سكوتَ الزَّوج على ظُلْم والدتِه لزوجته
لقد وقَع ظُلم معنوي عليَّ من أمِّ زوْجي، وهذه ليْست المرَّة الأولى، وفي كلِّ مرَّة كنتُ أسامِح.
وهي من النَّوع الَّذي يغْضب دون أسباب، تُخاصِم النَّاس بعد تفْسيرها كلامَهم على هواها، ولقد رأيْتُ منْها هذا الموقِف مع أشخاص غيري.
الآن أنا أشْعُر بالظُّلم والقَهر، وأنا التجأت إلى الله فقط؛ ولكنِّي أضع اللَّوم على زوجي، فأنا لا أريدُه أن يُغْضِب أمه، أو أن يتشاجر معها؛ لكنَّه من البداية لو أشْعَرها أنَّ ما يَحدُث معي من وقْتٍ لآخر يَجْرحه، لَما استمرَّت معي في ذلك، وكانت ستُراعي ابنَها.
فهو سلبي في هذه المواقِف لدرجة تُشْعِرني بالقهْر والذُّل والظُّلم، وخصوصًا أني لا أشكو لأهلي؛ تَجنُّبًا للمشاكِل، فهُو يُشْعِرني أنَّه ليس لي سند، خصوصًا أنه يعلم أني لم أفعل شيئًا لها.
لا أعلم ماذا أفعل: أدعو عليْها وألتجئ إلى الله أم ماذا أفعل؟
علمًا بأني لستُ من الشَّخصيَّات التي لها مشاكل مع النَّاس - والحمد لله - وأحاوِل إرْضاء الله قدْر استطاعتي؛ ولكني أشْعر أني أُظْلَم، وأنَّ كرامتي تُهْدَر، وهذا لا يُرْضي الله، فماذا أفعل حتَّى أتَجنَّب شرَّها مع الحفاظ على كرامتي؟
وماذا أفعل مع زوجي: أتحدَّث معه أم أصمتْ؟ علمًا أني حاولتُ سابقًا أن أتحدَّث، تشاجر معي، وحاول قَلْب الموْضوع ضدي، لا أريد أن أُغْضِب الله، ولكني أيضًا لا أريد أن أُهان أو أُذَل.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فلا شكَّ أنَّ أذيَّة المسلِم في غير حقٍّ شرعيٍّ من أعظم ما نَهى الله - تعالى - ورسولُه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - عنْه.
يقول الله - تعالى -: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب: 58]، وقال تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1].
وفي صحيح مسلم: قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: « ».
وقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: « »؛ متَّفق عليه.
وفي الصَّحيحَين عن عبدالله بن عمر، قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ا « »؛ متَّفق عليه.
لذلك؛ فإن كان الحال كما ذكرتِ السَّائلة الكريمة، فالواجب على أمِّ زوجِها أن تتوب إلى الله - تعالى - من هذا السُّلوك المَشين، والظُّلْم المبين.
ولا ريْبَ أنَّ سكوتَ الزَّوج على ظُلْم والدتِه لكِ ليْس من الدِّين ولا الخلق القويم؛ بل الواجِب عليْه: نصْحُ والدتِه، وردُّها عن الظُّلْم، لاسيَّما إذا كان المظْلوم هو زوْجتَه الَّتي هي الأحقُّ بالبِشْر وحسن الخلق، والإحسان وجلْب النَّفْع، ودفْع الضرِّ والظُّلم، وأعْلى النَّاس رتبةً في الخير مَن كان خيرَ النَّاس لزَوْجِه، فإذا كان الرَّجُل كذلك فهو خير النَّاس، وإن كان على العكْسِ من ذلك فهو في الجانب الآخَر من الشَّرِّ، ولا شكَّ أنَّ مَن كان كذلك، فهو مَحْروم التَّوفيق، زائغ عن سواء الطَّريق.
ومن حقِّ الزَّوجة على زوْجِها أن ينصُرَها ويكفَّ الضَّرر عنْها، وكذلك من حقِّ والدتِه عليْه ومن برِّها كفُّها عن ظلم الآخَرين؛ فالنَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: « » فقال رجل: يا رسول الله، أنصُره إذا كان مظلومًا، أريت إن كان ظالمًا، كيف أنصره؟ قال: « »؛ رواه البخاري.
هذا؛ وننصح الأُخْت الكريمة بِمُواصلة الصَّبْر على أمِّ زوجها، واحتساب الأجر، والمثوبة من الله - تعالى - ومقابلة إساءتِها بالَّتي هي أحسن؛ طلبًا للأجْرِ من الله - تعالى - ثمَّ حفاظًا على البيْت من التصدُّع، والذريَّة من الضَّياع؛ قال الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]، مع تقْديم النَّصيحة للأمِّ، والدعاء لها لا الدعاء عليها؛ عسى الله أن يهْدِيَها ويشْرح صدْرَها.
وأما زوجك فاكتبي له رسالة هادئة معطَّرة بالكلمات التي تشرح صدره لقراءة شكواك، واذكري فيها أنك لا تطالبينه بعقوق أمه ولكن بتفهُّم مشكلتك، والسعي الجاد في محاولة العثور على حلٍّ لها ولو باستشارة من يثق به.
فإن وجدتِ - بعد كلِّ مُحاولاتِك معها أنت وزوْجك - أنَّ أمَّ زوْجِك ما زالت على ما هي عليْه، فأقلِّي من زيارتِها إن كنت مستقلَّة بسكن بعيدٍ عنْها، أو مطالبة زوْجِك ببيتٍ مستقلّ إن كنت تعيشين معها؛ تفاديًا لتكْرار الاضطِرابات بيْنك وبيْنَها، ويجب عليْه في هذه الحالة أن يلبِّي رغبتك إذا كان ذلك في إمْكانه واستطاعته.
نسأل الله - تعالى - أن يفرِّج همَّك، ويُصْلِح زوْجكِ وأمَّه،،
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: