بِرّها والإحسان إليها، لكن لا يسعنا إلا أن نقول لك: اصبر وتحمَّل طالما أنك أيضًا قبِلت الإقامة معها أنت وزوجك على شرطها، وإلا فقد كان الأحرى بك أن تؤجل الزواج، وأن تبحث عن سكنٍ خاص لكما، تبدآن حياتكما الزوجية به.
3- أن معيشة الرجل وزوجته مع أسرته في سكن مشترك؛ أمر محفوف بالمخاطر، وأول هذه المخاطر عدم القدرة على تكوين حياة منفردة، فضلًا عن تدخل الأهل في أموركما. وهو أمر يجلب الشقاء والعناء، ويُورِث المشكلات والأحزان. ولعلك قد لمست ذلك جليًا من خلال معيشتك مع الأهل، في سكن واحد.
4- أن والدتك فعلت خيرًا عندما طلبت منك أن تخرج زوجتك من المنزل، وأن تبحث لها عن سكن خاص؛ فقد كان هذا الطلب على شدته فرصة للخروج الآمن من المسكن الجماعي، وبداية صحيحة لتأسيس منزل مستقل يجمعك وزوجك، وقد أحسنت إذ قمت بشراء شقة في مكان بعيد عن منزل الأسرة.
5- أما بخصوص قولك "لكن المشكلة لم تحل"، فهو أمر طبيعي، لأنك ذهبت إلى سكنك المستقل في ثنايا طلب من الأم، وتحت ضغط الظروف الصعبة التي عشتها وزوجك في سكن الأسرة، غير أن "الزمن جزء من العلاج"، والأيام كفيلة بمعالجة الجراح، وكل ما هو مطلوب منك أن تنسى الماضي بآلامه وجراحه، وأن تكون أشد حرصًا على علاقتك بأهلك وخاصة أمك، رغم ما يصدر عنها ومنها، من أقوال وأفعال قد تجرحك وتجرح زوجك، فهذا الصبر عليك واجب، وليس منة منك وفضلًا.
6- أؤكد وأُشدِّد على ضرورة تحمّلك الأذى من والدتك، وضرورة الصبر عليها، والحرص على بِرّها ووصلها، مهما تعصّبت عليك، وأغلقت الباب في وجهك ووجه زوجتك، فهي في الأول والآخر أمك، وهي أحق الناس بحسن صاحبتك، ولا ينبغي أن تكون تصرفاتك ردود فعل مضادة في الاتجاه ومساوية في مقدار الغضب، بل يجب أن تكون ردودك وتصرفات من باب "بردًا وسلامًا"، واحذر أتقول لها أف أو أن تهوها.
7- وأختتم ردودي عليك مختلفًا معك فيما صدر منك تجاهها، إذ كيف ترد على أمك قائًلا: "وأنا لا أريد أن أراكِ"! ردًا على قولها لك "لا أريد أن أراك"؟! ما كان ينبغي عليك أن ترد عليها واحدة بواحدة، والله يأمرنا بقوله: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة من الآية:83]. وقوله تعالى: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} [الإسراء من الآية:23].
كما أحزنني قولك في ختام رسالتك "أغلقتُ الباب خلفي بعنف، فأمسكتُ بحجر وألقيتُ به على البيت"! وهو فعل محرَّم وأمر يستوجب عليك التوبة والاستغفار فورًا، وبذل الجهد في طلب رضاها وصفحِها. مهما لاقيت في سبيل ذلك من أذى. فهو أهون بكثير من سوء العاقبة.
وختامًا؛ أسأل الله عز وجل أن يهدي لك أمك، وأن يصلح لك زوجك، وأن يهديك إلى الحق، وأن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره، وأن يُعيذك من عقوق الوالدين، وغضبهما، وأن يجعلك من أهل البِرّ والطاعة، اللهم آمين.
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
أجاب عنها: همام عبد المعبود
- التصنيف:
- المصدر: