إدراك الإمام في التشهد الأخير
أدركتُ الجماعة في التَّشهُّد الأخير، هل أصلي معهم أم أنتظر وأكون جماعة أخرى؟ وهل ستُحْتَسب لي جماعة أم لا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّه يُستَحَبُّ لِلمسلم أن يُبَكّر إلى المسجد، ويسارع متى ما سمع النداء، ولا يتأخَّر إلا لعذر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال قوم يتأخَّرونَ حتَّى يؤخّرهم الله" (رواه مسلم).
وإذا دخل المسبوق والإمام على حال تابعه على تلك الحال، حتى لو وجد الإمام جالساً لِلتشهُّد الأخير فإنَّ المشروعَ له أن يدخل معه، فيكبّر أولاً وهو واقف تكبيرة الإحرام، ثم يكبّر تكبيرة الانتقال ويجلس ويقرأ التحيات معهم، فإذا سلَّم الإمامُ التسليمَتَيْنِ قام وقضى صلاتَهُ وكمَّلها ويكون مُدْرِكًا لِلجماعة؛ وهو مذهب الجمهور، واستدلّوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "فما أدركتم فصلُّوا وما فاتكم فأتِمُّوا" (متَّفقٌ عليْه من حديث أبي هريرة).
قال الحافظ العراقي في "طرح التثريب": "استُدلَّ به على إدراك الجماعة بجزء من الصلاة وإن قَلَّ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: "فما أدركتم فصلوا" ولم يفصل بين القليل والكثير".
وقال ابنُ حزم: "وهذا زائدٌ على الخبر الذي فيه "مَن أدرك من الصلاة مع الإمام ركعةً فقَدْ أَدْرَكَ الصلاة"، قال: ورُوِّينا عنِ ابن مسعود أنه أدرك قومًا جلوسًا في آخر صلاتهم فقال: أدركتُمْ إن شاء الله، وعن شقيق بن سلمة: من أدرك التشهد فقد أدرك الصلاة؛ وعن الحسن قال: إذا أدركهم سجودًا سَجَدَ مَعَهُمْ.
وقال: إذا وجد الإمامَ جالِسًا في آخر الصلاة قبل أن يُسلِّم وجب عليه أن يدخل معه سواءٌ طَمِعَ بإدراك الصلاة من أوَّلِها في مسجدٍ آخرَ أم لا" ثم ذكر آثارًا عن السلف بالأمْرِ بصلاة ما أدركه". اهـ. وحمل الجمهور الأمر على الاستحباب.
واستدلَّ الجمهور أيضًا: بحديثٍ عن عليٍّ ومعاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أَتَى أحدُكُم الصلاةَ والإمامُ على حالٍ فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الإِمامُ" (رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب)، والعمل على هذا عند أهل العلم؛ قالوا: إذا جاء الرجل والإمام ساجدٌ فلْيَسْجُدْ. وصحَّحه الألبانيُّ في المشكاة.
قال الشوكاني في "نيل الأوطار": "فيه مشروعية دخول اللاحق مع الإمام في أي جزء من أجزاء الصلاة أدركه، من غير فَرْقٍ بَيْنَ الركوع والسجود والقعود؛ لظاهر قوله: "والإمام على حال" والحديث وإن كان فيه ضعف كما قال الحافظ لكنه يشهد له ما عند أحمد وأبي داود من حديث ابن أبي ليلى عن معاذ فقال: "لا أجده على حال أبدًا إلا كنتُ عليها ثم قضيتُ ما سبقني" الحديث... ويشهد له أيضًا ما رواه ابنُ أبِي شَيْبَةَ عن رجل من الأنصار مرفوعًا: "مَن وجدني راكعًا، أو قائمًا، أو ساجدًا، فلْيَكُنْ مَعِي على حالتي التي أنا عليها"، وما أخرجه سعيد بن منصور عن أناس من أهل المدينة مثل لفظ ابن أبي شيبة، والظاهر أنه يدخل معه في الحال التي أدركه عليها مكبّرًا معتدًّا بذلك التكبير، وإن لم يعتدَّ بما أدركه من الركعة".
وقال الإمام النووي رحمه الله: "إذا أدركه في التشهد الأخير كبَّر للإحرام قائمًا وقعد وتشهد معه ... وتحصُل له فضيلة الجماعة لكن دون فضيلة من أدركها من أولها، هذا هو المذهب الصحيح وبه قطع المصنّف والجمهور من أصحابنا العراقيين والخراسانيين ... فإن قيل: لم يدرك قدرًا يُحْسَبُ له قلنا: هذا غلط، بل تكبيرة الإحرام أدركها معه وهي محسوبة له، والله أعلم". وقال صاحب زاد المستقنع الحنبلي: "مَن كبَّرَ قبل سلامِ إمامِهِ لَحِقَ الجماعةَ".
ولمزيد فائدة راجع فتوى: "حكم من أدرك الجماعة في التشهد الأخير"،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: