هل يزوج الرجل في الجنة الحور العين رغمًا عنه؟
هل الرجل المتزوِّج في الدنيا ويُحب زوجته ولا يريد غيرها في الآخِرة يزوَّج بِالحور العِين رغمًا عنْهُ مع العلم بأنه لا يُريد سوى زوجته؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالواجبُ على المُسلِم التَّسليمُ لقَدَرِ الله، فأحكامُه وأفعالُه كلُّها لا تَخلو عن حِكمةٍ بالغة، وعلمٍ واسعٍ، وتنزُّه عن البغي والظلم؛ قال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]، وقال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]، {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف: 6].
والله عز وجل: {لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون} [الأنبياء: 23]، ويُعْطِي عِباده ما شاء تفضُّلاً منْهُ سُبحانه، ويَمنعُهم مِمَّا يشاء، لا معقِّبَ لِحُكمه ولا رادَّ لقضائه، ولا مُلْزِمَ يُلزمه برعاية مصالح عباده، فمن ظهرت له الحِكْمةُ فبها ونعمت ومن غاب عنه شيء فليبحث عن جوابه عند أهل العلم.
أما أهل الجنَّة فإن اللهُ تعالى يُزيل ما في قُلوبهم من غِلٍّ وأحقادٍ وغَيْرِها من أمراضِ أهل الدنيا، وقد يكونُ ما لا يتمنَّاه الإنسان في الحياة الدنيا، هو غاية أمانيه هُناك، وما تقرُّ به عينُه وتشتهيه نفسُه، وقد يَكُونُ ما تشتهيهِ نفسُه الآن لا يَخطر بباله أصلاً هناك، فهذه الدار تَختَلِفُ عن تلك الدار جُملةً وتفصيلاً، وليس بينهما اشتراكٌ إلا في الأسماء، فما عليك ألا أنْ تُحَقِّق الإيمان بالله تعالى، وما يقتضيهِ ذلك من اعتقادٍ وقولٍ وعمل، ثُمَّ اسألِ اللَّهَ الفِرْدوْس الأعلى من الجنَّة.
ولِيَكُن همّك دخول الجنَّة، والنجاة من النار، فإذا دخلتَ الجنَّة فإنَّ لك ما تشتهيهِ نفسُك وتقرُّ به عينُك، ولن تَضِلَّ فيها ولا يشقَى، ففيها ما لا عَيْنٌ رأَتْ ولا أُذُنٌ سمِعتْ ولا خطر على قلب بشر، وفيها ما تشتهيهِ الأنْفُس وتلَذُّ الأعين، وإنَّ أَدْنَى أهْلِ الجنَّة منزلة عنده مثلَ الدُّنيا وعشَرة أمثالِها، وقد وَرَدَ في الحديث أبي سعيدٍ الخُدْري رضي الله عنه إنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "قال الله: لك ذلك وعشَرةُ أمثالِه" (متفق عليه).
قال تعالى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف: 71]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا . خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: 107، 108].
ولتَحْذَرْ -أخي الكريم- من التَّفكير في مثْلِ هذه الأُمُورِ، فهو من التَّرف العقْلِي الذي يضُرُّ بدين صاحبِه؛ فقد روى أبو داود أنَّ عبداللهِ بْنَ مغفل أنه سَمِعَ ابنَه يقول: اللَّهُمَّ إني أسألُك القَصْرَ الأبْيَضَ عن يَمينِ الجنَّة إذا دخَلْتُها، فقال: أي بُنيَّ، سلِ اللهَ الجنَّة وتعوَّذ به من النَّار؛ فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "إنَّه سيكونُ في هذه الأُمَّة قومٌ يَعتدونَ في الطُّهور والدُّعاء"،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: