كيف أتعامل مع عناد طفلتي وخوفها؟

منذ 2017-07-19

كثير من الآباء لا يشكرون على نعمة الأبناء؛ فيحرمهم الله من هذه النعمة بموت أطفالهم أو بمرضهم، حمى الله ابنتك وأعانك على تربيتها.

السؤال:

ابنتي تبلغ من العمر سنة وأربعة أشهر، هي ابنتي الأولى والوحيدة، لاحظت مؤخرًا أنها أصبحت عنيدة جدًا، وعندما أطلب منها أن تفعل شيئًا لا تستجيب، حتى أنني عندما أناديها باسمها لا تلتفت إلي! مع أني سابقًا كنت بمجرد أن أناديها تجيبني وتأتي إلي، أما الآن فمهما ناديتها سواءً بطريقة لطيفة أو بالصراخ؛ فهي لا تجيبني، وكأنها لا تسمعني؛ مما يثير جنوني وأصرخ في وجهها.

كما أنها أصبحت تخاف كثيرًا من كثرة ما أوبخها وأضربها، فبمجرد ما أنظر إليها بطريقة غاضبة أو أقول لها لم فعلت كذا، إما أن تتسمر في مكانها وتغمض عينيها، وإما أن تركض إلى جانب الحائط وتنظر إلي وهي خائفة، مع العلم أني عصبية جدًا، وأصرخ في وجهها وأضربها كثيرًا.

أنا أعلم أن هذا سلوك خاطئ، لكني لا أتمالك نفسي عندما تصر على أفعالها، فمثلاً عندما تضع شيئًا متسخًا في فمها؛ أطلب منها ألا تفعل ذلك مرات عديدة بلطف، لكنها لا تستجيب؛ فأقوم بالصراخ عليها، وقد أضربها أحيانًا.

أريد أن أربي ابنتي بطريقة صحيحة، وأن تكون لها شخصية سليمة، لكني أجد الأمر صعبًا جدًا، وأشعر بالذنب تجاهها، خصوصًا عندما أراها خائفة من أن أضربها، وألوم نفسي كثيرًا وأقول لنفسي: إن المسكينة لا تستحق أمًا مثلي. أخاف أن تكبر وتصبح شخصيتها ضعيفة أمام أقرانها.

ساعدوني أرجوكم، كيف أتعامل مع عنادها ومع خوفها؟ هل يجب علي أن أعالج نفسي من العصبية؟ أنا محتارة.

الإجابة:

أهلاً بك أختي الهام، أشكرك على تواصلك وثقتك بمستشارك الخاص.

رزقك الله ابنة جميلة، فلا بد أن تكوني لله من الشاكرين، والشكر لا يكون باللسان وبالأقوال بل بالسلوك والأفعال "فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل" أعمالك ومعاملاتك مع ابنتك توحي بإيمانك بأنها نعمة من الله.

كثير من الآباء لا يشكرون على نعمة الأبناء؛ فيحرمهم الله من هذه النعمة بموت أطفالهم أو بمرضهم، حمى الله ابنتك وأعانك على تربيتها.

اعلمي -عزيزتي- أنّ ابنتك ليست هي سبب المشكلة، بل اسمحي لي أن أقول لك: إنك أنت من تحتاجين للإصلاح، فأنت أمّ لا تضبط أعصابها ولا تتفنن في تربية ابنتها، ولا تتعلم أساليب التربية التي تجعل منك أمًّا سعيدة وأنت تمرين مع ابنتك في مواقف سيئة أحيانًا، فتتجاوزين معها كل الصعوبات مدرّبة إيّاها على مهارات الحياة.

لذا: لا بد أن تستشعري أنّ حالتك في التعامل مع ابنتك لا بد أن تتغيّر للأحسن، فلا صراخ بعد اليوم، ولا تكرار للنداء، ولا ضرب ولا زجر بقسوة، وانتبهي -إلهام- إلى أن الصراخ يخفّض نسبة الذكاء عند الأطفال، وأنه يجعلهم يعتادون على التعامل القاسي فيألفونه، حينها لا ينفع معهم في المستقبل أي أسلوب رفيع في المعاملات، بل وقد يهزؤون من الناس اللبقين المؤدبين؛ فتسوء أخلاقهم.

الضرب يؤذي نفسية الطفل وليس جسده فقط، ويلحق به الهوان ثم يعتاد عليه، قيل قديمًا: مَن يهُن يسهلُ الهوانُ عليه.

وقد تعتاد أن تُضرب من الناس دون أن تدافع عن نفسها؛ لأن الخوف يتملّكها، أو قد تصبح هي متنمّرة تضرب الآخرين وهي ردّة فعل متوقعة.

ناهيك عن أنّ للضرب أسبابًا لا بد أن تعرف هي لم ضُربت، ولا بد أن تعرف أنها إن فعلت كذا فستُضرب، وهذا من أدبيات فن العقاب (معرفة العقوبة مسبقًا)، علمًا بأن الضرب في الشرع وفي سيرة الرسول الكريم لم يوصَ به إلا للصلاة عمود الدين، وعلى سن العاشرة، بعد أن يبذل الأهل جهدهم منذ السابعة من عمر الطفل في التدريب على الصلاة والتربية له على المحافظة والإتقان، ولأن الضرب لم يُوص به يعني أنه غير محمود وغير مرغوب عند رسول الله وهو معلمنا الأول.

وللضرب شكل في ديننا، فلا يجوز أن نمد اليد إلا للتربية وليس للانتقام منه، على أن يكون الضرب غير مبرح، فقد قيل في ضرب التربية للابن أو للزوجة بأن لا تُرفع اليد عاليًا، بل تُثنى دون رفعها.

أما النداء المتكرر؛ فلا يُنصح به؛ لأنه يصنع طفلاً عنيدًا، فهو يعلم أن أمه ستناديه مرات عديدة؛ لذا نادي ابنتك مرة واحدة ولا تناديها من مكان بعيد، ناديها مرة واحدة بوضوح وبحب، فإن لم تجب؛ فاذهبي إليها واجلسي القرفصاء أمامها، وقولي لها بابتسامة وعيونك في عيونها: ماما أنا ناديت عليك هل سمعتني؟ إن قالت: لا؛ فصدّقيها حتى تصنعي عندها الثقة بالنفس وتشعريها بأنك تحبينها وتصدّقينها. وإن قالت: نعم، قولي لها: لماذا لم تجيبيني؟ كنت أريد أن ألعب معك أو أن أطعمك أو أن تساعديني.. وهكذا. سيتكرر الموقف ثم يختفي تمامًا.

ابنتك العنيدة أنت من جعلها في هذا الحال، لكن العناد ليس سلبيًا دائمًا؛ فهو دليل على قوة الشخصية وثباتها على مبادئها وأفكارها.

إلا أنني حزنت كثيرًا على ابنتك لأنها أصبحت تخافك؛ وهذا يعني أنك جعلتها ضعيفة أمام نفسها وأمامك، وإذا استمر الحال فقد تصبح لك كارهة؛ لذا: لا بد أن نستدرك معك الموقف، ولا بد أن تغيّري من أسلوب تعاملك معها إيمانًا بأنها نعمة من الله تستحق الشكر، وقد ينزعها الله من بين يديك إن رأى منك إساءة لها.

لا بد أن تغيّري من أسلوب تعاملك إن رغبت في تنشئة طفلة تنشئة سويّة لتصبح صديقة لك في قابل الأيام.

لا بد أن تغيّري أسلوبك في التعامل معها بعد أن تتعرفي على أسباب هذه السلوكيات التي ترفضينها أنت قبل غيرك، قد تكون مشاكل المجتمع المحيط، وفي العمل، أو مع الأهل والأقارب والزوج، وقد يكون الوضع الاقتصادي مثلاً يشكّل ضغوطات نفسية تفرّغينها دون قصد في ابنتك، من هنا -عزيزتي- اعلمي أن الحياة كبَد وتعب، والبطولة أن يعيشها الإنسان بحب واستمتاع وسعادة ورضى بما يرضي الله.

في هذه حال الرضا الذي قد تحققينه من خلال آليات جيدة؛ كجلسات علم مع صحبة طيبة على مائدة القرآن تتعلمين التلاوة والفهم للآيات؛ فهو يحسّن من حياتك، وقد تشغلين نفسك بممارسة هوايات ومهارات تفرّغين فيها طاقاتك وتُسعدين بها روحك، كممارسة الرياضة، والكتابة، والرسم، والطبخ، وغير ذلك.

عليك -عزيزتي إلهام- أن تتعلمي فنون التربية السليمة؛ لذا تابعي إصدارات د.مصطفى أبوسعد وإنتاجاته على الشبكة العنكبوتية (net)، بمتابعتك له سيتغيّر حالك مع ابنتك للأفضل، وستشعرين بالراحة والطمأنينة والسعادة.

استمتعي مع ابنتك في قضاء الوقت، وحدّثيها عن نفسك وعن شعورك، وعن الأحداث بطريقة جميلة تدخل عليها الفرح، وتتعلم بذلك اللغة بطلاقة، وتتعمق صداقتكما أكثر، والعبي معها واضحكي، وضميها بحب، وقولي كلها كلمات الرضى والأمان.

استعيني بالله، وكثفي الدعوات في السجود وفي كل وقت، سرًا وجهرًا، ولتسمع منك الدعاء الجميل لها الذي من خلاله ترسمين شخصيتها وملامح مستقبلها، كأن تقولي وهي تسمع (خاصة وقت النوم): اللهم إن ابنتي هي أحب الناس إليّ فاحمها وأسعدها، واجعلها قوية جميلة صالحة.

كثفي الدعاء المأثور مثل: "ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا".

احرصي على معرفة ذاتك وتطويرها من خلال الدورات التدريبية أو من خلال روابط على النت تفيدك بهذين العنوانين اللذين يعدا من علم التنمية البشرية، تعرفي على نمط شخصيتك وتعرفي على النقاط السلبية فيك، واحرصي على تجنبها وتغييرها "قد أفلح من زكّاها".

استزيدي معرفة وعلمًا، وطبّقي ما تتعلمينه؛ ستجدين ابنتك كبُرت مع أم رائعة متفهّمة متميزة، وستفخر بك دومًا.

ملاحظة: قد تكون ابنتك بحاجة لعرضها على الطبيب لفحص السمع، وقد تكون بحاجة لفحصها والتأكّد من أنها لا تعاني من التوحّد -عافاها الله وحماها وأعانك على تربيتها تربية صالحة والإحسان إليها، كي تكون لك قرّة عين في المستقبل-.

دمت بخير.

 

المستشار: د. منال العواودة

  • 5
  • 0
  • 21,282

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً