الدفاع عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقاطعة الذين اعتدوا على مقامه الشريف

منذ 2014-03-30
السؤال:

على إثر الهجمة القذرة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمتمثلة بنشر الرسوم الكاريكاتورية التي تسيء لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تداعى المسلمون إلى مقاطعة البضائع الدنماركية وقد سمعنا من يشكك في شرعية المقاطعة الاقتصادية فما قولكم في ذلك؟

 

الإجابة:

إن من أعظم واجبات الأمة المسلمة تجاه رسولها صلى الله عليه وسلم هي تعظيمه صلى الله عليه وسلم وتعزيره وتوقيره صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً} [سورة الفتح الآيتان رقم 8- 9]، قال الشيخ ابن كثير: [ {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه} قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد:  تعظموه {وتوقروه} من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام] تفسير ابن كثير 5/613.

ولا شك أن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه داخلة في تعظيمه وتوقيره صلى الله عليه وسلم وهذا من المقاصد المطلوبة شرعاً وبناءً على ذلك فكل وسيلة شرعية تؤدي إلى هذا المقصد الشريف مطلوبة لأن للوسائل أحكام المقاصد كما قرر أهل العلم، قال الإمام العز بن عبد السلام: [للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل] قواعد الأحكام 1/46.

وقال الإمام القرافي: [اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها وتكره وتندب وتباح فإن الذريعة هي الوسيلة فكما أن وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج وموارد الأحكام على قسمين:  مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها. ووسائل:  وهي الطرق المفضية إليها وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل غير أنها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها والوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل وإلى ما يتوسط متوسطة ومما يدل على حسن الوسائل الحسنة قوله تعالى: {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح} فأثابهم الله على الظمأ والنصب وإن لم يكونا من فعلهم بسبب أنهما حصلا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين وصون المسلمين فيكون الاستعداد وسيلة الوسيلة] الفروق 2/33، فالمقاطعة الاقتصادية لمنتجات الدول التي تهجم أتباعها على رسولنا صلى الله عليه وسلم وسيلة مشروعة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره. وخاصة أننا لمسنا استكبار قادة تلك الدول في رفضهم الاعتذار للمسلمين بل نقل عن بعضهم قوله إن اعتذار أي شخص دنمركي للمسلمين يعد خيانة للوطن.

ومما يدل على مشروعية المقاطعة الاقتصادية ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا عندك يا ثمامة؟ فقال عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم وإن تُنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد فقال: ما عندك يا ثمامة؟ قال: ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان من الغد فقال: ماذا عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليَّ والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إليَّ والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليَّ وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ فقال: لا ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم» ). قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله: (لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم) زاد ابن هشام " ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئاً، فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إنك تأمر بصلة الرحم، فكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين الحمل إليهم] فتح الباري 8/111.

وما قام به ثمامة بن أثال رضي الله عنه يعتبر نوعاً من المقاطعة الاقتصادية وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على تلك المقاطعة الاقتصادية واستمرت تلك المقاطعة إلى أن طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من ثمامة بن أثال وقفها، وفي ذلك قال الشاعر:

وثمامةُ بن أَثالٍ الحنفيِّ قد نفض الغبار عن الحقيقة وابتهلْ

وأبى على الكفَّار حَبَّةَ حنطةٍ إلا إذا أَذِنَ الرسولُ وقد فَعَلْ

وينبغي التذكير بالمقاطعة التي تعرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم وقومه في مكة من كفار قريش فلجأوا إلى شعب أبي طالب، فقد روى البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله أين تنزل غداً في حجته قال وهل ترك لنا عقيل منزلاً ثم قال نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة المحصب حيث قاسمت قريش على الكفر وذلك أن بني كنانة حالفت قريشاً على بني هاشم أن لا يبايعوهم ولا يؤووهم قال الزهري والخيف الوادي.

ومما يدل على جواز المقاطعة ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أثناء حصار بني النضير من محاربتهم اقتصادياً بقطع نخيلهم وتحريقه فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وقطع وهي البويرة فنزلت {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله} (رواه البخاري ومسلم).

ومما يدل على جواز المقاطعة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بعد الهجرة النبوية بمحاربة قريش اقتصادياً فكانت غزوة العشيرة وغيرها من الغزوات وبعض السرايا التي بعثها الرسول صلى الله عليه وسلم لتحقيق ذلك الهدف ولا شك أن المقاطعة الاقتصادية داخلة في ذلك. قال الإمام البخاري [باب غزوة العشيرة أو العسيرة قال ابن إسحاق أول ما غزا النبي صلى الله عليه وسلم الأبواء ثم بواط ثم العشيرة] قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [... وذكر الواقدي أن هذه السفرات الثلاث كان يخرج فيها ليلتقي تجار قريش حين يمرون إلى الشام ذهابا وإياباً... وقد تقدم في -كتاب- العلم البيان عن سرية عبد الله بن جحش وأنه ومن معه لقوا ناساً من قريش راجعين بتجارة من الشام فقاتلوهم، واتفق وقوع ذلك في رجب، فقتلوا منهم وأسروا وأخذوا الذي كان معهم ، وكان أول قتل وقع في الإسلام وأول مال غنم... وذكر ابن سعد أن المطلوب في هذه الغزاة هي عير قريش التي صدرت من مكة إلى الشام بالتجارة ففاتتهم ، وكانوا يترقبون رجوعها فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يتلقاها ليغنمها ، فبسبب ذلك كانت وقعة بدر..] فتح الباري 7/347-349. وغير ذلك من الأدلة الكثيرة.

وخلاصة الأمر أن المقاطعة الاقتصادية وسيلة مشروعة للدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم لردع المعتدين ولإجبار تلك الدول لتسن التشريعات التي تعاقب كل من يسيء إلى دين الإسلام، وعلى المسلمين كافة أن يسهموا في المقاطعة حتى تكون مؤثرة وقوية. 

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.

  • 50
  • 0
  • 122,346

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً