شبهات حول تحريم الربا ومناقشة من استباح الربا
منذ 2011-01-04
السؤال: إنني طالب مقيم في أمريكا، وخلال إقامتي ناقشت بعض المسلمين الذين
يجعلون العقل هو الحكم في قبول أدلة الشرع، فأخذوا يتناقشون في حرمة
الربا، وأن الحال الآن في العالم من العولمة والبورصة العالمية تستلزم
التعامل بالفوائد، ولقد حاولت أن أبين لهم عظم حرمة الربا، ولكن للأسف
من غير فائدة، أرجو من سماحتكم توجيهي في طريقة مناقشتهم والكتب التي
تنصح في قراءتها لمناقشة مثل هذا الصنف من الناس، وجزاكم الله خيراً.
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمن الممكن مناقشة هؤلاء من خلال عدة محاور:
* الأول: بيان ما يجب على المسلم تجاه النصوص الشرعية من التسليم والانقياد لحكم الله، وأن المؤمن لا يكون مؤمناً حقاً حتى يحكم النصوص الشرعية سواء وافقت عقله القاصر وهواه أو لم توافقه، وأن من مقتضى الإيمان بالله أن يسلم العبد لحكمه، يقول سبحانه: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما}.
* الثاني: على العبد أن يوقن دوماً أن حكم الله فيه غاية المصلحة والخير الدنيوي والأخروي للعباد، وأن العبد إذا ظهر له خلاف ذلك فإنما هو لقصوره البشري، لأن الله تعالى هو واضع هذه الأحكام، وهو أدرى بمصالح العباد من أنفسهم، يقول تعالى: {ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون}.
* الثالث: وأما كون النظام السائد في الأسواق العالمية هو نظام الفائدة فهذا لا يعني أنه أفضل من النظام الاقتصادي الإسلامي، لأن انتشار نظام الفائدة كان له أسبابه ومبرراته، ومنها الدعم الكبير الذي حظي به هذا النظام من قبل المؤسسات الرأسمالية وأصحاب النفوذ والسلطة، وهم المستفيد الأول منه، وصاحب ذلك ضعف سياسي عند المسلمين نتج عنه غياب أو انحسار البدائل الشرعية المناسبة، وكون الدول الرأسمالية قد حققت قدراً أكبر من الرفاهية مقارنة بالدول الأخرى لا يرجع ذلك بالضرورة إلى نجاح نظامها الاقتصادي، فثمة عدة عوامل ساعدت على ذلك من أهمها: الاستقرار السياسي، وبناء مؤسسات المجتمع المدني من سلطة تشريعية وقضائية وتنفيذية على نحو تفوقت فيه على كثير من الدول، والأهم من ذلك هو ابتزازها لخيرات الشعوب الأخرى، وتسخيرها لكافة إمكانياتها العسكرية والسياسية والاستخباراتية، لدعم نظامها الاقتصادي، تحت مسميات متعددة، فتارة باسم الاستعمار، وتارة بالضغوط الخارجية، وأحياناً بالحصار الاقتصادي، ومكافحة الإرهاب، وأحياناً بدعوى الإصلاح الإداري، وقل ما شئت من المسميات التي لا تنطوي على عاقل، ويدرك اللبيب أن المقصود منها هو التضييق على بقية الدول وامتصاص خيراتها وإجهاض أي محاولة لمنافسة الدول الاستعمارية.
* الرابع: ولا يخفى على الناظر بتمعن ما سببه النظام الرأسمالي من ويلات ونكبات على الشعوب والمجتمعات، حيث نجد دولاً برمتها تنهار اقتصادياتها في أيام معدودة بسبب الجو الملائم لمثل ذلك الذي أوجده هذا النظام، كما يكفي أن نعرف أن أكثر من نصف سكان الأرض -في ظل النظام الرأسمالي- يعيشون تحت خط الفقر، وأن 5% فقط من العالم تعادل ثروتهم ثروة بقية العالم، بل نجد المؤشرات الاقتصادية داخل الدول الرأسمالية نفسها تشير إلى أن كفة الأغنياء في تصاعد مستمر على حساب الفقراء، ومرد ذلك إلى الآلية التي يسير عليها النظام الرأسمالي والتي من شأنها أن تزيد الغني عنىً والفقير فقراً، فكيف يؤمل بعد ذلك أن يعم الرخاء بسيادة هذا النظام في العالم؟!
* الخامس: وقد ظهرت بعض البدائل المتفقة مع الشريعة الإسلامية في العقدين الماضيين في البلدان الغربية نفسها، فظهر ما يعرف بـ: "صناديق الاستثمار" (Investment funds)، وهي في الحقيقة مبنية على نظام المشاركة في الربح والخسارة الذي عرفه الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، وقد حققت تلك الصناديق نجاحاً منقطع النظير على حساب نظام الفائدة، مما حدا بكثير من الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا إلى أن تجعلها من ضمن الأعمال الأساسية التي تمارسها البنوك التجارية، بعد أن كان مترسخاً في الأذهان لقرون متعددة أن دور المصارف يقتصر على الإقراض بالفوائد، ويكفي أن نعرف أن القيمة السوقية لصناديق الاستثمار في أمريكا وحدها تزيد عن ثلاثة ترليونات دولار، وفي اعتقادي أن صناديق الاستثمار خطوة في الاتجاه الصحيح للتخلص من نظام الفائدة والاعتماد على الاستثمار بنظام الربح المبني على عقد المشاركة.
* السادس: وإتماماً للفائدة أشير إلى مقارنة سريعة بين نظام الربح المبني على المشاركة، ونظام الفائدة المبني على عقد القرض، فقد جاء تحريم الفائدة الربوية وإباحة الربح، في الشريعة الإسلامية، لتحقيق مقاصد عظيمة، ومصالح كبيرة تعود بالخير على البشرية جمعاء، دفعاً للظلم عنهم، وتحقيقاً للعدل بينهم، إلا أن الإنسان ذلك الظلوم الجهول بما يعتري فطرته من الانتكاس والغفلة، لا يتوانى عن الخضوع ذليلاً لكل ما يشرعه أهل الأرض بما تحمله تلك التشريعات من ظلم وجور وطغيان.
فالإسلام حين حرم الفائدة فإنما حرمها لما تنطوي عليه من الظلم والفساد بين العباد، وحين أباح الربح فلما فيه من العدل والإصلاح بين الناس، ولنتأمل في بعض الآثار الاقتصادية لكل منهما:
1 - فالربح يحقق الأهداف التنموية للبلاد، على عكس ما تؤديه الفائدة، ذلك أنه من المعروف أنه فيما عدا بعض القروض التنموية الممنوحة من هيئات متخصصة فإن سوق القروض يعد سوقاً قصير الأجل، بمعنى أن المقرضين في الغالب يتحاشون الإقراض طويل الأجل خوفاً من تقلب أسعار الفائدة أو تدني القوة الشرائية للنقود أو التغير في معدلات الصرف.
لذلك يبدو التعارض قائماً بين أهداف المقرضين وسلوكهم وبين الحاجة للاستثمار طويل الأجل في معظم المجالات الاقتصادية الحيوية، والتي لا تتحقق إلا باعتبار الربح معياراً للإنتاج.
2 - ونظام الربح يضمن تحول رأس المال في المجتمع إلى رأس مال منتج يساهم في المشروعات الصناعية والزراعية وغير ذلك، بينما في نظام الفائدة يودع الناس فائض أموالهم النقدية في البنوك مقابل فائدة منخفضة السعر يقررها البنك لودائعهم، ثم يقوم بتحويل هذه الأموال إلى خارج البلاد واقتضاء فوائد مضمونة عليها، دون أن تشارك هذه الأموال في التنمية الاقتصادية.
3 - الربح عامل توزيع للموارد الاقتصادية بخلاف الفائدة التي تعتبر أداة رديئة ومضللة في تخصيص الموارد، وذلك لأن آلية الربح تشجع على توجيه الأموال إلى الاستثمارات الأعلى جدوى والأكثر إدراراً للعائد، بينما تتحيز الفائدة بصفة رئيسية للمشروعات الكبيرة التي تحصـل بحجة ملاءتها على قروض أكبر بسعر فائدة أقل، بصرف النظر عن إنتاجيتها، مما يساعد على تركيز الثروات في يد قلة قليلة من المرابين.
4 - ولأن الربح ناتج عن ارتباط المال بالعمل فالتدفقات النقدية التي تتحقق وفقاً لهذا النظام مرتبطة بتدفقات مقابلة من السلع والخدمات الضرورية للمجتمع، وذلك بخلاف نظام الفائدة حيث تنطوي عمليات منح الائتمان في المصارف التقليدية على زيادة كمية النقود المعروضة بما يسمح بمزيد من الضغوط التضخمية.
5 - أن البنوك في استغلالها للودائع بنظام الفائدة إنما تخلق نقوداً مصطنعة هي ما يسمونه بالائتمان التجاري، وهي بهذا تغتصب وظيفة الدولة المشروعة في خلق النقود بما يحف هذه الوظيفة من مسئوليات، ولا ينفرد بهذا الرأي علماء المسلمين بل قد أجمع كثير من علماء الاقتصاد في الغرب على أن الائتمان الذي تقدمه البنوك سواء كان في قروض الاستهلاك أو الإنتاج من شأنه أن يزعزع النظام الاقتصادي لأن التعامل في البلاد الرأسمالية لم يعد بالذهب أو بالفضة أو بأوراق النقد إلا في القليل النادر، أما أكثر التعامل فيجرى بالشيكات والثابت بحكم الواقع أن البنوك تميل في أوقات الرخاء إلى التوسع في الإقراض بفتح الاعتمادات التي تربو على رصيدها أضعافاً مضاعفة، وميلها في أوقات الركود إلى الإحجام عنه وإرغام المقترضين على السداد، فهذا البسط والقبض الذي تتحكم فيه إرادة القائمين على المصارف الربوية هو من أهم العوامل التي تهز الكيان الاقتصادي ويفضي إلى تتابع الأزمات.
6 - ولا ينقضي عجب الإنسان حين نعلم أن من علماء المسلمين المتقدمين من تحدث عن الأضرار الاقتصادية للربا وكأنما هو يصف حالة التخبط التي يعيشها العالم الاقتصادي اليوم:
- فيقول الإمام الغزالي رحمه الله: "إنما حرم الربا من حيث إنه يمنع الناس من الاشتغال بالمكاسب، وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة الربا من تحصيل درهم زائد نقداً أو آجلاً خف عليه اكتساب المعيشة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق، ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والصناعة والإعمار".
- ويتحدث ابن القيم عن الضرر الناشئ عند الاسترباح بالنقود وحكمة تحريم ربا الفضل فيقول: "والثمن هو المعيار الذي يعرف به تقويم الأموال، فيجب أن يكون محدوداً مضبوطاً لا يرتفع ولا ينخفض، إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسلع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات، بل الجميع سلع وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورية عامة، وذلك لا يمكن إلا بسعر تعرف به القيمة، وذلك لا يكون إلا بثمن تقوم به الأشياء ويستمر على حالة واحدة، ولا يقوم هو بغيره إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض فتفسد معاملات الناس ويقع الحلف ويشتد الضرر، كما رأيت حد فساد معاملاتهم والضرر اللاحق بهم حين اتخذت الفلوس سلعة تعد للربح فعم الضرر وحصل الظلم، فالأثمان لا تقصد لأعيانها بل يقصد منها التوصل إلى السلع، فإذا صارت في نفسها سلعة تقصد لأعيانها فسد أمر الناس".
- وفي تفسير المنار: "وثم وجد آخر لتحريم الربا من دون البيع، وهو أن النقدين إنما وضعا ليكونا ميزاناً لتقدير قيم الأشياء التي ينتفع بها الناس في معايشهم، فإذا تحول هذا وصار النقد مقصوداً بالاستغلال فإن هذا يؤدي إلى انتزاع الثروة من أيدي أكثر الناس وحصرها في أيدي الذين يجعلون أعمالهم قاصرة على استغلال المال بالمال".
وختاماً فهذه بعض أسماء الكتب المفيدة في الموضوع:
. (نحو نظام نقدي عادل) للدكتور/ محمد عمر شبابرا، وهو من مطبوعات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، وهذا المعهد موجود عندكم في أمريكا، وعنوانه على الشبكة العالمية هو:
http://www.iiit.org
. (موسوعة الاقتصاد الإسلامي) للدكتور/ محمد عبد المنعم جمال.
. بالإضافة إلى عدد من المطبوعات لدى معهد العلوم الإسلامية والعربية في أمريكا، وهو موجود في ولاية فرجينيا، وعنوانه على الشبكة العالمية:
www.iiasa.org
وبإمكانك الاتصال بهم على الرقم: 7032073901 وسيقومون بإذن الله بتزويدك بما تحتاج إليه من كتب.
المصدر: موقع الشيخ حفظه الله تعالى.
فمن الممكن مناقشة هؤلاء من خلال عدة محاور:
* الأول: بيان ما يجب على المسلم تجاه النصوص الشرعية من التسليم والانقياد لحكم الله، وأن المؤمن لا يكون مؤمناً حقاً حتى يحكم النصوص الشرعية سواء وافقت عقله القاصر وهواه أو لم توافقه، وأن من مقتضى الإيمان بالله أن يسلم العبد لحكمه، يقول سبحانه: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما}.
* الثاني: على العبد أن يوقن دوماً أن حكم الله فيه غاية المصلحة والخير الدنيوي والأخروي للعباد، وأن العبد إذا ظهر له خلاف ذلك فإنما هو لقصوره البشري، لأن الله تعالى هو واضع هذه الأحكام، وهو أدرى بمصالح العباد من أنفسهم، يقول تعالى: {ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون}.
* الثالث: وأما كون النظام السائد في الأسواق العالمية هو نظام الفائدة فهذا لا يعني أنه أفضل من النظام الاقتصادي الإسلامي، لأن انتشار نظام الفائدة كان له أسبابه ومبرراته، ومنها الدعم الكبير الذي حظي به هذا النظام من قبل المؤسسات الرأسمالية وأصحاب النفوذ والسلطة، وهم المستفيد الأول منه، وصاحب ذلك ضعف سياسي عند المسلمين نتج عنه غياب أو انحسار البدائل الشرعية المناسبة، وكون الدول الرأسمالية قد حققت قدراً أكبر من الرفاهية مقارنة بالدول الأخرى لا يرجع ذلك بالضرورة إلى نجاح نظامها الاقتصادي، فثمة عدة عوامل ساعدت على ذلك من أهمها: الاستقرار السياسي، وبناء مؤسسات المجتمع المدني من سلطة تشريعية وقضائية وتنفيذية على نحو تفوقت فيه على كثير من الدول، والأهم من ذلك هو ابتزازها لخيرات الشعوب الأخرى، وتسخيرها لكافة إمكانياتها العسكرية والسياسية والاستخباراتية، لدعم نظامها الاقتصادي، تحت مسميات متعددة، فتارة باسم الاستعمار، وتارة بالضغوط الخارجية، وأحياناً بالحصار الاقتصادي، ومكافحة الإرهاب، وأحياناً بدعوى الإصلاح الإداري، وقل ما شئت من المسميات التي لا تنطوي على عاقل، ويدرك اللبيب أن المقصود منها هو التضييق على بقية الدول وامتصاص خيراتها وإجهاض أي محاولة لمنافسة الدول الاستعمارية.
* الرابع: ولا يخفى على الناظر بتمعن ما سببه النظام الرأسمالي من ويلات ونكبات على الشعوب والمجتمعات، حيث نجد دولاً برمتها تنهار اقتصادياتها في أيام معدودة بسبب الجو الملائم لمثل ذلك الذي أوجده هذا النظام، كما يكفي أن نعرف أن أكثر من نصف سكان الأرض -في ظل النظام الرأسمالي- يعيشون تحت خط الفقر، وأن 5% فقط من العالم تعادل ثروتهم ثروة بقية العالم، بل نجد المؤشرات الاقتصادية داخل الدول الرأسمالية نفسها تشير إلى أن كفة الأغنياء في تصاعد مستمر على حساب الفقراء، ومرد ذلك إلى الآلية التي يسير عليها النظام الرأسمالي والتي من شأنها أن تزيد الغني عنىً والفقير فقراً، فكيف يؤمل بعد ذلك أن يعم الرخاء بسيادة هذا النظام في العالم؟!
* الخامس: وقد ظهرت بعض البدائل المتفقة مع الشريعة الإسلامية في العقدين الماضيين في البلدان الغربية نفسها، فظهر ما يعرف بـ: "صناديق الاستثمار" (Investment funds)، وهي في الحقيقة مبنية على نظام المشاركة في الربح والخسارة الذي عرفه الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، وقد حققت تلك الصناديق نجاحاً منقطع النظير على حساب نظام الفائدة، مما حدا بكثير من الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا إلى أن تجعلها من ضمن الأعمال الأساسية التي تمارسها البنوك التجارية، بعد أن كان مترسخاً في الأذهان لقرون متعددة أن دور المصارف يقتصر على الإقراض بالفوائد، ويكفي أن نعرف أن القيمة السوقية لصناديق الاستثمار في أمريكا وحدها تزيد عن ثلاثة ترليونات دولار، وفي اعتقادي أن صناديق الاستثمار خطوة في الاتجاه الصحيح للتخلص من نظام الفائدة والاعتماد على الاستثمار بنظام الربح المبني على عقد المشاركة.
* السادس: وإتماماً للفائدة أشير إلى مقارنة سريعة بين نظام الربح المبني على المشاركة، ونظام الفائدة المبني على عقد القرض، فقد جاء تحريم الفائدة الربوية وإباحة الربح، في الشريعة الإسلامية، لتحقيق مقاصد عظيمة، ومصالح كبيرة تعود بالخير على البشرية جمعاء، دفعاً للظلم عنهم، وتحقيقاً للعدل بينهم، إلا أن الإنسان ذلك الظلوم الجهول بما يعتري فطرته من الانتكاس والغفلة، لا يتوانى عن الخضوع ذليلاً لكل ما يشرعه أهل الأرض بما تحمله تلك التشريعات من ظلم وجور وطغيان.
فالإسلام حين حرم الفائدة فإنما حرمها لما تنطوي عليه من الظلم والفساد بين العباد، وحين أباح الربح فلما فيه من العدل والإصلاح بين الناس، ولنتأمل في بعض الآثار الاقتصادية لكل منهما:
1 - فالربح يحقق الأهداف التنموية للبلاد، على عكس ما تؤديه الفائدة، ذلك أنه من المعروف أنه فيما عدا بعض القروض التنموية الممنوحة من هيئات متخصصة فإن سوق القروض يعد سوقاً قصير الأجل، بمعنى أن المقرضين في الغالب يتحاشون الإقراض طويل الأجل خوفاً من تقلب أسعار الفائدة أو تدني القوة الشرائية للنقود أو التغير في معدلات الصرف.
لذلك يبدو التعارض قائماً بين أهداف المقرضين وسلوكهم وبين الحاجة للاستثمار طويل الأجل في معظم المجالات الاقتصادية الحيوية، والتي لا تتحقق إلا باعتبار الربح معياراً للإنتاج.
2 - ونظام الربح يضمن تحول رأس المال في المجتمع إلى رأس مال منتج يساهم في المشروعات الصناعية والزراعية وغير ذلك، بينما في نظام الفائدة يودع الناس فائض أموالهم النقدية في البنوك مقابل فائدة منخفضة السعر يقررها البنك لودائعهم، ثم يقوم بتحويل هذه الأموال إلى خارج البلاد واقتضاء فوائد مضمونة عليها، دون أن تشارك هذه الأموال في التنمية الاقتصادية.
3 - الربح عامل توزيع للموارد الاقتصادية بخلاف الفائدة التي تعتبر أداة رديئة ومضللة في تخصيص الموارد، وذلك لأن آلية الربح تشجع على توجيه الأموال إلى الاستثمارات الأعلى جدوى والأكثر إدراراً للعائد، بينما تتحيز الفائدة بصفة رئيسية للمشروعات الكبيرة التي تحصـل بحجة ملاءتها على قروض أكبر بسعر فائدة أقل، بصرف النظر عن إنتاجيتها، مما يساعد على تركيز الثروات في يد قلة قليلة من المرابين.
4 - ولأن الربح ناتج عن ارتباط المال بالعمل فالتدفقات النقدية التي تتحقق وفقاً لهذا النظام مرتبطة بتدفقات مقابلة من السلع والخدمات الضرورية للمجتمع، وذلك بخلاف نظام الفائدة حيث تنطوي عمليات منح الائتمان في المصارف التقليدية على زيادة كمية النقود المعروضة بما يسمح بمزيد من الضغوط التضخمية.
5 - أن البنوك في استغلالها للودائع بنظام الفائدة إنما تخلق نقوداً مصطنعة هي ما يسمونه بالائتمان التجاري، وهي بهذا تغتصب وظيفة الدولة المشروعة في خلق النقود بما يحف هذه الوظيفة من مسئوليات، ولا ينفرد بهذا الرأي علماء المسلمين بل قد أجمع كثير من علماء الاقتصاد في الغرب على أن الائتمان الذي تقدمه البنوك سواء كان في قروض الاستهلاك أو الإنتاج من شأنه أن يزعزع النظام الاقتصادي لأن التعامل في البلاد الرأسمالية لم يعد بالذهب أو بالفضة أو بأوراق النقد إلا في القليل النادر، أما أكثر التعامل فيجرى بالشيكات والثابت بحكم الواقع أن البنوك تميل في أوقات الرخاء إلى التوسع في الإقراض بفتح الاعتمادات التي تربو على رصيدها أضعافاً مضاعفة، وميلها في أوقات الركود إلى الإحجام عنه وإرغام المقترضين على السداد، فهذا البسط والقبض الذي تتحكم فيه إرادة القائمين على المصارف الربوية هو من أهم العوامل التي تهز الكيان الاقتصادي ويفضي إلى تتابع الأزمات.
6 - ولا ينقضي عجب الإنسان حين نعلم أن من علماء المسلمين المتقدمين من تحدث عن الأضرار الاقتصادية للربا وكأنما هو يصف حالة التخبط التي يعيشها العالم الاقتصادي اليوم:
- فيقول الإمام الغزالي رحمه الله: "إنما حرم الربا من حيث إنه يمنع الناس من الاشتغال بالمكاسب، وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة الربا من تحصيل درهم زائد نقداً أو آجلاً خف عليه اكتساب المعيشة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق، ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والصناعة والإعمار".
- ويتحدث ابن القيم عن الضرر الناشئ عند الاسترباح بالنقود وحكمة تحريم ربا الفضل فيقول: "والثمن هو المعيار الذي يعرف به تقويم الأموال، فيجب أن يكون محدوداً مضبوطاً لا يرتفع ولا ينخفض، إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسلع لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات، بل الجميع سلع وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورية عامة، وذلك لا يمكن إلا بسعر تعرف به القيمة، وذلك لا يكون إلا بثمن تقوم به الأشياء ويستمر على حالة واحدة، ولا يقوم هو بغيره إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض فتفسد معاملات الناس ويقع الحلف ويشتد الضرر، كما رأيت حد فساد معاملاتهم والضرر اللاحق بهم حين اتخذت الفلوس سلعة تعد للربح فعم الضرر وحصل الظلم، فالأثمان لا تقصد لأعيانها بل يقصد منها التوصل إلى السلع، فإذا صارت في نفسها سلعة تقصد لأعيانها فسد أمر الناس".
- وفي تفسير المنار: "وثم وجد آخر لتحريم الربا من دون البيع، وهو أن النقدين إنما وضعا ليكونا ميزاناً لتقدير قيم الأشياء التي ينتفع بها الناس في معايشهم، فإذا تحول هذا وصار النقد مقصوداً بالاستغلال فإن هذا يؤدي إلى انتزاع الثروة من أيدي أكثر الناس وحصرها في أيدي الذين يجعلون أعمالهم قاصرة على استغلال المال بالمال".
وختاماً فهذه بعض أسماء الكتب المفيدة في الموضوع:
. (نحو نظام نقدي عادل) للدكتور/ محمد عمر شبابرا، وهو من مطبوعات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، وهذا المعهد موجود عندكم في أمريكا، وعنوانه على الشبكة العالمية هو:
http://www.iiit.org
. (موسوعة الاقتصاد الإسلامي) للدكتور/ محمد عبد المنعم جمال.
. بالإضافة إلى عدد من المطبوعات لدى معهد العلوم الإسلامية والعربية في أمريكا، وهو موجود في ولاية فرجينيا، وعنوانه على الشبكة العالمية:
www.iiasa.org
وبإمكانك الاتصال بهم على الرقم: 7032073901 وسيقومون بإذن الله بتزويدك بما تحتاج إليه من كتب.
المصدر: موقع الشيخ حفظه الله تعالى.
- التصنيف: