المشاركةُ المتناقصةُ المنتهيةُ بالتمليك وضوابطُها الشرعية

منذ 2014-05-24
السؤال:

 ما هي المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك التي تتعامل بها البنوك الإسلامية؟ 

الإجابة:

أولاً: المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك هي إحدى الأساليب الحديثة التي تتعامل بها البنوك الإسلامية، وهي أسلوب استثماري جديد لم يكن معروفاً عند الفقهاء المتقدمين،ومن صيغ التمويل الشرعي لمواجهة التعامل الربوي لدى البنوك الربوية، وقد درسها الفقهاء المعاصرون ووضعوا لها ضوابط شرعية، من خلال المجامع الفقهية والمؤتمرات والأبحاث والدراسات العلمية، وقد عُرِّفت المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك بعدة تعريفات،فقد عرفها قانون البنك الإسلامي الأردني لسنة 1978م وهو من أوائل التعريفات لها بأنها: [دخول البنك بصفة شريكٍ ممولٍ كلياً أو جزئياً في مشروعٍ ذي دخلٍ متوقع، ذلك على أساس الاتفاق مع الشريك الآخر بحصول البنك على حصةٍ نسبيةٍ من صافي الدخل المتحقق فعلاً، مع حقه في الاحتفاظ بالجزء المتبقي أو أي قدر منه يتفق عليه؛ ليكون ذلك الجزء مخصصاً لتسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل]. 

وعرفتها مجلة مجمع الفقه الإسلامي4/1411: [بأنها شركة يَعِدُ فيها أحدُ الشريكين شريكه بأن يبيع له نصيبه كله أو بعضه في أي وقت يشاء بعقد ينشآنه عند إرادة البيع].
وورد في الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية 1/28 [بأنها مشاركة يعطي البنك فيها الحق للشريك في الحلول محله في الملكية دفعةً واحدةً، أو على دفعاتٍ وفق ما تقتضيه الشروط المتفق عليها، أو طبيعة العملية على أساس إجراء ترتيبٍ منظمٍ لتجنيب جزء من الدخل لسداد قيمة حصة البنك] وجاءت كلمة المتناقصة فيها لتدل على أن البنك الإسلامي تنقص حصته تدريجياً، لأنه يبيعها لشريكه، وجاءت عبارة “المنتهية بالتمليك” أي بالنسبة للشريك المشتري حيث إنه يتملك العقار مثلاً بالتدريج. وقد ابتكرت البنوك الإسلامية المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك لتكون بديلاً شرعياً للقروض الربوية، وخاصة في المشاريع العقارية التجارية، ولمساعدة الحرفيين والمهنيين والمزارعين في امتلاك الأدوات والآلات اللازمة لمشاريعهم، وكذلك في مجالات النقل والمواصلات وغيرها. والمشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك تعتبر رافداً مهماً للتنمية الاقتصادية المحلية إن حسُنت الاستفادة منها.

ثانياً: قرر الفقهاء المعاصرون أن أحكام وشروط وضوابط الشركات في الفقه الإسلامي لا بد أن تنطبق على المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك حتى تكون صحيحةً، مثل:

أن يكون رأس المال عيناً، لا ديناً، لأن التجارة التي بها يحصل مقصود الشركة وهو الربح، لا تكون بالدين، فجعله رأس مال الشركة منافٍ لمقصودها.

أن يكون رأس المال من النقود والأثمان وأجاز فقهاء الحنابلة أن يكون عروضاً وهو قول وجيه. (ت)أن يكون رأس المال معلوماً وموجوداً يمكن التصرف فيه.

لا يشترط تساوي رأس مال كل شريك ويصح التفاوت فيه. (ح)يجب بيان حصة كل شريك من الربح بحصةٍ شائعة، ولا يجوز أن تكون مبلغاً مقطوعاً.

تكون الخسارة حسب حصة كل شريك من رأس مال الشركة فقط. انظر الموسوعة الفقهية26/48 فما بعدها.

ثالثاً: لما كانت المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك في حقيقتها تجمع بين عدة عقود، عقدِ شركة وعقدِ بيعٍ ووعدٍ ملزمٍ من طرف واحدٍ فقط، واجتماع هذه العقود والشروط جائزٌ شرعاً على الراجح من أقوال العلماء، ما دام أنه لا يترتب على ذلك غررٌ أو جهالةٌ مفسدةٌ للعقد، ولا يترتب عليه تحليلُ حرام أو تحريمُ حلال. انظر بحث “المشاركة المتناقصة كأداة من أدوات التمويل الإسلامي ص 29″،وضع الفقهاء المعاصرون لها ضوابط شرعية ليصح تطبيقها في البنوك الإسلامية، ومن أهم تلك الضوابط ما قرره مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي فقد جاء في قراره ما يلي: [بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع المشاركة المتناقصة وضوابطها الشرعية، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يأتي:

المشاركة المتناقصة: معاملة جديدة تتضمن شركة بين طرفين في مشروعٍ ذي دخلٍ يتعهد فيها أحدُهما بشراء حصة الطرف الآخر تدريجاً، سواء كان الشراء من حصة الطرف المشتري في الدخل أم من موارد أخرى.

 أساس قيام المشاركة المتناقصة: هو العقد الذي يبرمه الطرفان ويسهم فيه كل منهما بحصةٍ في رأس مال الشركة، سواء أكان إسهامه بالنقود أم بالأعيان بعد أن يتم تقويمها، مع بيان كيفية توزيع الربح، على أن يتحمل كل منهما الخسارة -إن وجدت- بقدر حصته في الشركة.

تختص المشاركة المتناقصة بوجود وعدٍ ملزم من أحد الطرفين فقط،بأن يتملك حصة الطرف الآخر،على أن يكون للطرف الآخر الخيار، وذلك بإبرام عقود بيع عند تملك كل جزءٍ من الحصة، ولو بتبادل إشعارين بالإيجاب والقبول.

يجوز لأحد أطراف المشاركة استئجار حصة شريكه بأجرةٍ معلومةٍ ولمدةٍ محددةٍ، ويظل كل من الشريكين مسؤولاً عن الصيانة الأساسية بمقدار حصته.

المشاركة المتناقصة مشروعةٌ إذا التُزم فيها بالأحكام العامة للشركات، وروعيت فيها الضوابط الآتية:

عدم التعهد بشراء أحد الطرفين حصة الطرف الآخر بمثل قيمة الحصة عند إنشاء الشركة، لما في ذلك من ضمان الشريك حصة شريكه، بل ينبغي أن يتم تحديد ثمن بيع الحصة بالقيمة السوقية يوم البيع، أو بما يتم الاتفاق عليه عند البيع.

عدم اشتراط تحمِّل أحد الطرفين مصروفات التأمين أو الصيانة وسائر المصروفات، بل تحمّل على وعاء المشاركة بقدر الحصص.

تحديد أرباح أطراف المشاركة بنسبٍ شائعةٍ، ولا يجوز اشتراط مبلغٍ مقطوعٍ من الأرباح أو نسبةٍ من مبلغ المساهمة.

الفصل بين العقود والالتزامات المتعلقة بالمشاركة.

منع النص على حق أحد الطرفين في استرداد ما قدمه من مساهمة (تمويل)]أنظر هنا

رابعاً: وقد وضعت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية معايير شرعية لضمان حسن تطبيق المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك حيث ورد فيها:
[5/1المشاركة المتناقصة عبارة عن شركة يتعهد فيها أحد الشركاء بشراء حصة الآخر تدريجياً إلى أن يتملك المشتري المشروع بكامله. وإن هذه العملية تتكون من الشركة في أول الأمر، ثم البيع والشراء بين الشريكين، ولا بد أن تكون الشركة غير مشترطٍ فيها البيع والشراء، وإنما يتعهد الشريك بذلك بوعدٍ منفصلٍ عن الشركة،وكذلك يقع البيع والشراء بعقدٍ منفصلٍ عن الشركة، ولا يجوز أن يُشترط أحدُ العقدين في الآخر.
5/2يجب أن تطبق على المشاركة المتناقصة الأحكام العامة للشركات، وبخاصة أحكام شركة العنان. وعليه لا يجوز أن يتضمن عقد الشركة أي نصٍ يعطي أياً من طرفي المشاركة الحق في استرداد حصته من رأس مال الشركة.
5/3 لا يجوز اشتراط تحمل أحد الشريكين وحده مصروفات التأمين أو الصيانة ولو بحجة أن محل الشركة سيؤول إليه.
5/4 يجب أن يقدم كل من الشريكين حصةً في موجودات الشركة، سواء كانت مبالغ نقدية أو أعياناً يتم تقويمها مثل الأرض التي سيقام البناء عليها، أو المعدات التي يتطلبها نشاط الشركة. وتعتمد حصص الملكية الخاصة لكل طرفٍ لتحميل الخسارة إن وقعت، وذلك في كل فترةٍ بحسب تناقص حصة أحد الشريكين وتزايد حصة الشريك الآخر.
5/5 يجب تحديد النسب المستحقة لكل من أطراف الشركة (المؤسسة والعميل) في أرباح أو عوائد الشركة، ويجوز الاتفاق على النسب بصورةٍ مختلفةٍ عن حصص الملكية، ويجوز استبقاء نسب الأرباح ولو تغيرت حصص الملكية، ويجوز الاتفاق بين الطرفين على تغيرها تبعاً لتغير حصص الملكية دون الإخلال بمبدأ تحميل الخسارة بنسبة حصص الملكية.
5/6 لا يجوز اشتراط مبلغٍ مقطوعٍ من الأرباح لأحد الطرفين (وانظر البند 3/1/5/8).
5/7 يجوز إصدار أحد الشريكين وعداً ملزماً يحق بموجبه لشريكه تملك حصته تدريجياً من خلال عقد بيع عند الشراء وبحسب القيمة السوقية في كل حينٍ أو بالقيمة المتفق التي يتفق عليها عند الشراء. ولا يجوز اشتراط البيع بالقيمة الاسمية.
5/8 لا مانع من تنظيم عملية تملك حصة المؤسسة من قبل شريكها بأي صورةٍ يتحقق بها غرض الطرفين، مثل التعهد من شريك المؤسسة بتخصيص حصته من ربح الشركة أو عائدها المستحق له ليتملك بها حصةً نسبيةً من حصة المؤسسة في الشركة أو تقسيم موضوع الشركة إلى أسهم يقتني منها شريك المؤسسة عدداً معيناً كل فترةٍ إلى أن يتم شراء شريك المؤسسة الأسهم بكاملها فتصبح له الملكية المنفردة لمحل الشركة.
5/9 يجوز لأحد أطراف الشركة استئجار حصة شريكه بأجرةٍ معلومةٍ ولمدةٍ محددةٍ مهما كانت، ويظل كل من الشريكين مسئولاً عن الصيانة الأساسية لحصته في كل حين] المعايير الشرعية ص 171.

وخلاصة الأمر أن المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك هي شركةٌ يَعِدُ فيها أحدُ الشريكين شريكه بأن يبيع له نصيبه كله أو بعضه في أي وقت يشاء بعقد ينشآنه عند إرادة البيع.
وأنها إحدى الأساليب الحديثة التي تتعامل بها البنوك الإسلامية، وهي أسلوب استثماري جديد لم يكن معروفاً عند الفقهاء المتقدمين، ومن صيغ التمويل الشرعي لمواجهة التعامل الربوي لدى البنوك الربوية.
وأن ما قرره الفقهاء من أحكام وشروط وضوابط الشركات في الفقه الإسلامي ينطبق على المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك، بالإضافة لما قرره فقهاء العصر من ضوابط للمشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك، فإذا تحققت هذه الشروط والضوابط كانت المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك مشروعةً.
وهي بديلٌ شرعيٌ للقروض الربوية، وخاصة في المشاريع العقارية التجارية، ولمساعدة الحرفيين والمهنيين والمزارعين في امتلاك الأدوات والآلات اللازمة لمشاريعهم، وكذلك في مجالات النقل والمواصلات وغيرها.
وتعتبر المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك رافداً مهماً للتنمية الاقتصادية المحلية إن حسُنت الاستفادة منها.
والله الهادي إلى سواء السبيل. 

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.

  • 9
  • 2
  • 41,066

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً