قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية بعد الإمام
أرجو إفادتي بجوابٍ حازمٍ عن قراءة الفاتحة بعد الإمام في الصلاة الجهرية، مع أن الإمام لا يترُكُ وقتًا لنا للقراءة بعده؛ حيثُ يصل الفاتحة بسورةٍ أخرى مباشرةً، وقد تكونُ السورة قصيرةً جدًّا بِحيث لا يتسنّى القراءة بعده، وحين مراجعته في هذا الأمر يُخبرنا بأنَّ قِراءته تكفي، فما هو الصواب؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقراءة الفاتحة رُكْنٌ من أركان الصلاة، في حق الإمام والمأموم والمنفرد؛ لعموم قولِه صلى الله عليه وسلم: "لا صلاةَ لِمَن لم يقرأْ بفاتحة الكتاب" (متَّفق عليه)، ولأحْمد بلفظ: "لا تُقْبَل صلاةٌ لا يُقْرَأ فيها بأمِّ القرآن"، وروى رواه أحمد وأبو داود عن عبادة بْنِ الصَّامِتِ قَالَ كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى صَلاَةِ الْفَجْرِ فَقَرَأَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: "لعلَّكم تقرءون خلفَ إمامكم؟" قالوا: نعم قال: "لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنَّه لا صلاة لِمَن لم يقرأْ بِها" (وصححه البخاري).
وروى الجماعة إلا البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: "مَنْ صلَّى صلاةً لَمْ يقرأ فيها بأمِّ القُرْآن فهي خِداج -ثلاثًا- غير تمام" فقيل لأبي هريرة: إنَّا نكون وراء الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك..؛ الحديثَ، وهو ظاهرٌ في وجوب القراءة خلفَ الإمام؛ لأنَّ الله تعالى قد تعبَّدنا بصلاة كاملة، والأصل أنَّ الصلاة الناقصة لا تُسمَّى صلاة حقيقة.
وهذه الأحاديثُ وغيْرُها نصوصٌ في مَحلِّ النِّزاع، وهي أخصُّ مما احتج به من لم يوجب القراءة، مثل قولِه عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] وقولِه صلى الله عليه وسلَّم: "إنَّما جُعِلَ الإمام ليؤتَمَّ به فلا تَختَلِفوا عليه، فإذا كبَّر فكبِّروا وإذا قرأ فأنْصِتوا" الحديثَ، (رواه مسلم).
قال الشوكاني في "النَّيل": "... قد عرفت مما سلف وجوب الفاتحة على كل إمام ومأموم في كل ركعة، وعرفناك أن تلك الأدلة صالحة للاحتجاج بها على أن قراءة الفاتحة من شروط صحة الصلاة، فمن زعم أنها تصح صلاة من الصلوات أو ركعة من الركعات بدون فاتحة الكتاب فهو محتاج إلى إقامة برهان يخصص تلك الأدلة". اهـ.
أمَّا كونُ الإمام لا يترُكُ لَكُمْ وقتًا للقراءة فلا يُسْقِطُ عنكم قراءةَ الفاتِحة، فيُمْكِنك أن تقرأ في سَكَتَاتِه؛ كما هو مذهبُ الحنابلة، فانْ لم يتيسَّر قرأتها سِرًّا والإمام يقرأ؛ كما قال أبو هريرة، ولحديث عبادة السابق وفي رواية أبو داود والنسائي "فلا تقرؤوا مِنْ الْقُرْآنِ إذَا جَهَرْت بِهِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ"، وفي رواية الدراقطني "لَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إذَا جَهَرْت بِالْقِرَاءَةِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ" وهي ظاهر في استثناء قراءة فاتحة الكتاب وراء الإمام من النهي عن القراءة معه.
أمَّا قولُ الإمام لكُمْ إنَّ قراءَتَه تكفي؛ فهو مذهبُ الجُمهور كما سبق بيانُه في فتوى سابقة، وبينا أنَّ الرَّاجح خلافه وهي بعنوان: "قراءة الفاتحة خلف الإمام"،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: