أخشى أن أكون من المحرومين في رمضان..فما نصيحتكم لي؟
أخبر صلوات الله وسلامه عليه أن من فرح وسُر قلبه بطاعته، ومن حزن ووجد الضيق في صدره والهم والغم لأجل معصيته أنه من المؤمنين، وأن هذا الأمر الذي وقع له علامة على صدق إيمانه، وأنت بحمد الله تجدين نفسك سعيدة إذا اقتربت من ربك منشرحة الصدر إذا كنت عاملة بطاعة الله، وتتضايقين ويصيبك الهم والغم والحزن إذا كنت بعيدة عن الله جل وعلا أو نالك شيء من المعاصي التي تقعين فيها، ومع هذا فأنت بحمد الله قد بدأت التوبة وقد جددتها، وهذا يا أختي أمر عظيم لابد أن تحرصي عليه؛ فإن المؤمن لابد له من حالين اثنين وهما حالان حسنان قيمان.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مشكلتي أني أخاف أن أحرم طاعة رمضان بسبب ذنوبي، فكلما اقترب رمضان تبت إلى الله وتحللت من كل المظالم خشية أن أُحرم ثواب رمضان، ولكن هذه السنة كنت على معصية وتبت منها قبل أيام، ولكن لا زالت هذه الفكرة تنغص علي حياتي ولذة طاعتي وعبادتي، أخشى أن أكون من المحرومين ويا لخسارة المحرومين.
ثم انظروا إلى أمتنا فيما تتخبط ونحن فيما نحن مشغولون ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، والله إن القلب يحزن بل وينفطر، والعين تختنق دمعاً على ما وصلت إليه أمتنا، فهذا قرآننا يمزق ويمتهن، وهذا نبينا يُهان وأراضينا الطاهرة الشريفة تُدنس وحرماتنا تنتهك..
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولكن أملنا وحسن ظننا بربنا تعالى كبير أسألكم بالله أن تدلوني وترشدوني، فأنا في حيرة من أمري أخشى أن أُحرم رمضان أو أن أكون سبب خذلان هذه الأمة بسبب ذنوبي.
ساعدوني، وجزاكم الله خيراً.
بسم الله الرحمن الرحيم الأخت الفاضلة بإذن الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.
فإن لك عندنا بشرى عظيمة، بُشرى هي من لدن النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول صلوات الله وسلامه عليه: «من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن» (أخرجه الإمام أحمد في المسند).
فأخبر صلوات الله وسلامه عليه أن من فرح وسُر قلبه بطاعته، ومن حزن ووجد الضيق في صدره والهم والغم لأجل معصيته أنه من المؤمنين، وأن هذا الأمر الذي وقع له علامة على صدق إيمانه، وأنت بحمد الله تجدين نفسك سعيدة إذا اقتربت من ربك منشرحة الصدر إذا كنت عاملة بطاعة الله، وتتضايقين ويصيبك الهم والغم والحزن إذا كنت بعيدة عن الله جل وعلا أو نالك شيء من المعاصي التي تقعين فيها، ومع هذا فأنت بحمد الله قد بدأت التوبة وقد جددتها، وهذا يا أختي أمر عظيم لابد أن تحرصي عليه؛ فإن المؤمن لابد له من حالين اثنين وهما حالان حسنان قيمان.
فالحال الأول: أن يديم التوبة والطاعة وأن يحرص عليها، وأن يكون مستقيمًا في عامة أوقاته، وهذا ليس بمتعذر في الناس وإن كان نادرًا إلا أنه موجود ولله الحمد.
والحال الثاني: أن يكون المؤمن ممن يقع في الخطأ ولكنه أيضًا يتدارك ذلك بالتوبة العاجلة، بالتوبة النصوح، وهذا هو الذي أومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إليه بقوله: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» (رواه الترمذي في سننه).
فأنت الآن قد أشرت إلى أنك كنت على معصية وتبتِ منها وقد تكون هذه المعصية في النظر أو في الشهوة أو في شيء مما يبتلى به بنو آدم، إلا أن حسن توبتك وحسن حرصك على طاعة الله سيمحوها، ليس هذا فقط، أبشري يا أختي، بل سوف يبدلها من سيئات قبيحات إلى حسنات عظيمات صالحات؛ قال تعالى: {إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الفرقان: 70].. إن عليك دومًا أن تحرصي على هذا الخلق العظيم، خلق التوبة، فتكونين تائبة ليس في رمضان فقط وليس في أوله ولا في آخره فقط، بل تكونين تائبة لله دومًا مستمرة على الإنابة إليه على الدوام؛ قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].
فبيَّن جل وعلا أن عباده المتقين قد ينالهم طائف من الشيطان ويصيبهم النزغ وربما وقعوا في خطأ من الأخطاء أو معصية من المعاصي، ولكن لا يلبثون حتى يتذكروا فيتذكروا الخوف من الله ويتذكروا الإنابة إلى الله، ويتذكروا الوقوف أمام الجبار جل جلاله فإذا هم مبصرون، قد أبصروا طريقهم وقد أنابوا إلى ربهم العظيم؛ قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى} [النازعات: 40].
فالمطلوب منك أن تحرصي على هذا الخلق العظيم، خلق التوبة، واعلمي أن من بركة الحسنة أنها تجر إلى الحسنة، ومن شؤم السيئة أنها تجر إلى السيئة، وتذكري دومًا سوء الخاتمة وحذري نفسك من ذلك، فلعلَّ الله جل وعلا أن يقبض روح إنسان وهو مقيم على معصيته والشواهد كثيرة لا تحصى في ذلك، ولعلَّه أيضًا أن يوفقه إلى طاعة فيقبضه على رضوان منه، والأعمال بالخواتيم كما ثبت ذلك عن النبي الأمين صلوات الله وسلامه عليه.
إذن فليكن خلقك هو التوبة حتى تندرجي في قوله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]، وفي قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ_ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 112]، ولذلك ابتدأنا بهذه البشرى العظيمة لك لتكون حافزًا لك وباعثًا لك على أن تحرصي على طاعة الرحمن وأن تكوني أكثر قربًا منه.
ومع هذا يا أختي فهذا لا يعني أن تكوني حارمةً نفسك من ملاذ الحياة الدنيا من المباحات التي شرعها الله لعباده المؤمنين، ولكن إذا دخل رمضان فخذي العبادة بلطف ورفق، وخذي نفسك بهدوء وروية، وعوِّدي نفسك على طاعة الرحمن لتكوني دومًا على عبادة ودومًا على طاعة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحب الدين إليه أدومه وإن قلَّ، أي أفضل الإيمان والدين عنده أن يكون دائمًا ولو كان قليلاً صلوات الله وسلامه عليه . وأيضًا فهذا شعور نبيل، شعورك بأمَّتك، شعورك بما تعانيه هذه الأمة من ابتلاءات ومن محن، فهذا الشعور لابد أن يبعثك أيضًا على إصلاح نفسك وإصلاح من حولك، وكذلك أن تحرصي على البعد عن المعاصي، فإن الأمة ما نالها من الشر إلا بعد أن ابتعدت عن حكم الله العظيم واشتغلت بالمعاصي، ومع هذا فالخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم موجود إلى قيام الساعة، وهذه الأمة أمة النصر وأمة التمكين وأمة الخير والحق، والله جل وعلا لابد أن يمكن لها ولابد لها من أن تنتصر وأن يعود مجدها كما كان، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].
فاحرصي على صحبة الصالحات، واحرصي على أن تكوني بعيدة عن المعاصي، ومن تمام توبتك البعد عن أسباب المعاصي، فتجنبي السبب الداع إلى الحرام لتكوني ممن قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58-55]. فهذا هو مصير كل مؤمن صالح بإذن الله ليكون عبدًا يسلم عليه الرحمن ويناله من رضوانه جل وعلا في جنات النعيم، ما يجعله سعيدًا مسرورًا سعادة لا ينالها نغص؛ كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ينادي منادٍ فيقول يا أهل الجنة إنَّ لكم أن تحيوا فلا تمتوا وأن تسعدوا فلا تبأسوا وأن تشبُّوا فلا تهرموا وأن تصحُّوا فلا تسقموا» (صحيح مسلم: 2837).
نسأل الله عز وجل أن يجعلك من صاحبات الفضل، ومن صاحبات الطاعة، وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه. والله الموفق.
- التصنيف:
- المصدر:
ابو احمد
منذ