مرويات البخاري ومسلم في الأصول والمتابعات والشواهد
ما هي الطريقة المثلى لمعرفة ما يرويه البخاري ومسلم في الأصول وما يرويانه في المتابعات والشواهد؟ أرجو التفصيل في هذا المسألة.
ما يرويه الإمام البخاري أو مسلم في الأصول هو ما يرويانه بالأسانيد الأقوى والأجود مما لم يتكلم في أحد من رواته لا من حيث الثقة والعدالة والضبط ولا من حيث الاتصال والانقطاع، فالحديث المروي في الأصول هو الحديث الأقوى في الباب وما دونه فإنه يكون مرويًا في الشواهد والمتابعات، لاسيما إذا كان في رواته من مُسَّ بشيء يسير من التجريح، وقال بعضهم إن الأصل هو الأول في الباب والشاهد هو الذي يليه وبعضهم ذكر العكس، وعلى كل حال لا أعلم قاعدة مطردة أو طريقة مستمرة في أن يحكم على أول ما يرد في الباب أنه هو الأصل وما يردفه به هو الشاهد أو المتابع، لكن مع ذلك النظر هو في نظافة الأسانيد وصحتها، وكثيرًا ما يقول العلماء في كتب الرجال: روى له البخاري في الشواهد أو روى له في المتابعات أو روى له مقرونًا، وتجده أحيانًا في أول حديث في الباب، وتجده تارةً في الحديث المتوسط لا الأول ولا الأخير، وأحيانًا يكون هو في آخر روايات أحاديث الباب، وحينئذٍ لا أعرف قاعدة مطردة يُحكم عليها بأن الأول هو الأصل والثاني هو الشاهد أو المتابع لكن الأصل هو الأنظف والأصح إسنادًا والشاهد هو الذي يكون دون هذه المثابة ممن في رواته شيء أو في اتصاله شيء أو في بعض صيغ الأداء شيء مما يخل بقوة الاتصال.
المقدم: مما أوردتموه قبل قليل يا شيخ ذكرتم مقرونًا ما المقصود بذلك؟
مقرونًا يعني مع غيره من الرواة الثقات فأحيانًا يقول: حدثنا فلان وفلان أحدهما ثقة ليس فيه إشكال والثاني فيه كلام لكنه خفيف، ومع ذلك فتخريج البخاري ومسلم لراوٍ من الرواة ولو كان مقرونًا أو فيه شيء من الكلام فإن مثل هذا الكلام في الغالب غير مؤثر، أحيانًا يقول حدثني فلان وآخر ولا يسميه وإذا بُحث عن هذا الآخر وُجد ضعيفًا، كما خرج الإمام البخاري وأحيانًا مسلم عن راو ثقة ويعطف عليه آخر بالإبهام فإذا بحث عنه وجد أنه ضعيف فعدم تسميته له من أجل ضعفه وذكره إنما هو بمجرد أنه من رواة هذا الخبر بحيث لو بُحث عنه وجد أنّه من الضعفاء كما قال مسلم حدثني فلان وآخر يريد بذلك ابن لهيعة وابن لهيعة جمهور أهل العلم على تضعيفه، والمعول حينئذٍ على المسمى دون المبهم، البخاري -رحمه الله- قد يروي عن ثقة وضعيف فيقتصر على الثقة ولا يذكر الضعيف مع أنّه ذكر في موضع آخر خارج الصحيح وعُرف عنه هذا فاعتماده ومعوله على هذا الثقة، ومثل هذا قد يُشكل على بعض المبتدئين التفريق بينه وبين تدليس التسوية لأن تدليس التسوية أن يروي عن ثقتين لقي أحدهما الآخر بينهما ضعيف فيُسقط الضعيف ويقتصر على الثقتين، فإذا نظر في الإسناد وُجد أنه خالٍ من هذا الضعيف ولقي أحدهما الآخر وليس ثم انقطاع في الظاهر، لكن لا بد من وجود هذا الضعيف لأن هذا الثقة لم يروه مباشرة عن ذلك الثقة وإنما رواه عنه بواسطة الضعيف، وهذا أسوأ وشرّ أنواع التدليس وليس من ذلك أن يروي عن ثقة وضعيف فيقتصر على الثقة ويُسقط الضعيف، وهذا فعله الإمام البخاري اعتمادًا على الثقة والضعيف وجوده مثل عدمه ولا يُحتاج إليه لكن الإشكال فيما إذا روى عن ضعيف بين ثقتين وأسقط الضعيف، فالسند فيه خلل، فلابد من وجود هذا الضعيف؛ لأن الثقة لم يرو مباشرة عن ذلك الثقة إلا بواسطة ذلك الضعيف فإسقاط هذا الضعيف لا شك أنّه جناية في الإسناد؛ لأن الناظر فيه يراه إسنادًا رجاله ثقات ولقي أحدهما الآخر فهو متصل ولا يعرف هذا العمل الخفي الذي فعله هذا المدلس الذي غرر بالناظر في هذا الإسناد وحكم عليه بالصحة بسبب ذلك، ولذلك قال أهل العلم إن شرّ أنواع التدليس هو تدليس التسوية.
المقدم: كيف يعرف مثل هذا يا شيخ؟
يعرف بتتبع الطرق بجمع الطرق والأسانيد ولا يعرفه كل متعلم أو كل من ينتسب إلى الحديث إنما يعرفه الأئمة.
عبد الكريم بن عبد الله الخضير
عضو هيئة التدريس في قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وحاليا عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
- التصنيف:
- المصدر: