حكم العمل الإضافي أثناء الوظيفة الرسمية

منذ 2013-02-15
السؤال:

إنه موظفٌ في شركة، والعمل الذي يقوم به قليلٌ بالنسبة لفترة دوامه، وإنه يعمل عملاً آخر يُدر عليه دخلاً أثناء الدوام الرسمي من خلال شبكة الإنترنت المتوفرة في محل العمل، فما الحكم الشرعي في ذلك، أفيدونا؟

الإجابة:

الموظف سواء كان في جهة حكومية أو غير حكومية تنطبق عليه أحكام الأجير الخاص في الفقه الإسلامي، والأجير الخاص هو من يعمل لمعينٍ عملاً. ويستحق الأجر بتسليم نفسه في المدة؛ لأن منافعه صارت مستحقة لمن استأجره في مدة العقد. الموسوعة الفقهية الكويتية 1/288.

وورد في مجلة الأحكام العدلية في المادة "422": "الأجير على قسمين: القسم الأول: هو الأجير الخاص الذي استؤجر على أن يعمل للمستأجر فقط كالخادم الموظف". وجاء في شرح المجلة: "أما الأجير الخاص؛ فليس له أن يلتزم عملاً لغير مستأجره، أو مستأجريه في المدة التي استؤجر فيها؛لأن منافعه في هذه المدة لمستأجره، أو مستأجريه؛ فلا يمكنه تمليكها في عين الوقت لغيرهم" درر الحكام شرح مجلة الأحكام 1/386.

ومن المقرر عند الفقهاء أن الأجير الخاص يستحق الأجرة متى سلَّم نَفْسَّه للمستأجر ولم يشترطوا أن يعمل فعلاً؛ لأن إجارة الأجير الخاص ليست على العمل، وإنما على حبسِ نفسه لجهة العمل في وقت العمل، وكما في السؤال يوجد لدى الموظف وقتُ فراغٍ كبيرٍ، والمسؤول عن ذلك المستأجر وليس الأجير، قال الكمال بن الهمام الحنفي في فتح القدير: "إجارة أجير الوَحْد -الأجير الخاص- ليست بعقدٍ على العمل، ولهذا يستحق أجير الوَحْد الأجرة بتسليم نفسه في المدة، وإن لم يعمل كما صرحوا به قاطبة كما سيأتي في الكتاب، ولو كانت عقداً على العمل، لما استحقها بدون العمل، بل إنما هي عقدٌ على منافع نفسه مطلقاً، ولهذا لا يتمكن من إيجاب منافعه لغيره".

وقال الزيلعي: "الأجير الخاص يستحق الأجرة بتسليم نفسه للعمل، عمل أو لم يعمل، سمي أجيراً خاصاً وأجير وحْدٍ؛ لأنه يختص به الواحد، وهو المستأجر وليس له أن يعمل لغيره؛ لأن منافعه في المدة صارت مستحقة له والأجر مُقَابَلٌ بها" تبيين الحقائق 5/137.

وقال ابن رجب الحنبلي: "الأجير الخاص إذا أسلم نفسه إلى مستأجره فلم يستعمله استقرت له الأجرة لتلف منافعه تحت يده"قواعد ابن رجب 2/179.
وورد في المادة 425من المجلة: "الأجير الخاص يستحق الأجرة إذا كان في مدة الإجارة حاضراً للعمل، ولا يشترط عمله بالفعل، ولكن ليس له أن يمتنع عن العمل، وإذا امتنع لا يستحق الأجرة" وجاء في شرح المجلة: "ومعنى كونه حاضراً للعمل أن يسلم نفسه للعمل، ويكون قادراً، وفي حال تمكنه من إيفاء ذلك العمل... وإنما لا يشترط عمل الأجير الخاص بالفعل كما ورد في هذه المادة؛ لأنه لما كانت منافع الأجير مدة الإجارة مستحقة للمستأجر، وتلك المنافع قد تهيئت والأجرة مقابل المنافع، فالمستأجر إذا قصَّر في استعمال الأجير ولم يكن للأجير مانعٌ حسيٌ عن العمل كمرض ومطرٍ فللأجير أخذ الأجرة ولو لم يعمل" درر الحكام شرح مجلة الأحكام1/387.

وقال البهوتي الحنبلي: "وليس له أي الأجير الخاص أن يعمل لغيره أي غير مستأجره، لأنه يفوت عليه ما استحقه بالعقد" كشاف القناع عن متن الإقناع12/309.

إذا تقرر هذا فإن كل وقت الموظف ملك لمن وظفه، وبالتالي لا يجوز للموظف أن يصرف شيئاً من وقت العمل لجهة أخرى سواء أكان ذلك بأجرٍ أو بدون أجرٍ، إلا إذا أذن المسؤول بذلك، ومن المعلوم أن الأصل في الموظف أن يفي بالعقد الموقع معه، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1]. فهذه الآية الكريمة عامة تشمل كل العقود والعهود والالتزامات التي يلتزم بها الشخص مع غيره، قال الحسن البصري: "يعني بذلك عقود الدِّين، وهي ما عقده المرء على نفسه، من بيعٍ وشراءٍ وإجارةٍ وكراءٍ ومناكحةٍ وطلاقٍ ومزارعةٍ ومصالحةٍ وتمليكٍ وتخييرٍ وعتقٍ وتدبيرٍ وغير ذلك من الأمور، ما كان ذلك غيرُ خارجٍ عن الشريعة، وكذلك ما عقده على نفسه لله من الطاعات، كالحج والصيام والاعتكاف والقيام والنذر، وما أشبه ذلك من طاعات ملة الإسلام... وقال الزجاج: المعنى أوفوا بعقد الله عليكم، وبعقدكم بعضكم على بعض. وهذا كله راجعٌ إلى القول بالعموم، وهو الصحيح في الباب" تفسير القرطبي 6/32.

ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرَّم حلالاً أو أحلَّ حراماً" (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح ورواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم لكنه بدون الاستثناء ورواه كذلك الحاكم وأبو داود عن أبي هريرة بلفظ "المسلمون عند شروطهم" أي بدون الاستثناء وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/142).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الوفاء بها أي بالالتزامات التي التزم بها الإنسان من الواجبات التي اتفقت عليها الملل بل العقلاء جميعاً" مجموع الفتاوى 29/516 والقواعد النورانية ص53.

وكذلك فإن الأصل في الموظف أنه أجيرٌ كما سبق، والأجير لا بد أن يكون أميناً، ويدخل في الأمانة حسن أداء العمل. قال الله تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26]. ويقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58]. قال ابن كثيرٍ في تفسير الآية الكريمة: "يخبرُ تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها، وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك" (رواه الإمام أحمد وأهل السنن-حديثٌ صحيحٌ- ) وهذا يعمُّ جميعَ الأمانات الواجبة على الإنسان، من حقوق الله عز وجل على عباده، من الصلوات والزكوات، والكفارات والنذور والصيام، وغير ذلك، مما هو مؤتمنٌ عليه لا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض، كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به بعضهم على بعضٍ... فأمر الله عز وجل بأدائها، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا؛ أُخذ منه ذلك يوم القيامة، كما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لتؤدنَّ الحقوقَ إلى أهلها، حتى يُقتصَ للشاة الجماء من القرناء" تفسير ابن كثير2/338.

ويقول تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون:8]. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدَّى الذي عليه فيها" (رواه مسلم).

وأما بالنسبة لاستخدام الإنترنت للكسب أثناء فترة العمل؛ فهذا أمرٌ محرمٌ شرعاً؛ لأن أدوات العمل تستعمل حسب تعليمات صاحب العمل، وصاحب العمل لم يأذن باستخدام الإنترنت في الكسب أثناء العمل، وبالتالي فما يكسبه الموظف أثناء عمله الرسمي بدون إذن صاحب العمل يعتبر كسباً حراماً، وهو أيضاً من باب أكل أموال الناس بالباطل قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [النساء:29].

وصح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "إن دمائكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم" (رواه البخاري ومسلم).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه "وسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" (رواه مسلم). وورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس" (رواه أحمد والبيهقي والطبراني والدار قطني وغيرهم وقال العلامة الألباني: صحيح، إرواء الغليل 5/279). وجاء في رواية أخرى عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل للرجل أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفسه" وذلك لشدة ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال المسلم على المسلم (رواه أحمد وغيره وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في غاية المرام ص 263.(

وورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والله لا يأخذ أحدٌ منكم شيئاً بغير حقٍ إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة" (رواه البخاري ومسلم). وإذا ألحق الموظف ضرراً بمشغله نتيجة عمله أثناء وقت العمل المتفق عليه، فللمستأجر أن يطالبه بتعويضٍ عن ذلك الضرر، قال البهوتي الحنبلي: "فإن عمل الأجيرُ الخاص لغير مستأجره وأضر بالمستأجر فله أي المستأجر قيمة ما فوته من منفعته عليه بعمله لغيره. قال أحمد في رجلٍ استأجر أجيراً على أن يحتطب له على حمارين كل يوم، فكان الرجل ينقل عليهما وعلى حميرٍ لرجل آخر، ويأخذ منه الأجرة، فإن كان يَدخلُ عليه ضررٌ يرجع عليه بالقيمة، قال في المغني: فظاهر هذا أن المستأجر يرجع على الأجير بقيمة ما استضر باشتغاله عن عمله، قال: ويحتمل أنه أراد أنه يرجع عليه بقيمة ما عمله لغيره. وقال القاضي: معناه يرجع بالأجر الذي أخذه من الآخر، لأن منافعه في هذه المدة مملوكة لغيره فما حصل في مقابلتها يكون للذي استأجره انتهى" كشاف القناع عن متن الإقناع 12/310.

وخلاصة الأمر أن الموظف الحكومي وغير الحكومي تنطبق عليه أحكام الأجير الخاص في الفقه الإسلامي فلا يجوز له أن يعمل مع أحدٍ آخر في وقت عمله الرسمي؛ لأن وقته ليس له، بل لمستأجره أي لصاحب العمل. وحتى لو كان عنده وقت فراغ أثناء دوامه الرسمي، لأن ذمة الموظف مشغولة بنفس العمل، فلا يمكن إشغالها بعملٍ آخر، والقاعدة الفقهية تقول: المشغول لا يُشغَل. ويستثنى من ذلك فيما لو أَذنَ صاحب العمل بذلك فلا حرج حينئذٍ.
الجمعة, 18 نوفمبر 2011.

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.

  • 8
  • 0
  • 60,073

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً