خطورة التهاون في الصلاة المفروضة
ترددت كثيرا قبل أن أطرح سؤالي عليكم، ولكن الحالة النفسية التي وصلت إليها جعلتني أتشجع لإيصاله إليكم، أنا فتاة عزباء عمري 28 سنة، مشكلتي هي أني غير مداومة على الصلاة، فتجدني أصلي أشهر، ثم أنقطع أشهرا أخرى، والسبب في هذا الانقطاع هو أني أشعر بالتعب والإرهاق كثيرا وخصوصا مع عملي، فبنيتي الجسمية ضعيفة جدا، ورغم كل العلاجات لم يتغير شيء، أتعذب كثيرا لهذه الحالة، وأكره نفسي كثيرا، أنا أتمتع بأخلاق عالية، وأراعي الله في كل تصرفاتي وفي تعاملي مع الناس، أتجنب الكذب والغش وكل الصفات الذميمة، أتصدق كثيرا، أحاول فهم وحفظ القرآن، أحب الله ورسوله كثيرا، وأشعر أن الله يحبني، فنعمه علي كثيرة، منحني حسن الخلق(بالضمة)، منحني العلم والحكمة مقارنة مع أترابي، منحني العمل فور تخرجي من الجامعة،عندما أفكر بأني قد أموت في أي لحظة ينتابني خوف شديد، وأقرر أني غدا سوف أرجع إلى الصلاة ولكن في اليوم الموالي أتهاون عن الصلاة، أحيانا اشعر أن السبب يمكن أن يكون عينا أو سحرا لا أدري إن كان هذا يؤثر على الصلاة، مع العلم أنه قبل بلوغي كنت أصلي وأصوم وأبكي كثيرا عند التفكير بالله عز وجل، واليوم أنا أتعذب كثيرا، وأحس أن عدم زواجي لحد الآن سببه انقطاعي عن الصلاة رغم أني أدعو الله كثيرا، وأحيانا أحس أن الله بقربي يستجيب لأدعيتي ويحميني من كل الشرور، أنا أدعو الله دائما أن يهديني إلى طريق الصلاة وأن يثبتني عليها، ادعوا لي أن يثبتني الله على الصلاة، وأن يرزقني زوجا صالحا كفؤا لي، متدينا بعينني على الثبات في الصلاة، جعلني الله وإياكم من أهل الجنة إن شاء الله. أعلم أني أطلت عليكم ولكن كنت أحتاج أن يسمعني أحد بعد الله، ويرشدني ماذا أفعل، وجزاكم الله خيرا عني وعن جميع المسلمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلمي أيتها السائلة أن الصلاة شأنها عظيم، لا يحتمل التكاسل ولا التهاون، ولا يقبل لتركها عذر، وما ذكرته من العمل وضعف البنية الجسمية، كل هذا ليس عذرا في ترك الصلاة، ولا في التهاون عنها، فالعمل ليس أهم من الصلاة، ومن ألهاه عمله عن الصلاة فإنه يخشى عليه أن يكون من الخاسرين لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {المنافقون: 9}
قال جماعة من المفسرين المراد بذكر الله هنا الصلوات الخمس، فمن اشتغل عن الصلاة في وقتها بماله كبيعه أو صنعته أو ولده كان من الخاسرين. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن نقصت فقد خاب وخسر.. وضعف البنية ليس عذرا، فالمصلي يصلي قائما، فإن لم يستطع فجالسا، فإن لم يستطع فعلى جنب، وإن اشتد المرض يمكنه الجمع بين الصلاتين فلا يمكن أن يوجد عذر مقبول شرعا يحتج به مكلف على ترك الصلاة أو التهاون في أدائها.
فاتقي الله أختي السائلة، واعلمي أنك على خطر عظيم، والأسباب الواهية التي تؤدي بالشخص إلى ترك الصلاة أو التكاسل عنها كثيرة، وإن من أعظم ما يعينك على دفع تلك الأسباب ويعينك على المحافظة على الصلاة هو استشعار خطورة تركها أو التكاسل عنها، وتذكر الوعيد الوارد في الكتاب والسنة على ذلك كقوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ {الماعون:4-5} * قال العلماء: والويل شدة العذاب، وقيل واد في جهنم لو سير فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره، فهو مسكن لمن يتهاون بالصلاة ويؤخرها عن وقتها، إلا أن يتوب إلى الله تعالى ويندم على ما فرط، وقوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً {مريم:59} وقد قيل في تفسير الغي إنه واد في جهنم خبيث الطعم بعيد القعر. نعوذ بالله من غضبه وعقابه.
وقال صلى الله عليه وسلم: ومن لم يحافظ عليها - أي الصلاة - لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف.. رواه أحمد وابن حبان. ولا نظن أنك تريدين أن تكوني مع هؤلاء يوم القيامة. قال بعض العلماء: وإنما حشر مع هؤلاء لأنه إن اشتغل عن الصلاة بماله أشبه قارون فيحشر معه، أو بملكه أشبه فرعون فيحشر معه، أو بوزارته أشبه هامان فيحشر معه، أو بتجارته أشبه أبي بن خلف تاجر كفار مكة فيحشر معه.
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله. والمعنى أن مصيبته كمصيبة من مات أهله جميعا وخسر ماله، فبقي بلا مال ولا أهل، والوعيد في ذلك كثير جدا.
فاتقي الله أيتها السائلة، وبادري إلى أداء ما أوجبه الله عليك تفلحي، فما الدنيا إلا أيام قصيرة، ثم تقفين بين يدي الله الذي لا يخفى عليه شيء، واحرصي على الرفقة الصالحة أيضا من النساء المؤمنات، فإنهن خير عون على طاعة الله تعالى، ونحن نسأل الله تعالى أن يتوب عليك ويلهمك رشدك ويعينك على نفسك.
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: