أضرب ابنتي ضربًا عنيفًا عندما تعاندني أو تتطاول معي في الحديث!
أنا أم لثلاثة أطفال، بنت ١٢ سنة، وولدان أحدهما ٨ سنوات، والآخر عام ونصف.
مشكلتي مع ابنتي الكبرى: أنني أقوم بضربها ضربًا مبرحًا عنيفًا عندما تعاندني أو تتطاول معي في الحديث، وبعدها أندم أشد الندم على أنني فقدت أعصابي معها، وأظل أبكي طوال الأيام التالية، وأعتذر لها.
أشعر أنني أكرر معها ما كانت تفعله أمي بي، رغم أنني تعهدت وأقسمت على نفسي ألا أكرر ذلك مع أبنائي، ومع ذلك أجد نفسي أفعله، والغريب أنني لا أفعل ذلك إلا مع ابنتي، فلم يحدث يومًا أني ضربت ابني الأوسط بهذه القسوة.
أشعر أنني مريضة نفسيًا، وأنتقم من ابنتي لما كان يحدث بي دون وعي، ورغم أنني ألتمس العذر لأمي، لأنها كانت مطلقة وتحمل مسؤولية البيت والأولاد بمفردها، وأنا ظروفي ميسرة، ومع ذلك أعامل ابنتي بنفس أسلوبها معي.
أفيدوني، أكرمكم الله، كيف أعالج نفسي؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. شكرًا على تكرّمكم بطلب الاستشارة من موقعكم "مستشارك الخاص" وثقتكم بنا، آملين في تواصلكم الدائم مع الموقع، وبعد:
الأم الغالية: أسعدك الله وأعانك على الإحسان لابنتك في تربيتها وسائر أطفالك.
نعلم بأنّ مشاعر الأمومة أشد قوّة من أي إحساسٍ، وأنّ ما يحدث لك من انفعالاتٍ وانهيارٍ بالضّرب على ابنتك يفوق إرادتك، ولا شك بأنّ تلك الانهيارات تُعد نوعًا من التّفريغ النّفسي للخبرات القاسيّة التي عاصرتها في الماضي، ونوع من تحرير الطّاقة السّلبيّة الكامنة في نفسك، والسّخط العاطفي الدّاخلي على أساليب تعامل والدتك معك في الماضي، والحل في السّيطرة على تلك الانفعالات هو تفريغ تلك الخبرات بأساليب علاجيّة إيجابيّة، بعيدًا عن تربية ابنتك.
وبداية: لا بدّ من تبديل القناعات الدّاخليّة تجاه ذاتك، فأنتِ تنظرين لذاتك على أنّها محصّلة القسوة التي وجّهت إليكِ من قبل والدتك في الماضي، مما جعلك تستشعرين تلك القسوة أمام كلّ خطأ تقوم به ابنتك، ولا بدّ لك من تحسين تلك الصّورة، وتنقية المرآة الخاصّة التي تبصرين بها نفسك، للتمكّن من الخروج عن طابع القسوة حيال سلوك ابنتك، والنّظر إليها بعين الرّحمة والأمومة التي أنت أهلٌ لها، والشّاهد على ذلك اعتذارك لابنتك وشعورك بالذّنب تجاهها ورغبتك في إبدال الانفعالات.
كما ننصحك بما يلي:
- تدريب نفسك تدريجيًّا، فالأساليب التّربويّة مكتسبة من خلال الممارسة، وليس هنالك شيء ثابت غير متغيّر، وبإمكانك أن تحرصي على حُسن القول والمعاملة، واللجوء للحوار الذي يغرس القناعات عوضًا عن الضّرب الذي لا يولّد إلا السّخط والمزيد من العناد.
- احرصي على قراءة الكتب التّربويّة ومشكلات الأطفال النّفسيّة، فالتّعرّف عن قرب على حدّة العواقب والآثار النّفسيّة التي تتركها القسوة على كيان ابنتك وهدم شخصيّتها سيكون عونًا لك لضبط الانفعالات والبعد عن تفريغ الخبرات السّابقة من القسوة.
- استعيني ببعض الأقارب والصّديقات لبث شكواك والتّحدّث عن مشاعرك، والتّنفيس عن مشاعر السّخط والكبت النّفسي الذي وقع عليك جرّاء قسوة والدتك في الماضي.
- عليك بممارسة تمارين الاسترخاء والتّنفس العميق بشكل يومي للتّأثير البالغ على تحسين المزاج والحالة النّفسيّة نتيجة لضخ الأوكسجين للدّماغ والموصلات العصبيّة، مع ممارسة الرّياضة الصّباحية لمدّة عشر دقائق على الأقل.
- بناء جسور صداقة مع ابنتك وشرح ما تعانينه من ألم عند إلحاقك الأذى البدني بها، واجعليها شريكة لك بطلب المساعدة منها بصدق وصراحة، وأخبريها بأنّ تعتذر على الفور عند الخطأ ولا تعاند لأنّك تفقدين قدرتك على ضبط النّفس نتيجة الضّغوط، وأنّك بحاجة لمساعدتها في تفادي إثارة المواقف للحد من تلك المواجهات بشكل تدريجي.
- التّعامل مع الغضب وثورة الانفعال بتنمية مهاراتك وقدرتك على ضبط النّفس من خلال حث النّفس على الالتزام بالبعد عن الغضب، لأنّ ذلك من شعب الإيمان، ومن السّنة ما أوصى الرّسول الكريم بعدم الغضب، كما أنّه من حُسن الخلق ورفعة الإيمان، وننصحك بترك المكان الذي تبدأ عنده لحظات الغضب، ثمّ الوضوء والاستعاذة بالله من الشّيطان.
وأخيرًا: أكثري من الاستغفار والدّعاء، وتقديم النصح لابنتك، والتّفكير بمحاسنها ومناقبها لاستشعار الجوانب الإيجابيّة في شخصيّتها، والإحساس بالرّحمة والرّأفة كونها البنت الوحيدة لديك، وحاجتها الماسة لحنانٍ مضاعفٍ أكثر من البنين، ولا تغفلي لحظة فعجلة الأيام تدور سريعًا ثمّ تصبح ابنتك أمًا وترحل عنك لتحمل في داخلها ذات الأحزان والذّكريات.
نسأل الله أنْ ينعم عليك بالفرج وراحة البال والسّعادة.
المستشار: أ.أميمة صوالحة