ما حكم مس المصحف بدون وضوء؟

منذ 2010-09-30
السؤال: ما حكم مس المصحف بدون وضوء؟
الإجابة: فقد ذهب جماهير أهل العلم سلفاً وخلفاً من الصحابة ومن بعدهم إلى أنه لا يجوز أن يمس القرآن إلا طاهر من الحدثين الأكبر والأصغر جميعاً، وبهذا قال الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد. قال ابن عبد البر في الاستذكار (8/10): ((أجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وعلى أصحابهم بأن المصحف لا يمسه إلا طاهر)).

وقد احتجوا لذلك بأدلة أبرزها ما روي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يمس القرآن إلا طاهر)". فقد روي من حديث عمرو بن حزم في الكتاب المشهور الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لآل حزم، وروي أيضاً عن عبد الله بن عمر وحكيم بن حزام وعثمان بن أبي العاص وثوبان رضي الله عنهم أجمعين، وقد أفاض أهل العلم والتحقيق في بحث هذه الأحاديث ودراستها وبالنظر إلى آحادها فإنه لا يسلم منها طريق إلا أنها مجتمعة لا تنزل عن رتبة الاحتجاج. ومما يعضد هذا الحديث أن القول به هو المعروف المشهور عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ولا يعلم لهم من الصحابة مخالف. قال الإمام النووي في المجموع شرح المهذب (2/80): "إنه قول علي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر رضي الله عنهم، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة"، وقال شيخ الإسـلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (21/266): "وهو قول سلمان الفارسي، وعبد الله بن عمر، وغيرهما، ولا يعلم لهما من الصحابة مخالف".

ومما استدل به بعض القائلين بالوجوب قول الله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] وقد نوقش الاستدلال بالآية من حيث إن المقصود بذلك اللوح المحفوظ وإن المراد بقوله: المطهرون الملائكة وليسوا بني آدم؛ كما هو قول جمهور السلف من الصحابة ومن بعدهم، ومع هذا فقد قال ابن القيم في كتاب التبيان في أقسام القرآن (1/408): "وسمعت شيخ الإسلام -يعني ابن تيمية- يقرر الاستدلال بالآية على أن المصحف لا يمسه المحدث بوجه آخر فقال: هذا من باب التنبيه والإشارة؛ لأنه إذا كانت الصحف التي في السماء لا يمسها إلا المطهرون، فكذلك الصحف التي بأيدينا من القرآن لا ينبغي أن يمسها إلا طاهر، والحديث مشتق من هذه الآية".

وقال شيخ الإسـلام ابن تيمية في شرح العمدة (ص384): "الوجه في هذا، والله أعلم أن الذي في اللوح المحـفوظ هو القرآن الذي في المصحف كما أن الذي في هذا المصحف هو الذي في هذا المصحف بعينه سواء كان المحل ورقاً أو أديماً أو حجراً أو لحافاً، فإذا كان مِنْ حكم الكتاب الذي في السماء أن لا يمسه إلا المطهرون وجب أن يكون الكتاب الذي في الأرض كذلك؛ لأن حرمته كحرمته، أو يكون الكتاب اسم جنس يعم كل ما فيه القرآن سواء كان في السـماء أو الأرض، وقد أوحـــى إلى ذلك قوله تعالى: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً} [البينة:2]، وكذلك قوله تعالى: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} [عبس:13-14]. فوصفها أنها مطهرة فلا يصلح للمحدث مسها".

وقد خالف في ذلك بعض التابعين فقالوا بجواز مس القرآن من المحدث حدثًا أصغر، وهذا مذهب الظاهرية. وفيما تقدم ما يبين ضعف هذا القول.

ومما يفيد التنبه له أن الجمهور القائلين بوجوب الوضوء لمس القرآن ذهب جمهورهم إلى جواز مس الصغار المصحف من غير طهارة، وهذا هو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة والحجة في ذلك أن في تكليف الصبيان وأمرهم بالوضوء حرجًا عليهم، قد يؤدي إلى ترك حفظ القرآن وتعلمه، فأبيح لهم المس لضرورة التعلم، ودفعـًا للحرج والمشقة عنهم، لاسيما وأنهم مرفوع عنهم قلم التكليف، وهذا القول له حظ من النظر كبير، والله تعالى أعلم.
17-10-1424هـ.

المصدر: موقع الشيخ خالد المصلح

خالد بن عبد الله المصلح

محاضر في قسم الفقه في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع القصيم

  • 52
  • 9
  • 443,042

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً