رسالة في التوسل والوسيلةالجزءالسابع والعشرون.

منذ 2006-12-01
السؤال: رسالة في التوسل والوسيلةالجزءالسابع والعشرون.
الإجابة: وأما إذا قال السائل‏:‏ بحق فلان وفلان، فأولئك إذا كان لهم عند الله حق ألا يعذبهم وأن يكرمهم بثوابه ويرفع درجاتهم ـ كما وعدهم بذلك وأوجبه على نفسه ـ فليس فى استحقاق أولئك ما استحقوه من كرامة الله ما يكون سبباً لمطلوب هذا السائل، فإن ذلك استحق ما استحقه بما يسره الله له من الإيمان والطاعة‏.‏وهذا لا يستحق ما استحقه ذلك‏.‏فليس فى إكرام الله لذلك سبب يقتضى إجابة هذا‏.‏
وإن قال‏:‏ السبب هو شفاعته ودعاؤه فهذا حق، إذا كان قد شفع له ودعا له، وإن لم يشفع له ولم يدع له لم يكن هناك سبب‏.‏
وإن قال‏:‏ السبب هو محبتى له وإيمانى به وموالاتى له، فهذا سبب شرعى، وهو سؤال الله وتوسل إليه بإيمان هذا السائل ومحبته لله ورسوله، وطاعته لله ورسوله، لكن يجب الفرق بين المحبة لله والمحبة مع الله‏:‏ فمن أحب مخلوقاً كما يحب الخالق فقد جعله نداً لله، وهذه المحبة تضره ولا تنفعه، وأما من كان الله تعالى أحب إليه مما سواه، وأحب أنبياءه وعباده الصالحين له، فحبه لله تعالى هو أنفع الأشياء، والفرق بين هذين من أعظم الأمور‏.‏
فإن قيل‏:‏ إذا كان التوسل بالإيمان به ومحبته وطاعته على وجهين ـ تارة يتوسل بذلك إلى ثوابه وجنته، وهذا أعظم الوسائل،
وتارة يتوسل بذلك فى الدعاء كما ذكرتم نظائره ـ فيحمل قول القائل‏:‏ أسألك بنبيك محمد، على أنه أراد‏:‏ إنى أسألك بإيمانى به وبمحبته، وأتوسل إليك بإيمانى به ومحبته، ونحو ذلك، وقد ذكرتم أن هذا جائز بلا نزاع‏.
‏ قيل‏:‏ من أراد هذا المعنى فهو مصيب فى ذلك بلا نزاع، وإذا حمل على هذا المعنى كلام من توسل بالنبى صلى الله عليه وسلم بعد مماته من السلف ـ كما نقل عن بعض الصحابة والتابعين وعن الإمام أحمد وغيره ـ كان هذا حسنا، وحينئذ فلا يكون فى المسألة نزاع‏.‏ولكن كثير من العوام يطلقون هذا اللفظ ولا يريدون هذا المعنى، فهؤلاء الذين أنكر عليهم من أنكر‏.‏
وهذا كما أن الصحابة كانوا يريدون بالتوسل به التوسل بدعائه وشفاعته، وهذا جائز بلا نزاع، ثم إن أكثر الناس فى زماننا لا يريدون هذا المعنى بهذا اللفظ‏.‏
فإن قيل‏:‏ فقد يقول الرجل بغيره‏:‏ بحق الرحم، قيل‏:‏ الرحم توجب على صاحبها حقا لذى الرحم، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ}[‏النساء‏:‏ 1‏]‏ وقال النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏""‏الرحم شَجْنَةٌ ‏[‏شَجْنَة‏:‏ أى قرابة مُشْتبِكة كاشتباك العروق‏.‏ انظر‏:‏ النهاية فى غريب الحديث 2447‏]‏، من الرحمن، من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله" وقال‏:‏ ‏""‏لما خلق الله الرحم تعلقت بِحَقْوِ الرحمن وقالت‏:‏ هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال‏:‏ ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ‏؟‏ قالت‏:‏ بلى قد رضيت‏"‏، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏""‏يقول الله تعالى‏:‏ أنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمى، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته"‏‏.‏
وقد روى عن علىٍّ أنه كان إذا سأله ابن أخيه بحق جعفر أبيه، أعطاه لحق جعفر على عليَّ‏.‏ وحق ذى الرحم باق بعد موته، كما فى الحديث‏:‏ أن رجلا قال‏:‏ يا رسول الله، هل بقى من بر أبوى شىء أبرهما به بعد موتهما ‏؟‏ قال‏:‏ ‏""‏نعم، الدعاء لهما والاستغفار لهما، وإنفاذ وعدهما من بعدهما، وصلة رحمك التى لا رحم لك إلا من قبلهما‏"‏، وفى الحديث الآخر ـ حديث ابن عمر ـ‏:‏ ‏""من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولى‏".‏
فصلة أقارب الميت وأصدقائه بعد موته هو من تمام بره‏.‏
والذى قاله أبو حنيفة وأصحابه وغيرهم من العلماء ـ من أنه لا يجوز أن يسأل الله تعالى بمخلوق‏:‏ لا بحق الأنبياء ولا غير ذلك ـ يتضمن شيئين ـ كما تقدم ـ ‏:‏
أحدهما‏:‏ الإقسام على الله ـ سبحانه وتعالى ـ به، وهذا منهى عنه عند جماهير العلماء كما تقدم، كما ينهى أن يقسم على الله بالكعبة والمشاعر باتفاق العلماء‏.‏
والثانى‏:‏ السؤال به، فهذا يجوزه طائفة من الناس، ونقل فى ذلك آثار عن بعض السلف، وهو موجود فى دعاء كثير من الناس، لكن ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك كله ضعيف بل موضوع‏.‏وليس عنه حديث ثابت قد يظن أن لهم فيه حجة، إلا حديث الأعمى الذى علمه أن يقول‏:‏ ‏[‏أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة‏]‏، وحديث الأعمى لا حجة لهم فيه، فإنه صريح فى أنه إنما توسل بدعاء النبى صلى الله عليه وسلم وشفاعته، وهو طلب من النبى صلى الله عليه وسلم الدعاء، وقد أمره النبى صلى الله عليه وسلم أن يقول‏:‏ ‏""‏اللهم شفعه فى"‏‏.‏
ولهذا رد الله عليه بصره لما دعا له النبى صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك مما يعد من آيات النبى صلى الله عليه وسلم‏.‏ولو توسل غيره من العميان، الذين لم يدع لهم النبى صلى الله عليه وسلم بالسؤال به، لم تكن حالهم كحاله‏.
ودعاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فى الاستسقاء المشهور بين المهاجرين والأنصار، وقوله‏:‏ ""‏اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا‏":‏ يدل على أن التوسل المشروع عندهم هو التوسل بدعائه وشفاعته لا السؤال بذاته؛ إذ لو كان هذا مشروعاً لم يعدل عمر والمهاجرين والأنصار عن السؤال بالرسول إلى السؤال بالعباس‏.‏
وشاع النزاع فى السؤال بالأنبياء والصالحين، دون الإقسام بهم؛ لأن بين السؤال والإقسام فرقاً، فإن السائل متضرع ذليل يسأل بسبب يناسب الإجابة، والمقسم أعلى من هذا، فإنه طالب مؤكد طلبه بالقسم، والمقسم لا يقسم إلا على من يرى أنه يبر قسمه، فإبرار القسم خاص ببعض العباد‏.‏
  • 2
  • 0
  • 20,277

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً