قراءة سورة البقرة لذهاب قساوة القلب
السَّلام عليْكم ورحْمة الله وبركاته،
أنا فتاة ملتزِمة - ولله الحمْد - ولكن عندي مشكِلة، وهي أنَّ قلْبي لا يَخشع عند قراءة القُرآن، وعند الصَّلاة، وأحس بضيق أحيانًا عند قراءة المواضيع الَّتي تتكلَّم عن الدِّين.
فهل يَجوز لي أن أقرأ سورة البقرة بِنيَّة ذهاب قساوة قلْبي؟
أرجوكم أفتوني في أمري.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد سبقَ في الفتويَين: "الخشوع في الصلاة حكمه وأسبابه"، و"عدم الخشوع في الصَّلاة" - بيانُ الأمور التي تُعين المسلمَ على الخشوع في الصَّلاة.
أمَّا الخشوع عند قراءة القُرآن، فاعلمي أنَّ التأثُّر بقراءة القرآن والعمل به هو المقْصِد الرَّئيس من إنزال القرآن العظيم؛ ولذا يقول اللهُ - تعالى - في شأْن الجبال الصُّم: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21].
قال الخطَّابي: "وقد قلتُ في إعْجاز القرآن وجهًا ذهب عنْه النَّاس، وهو صنيعُه في القلوب وتأثيره في النفوس، فإنَّك لا تسمع كلامًا غير القُرآن منظومًا ولا منثورًا، إذا قرع السَّمع خلص له إلى القلْب، من اللذَّة والحلاوة في حال، ومن الرَّوعة والمهابة في حال آخر، ما يَخلص منه إليه؛ قال الله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21]، وقال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23].
ومن أهمِّ الأسباب التي تُعين المسلم على الخشوع عند تلاوة القُرآن: تدبُّر القُرآن وفهْمه، واستِحْضار معانيه وقراءته بصوْتٍ مرْتفع نوعًا ما، مع مداومة الدُّعاء والإلْحاح على الله تعالى أن يهبَك الخشوع ولين القلْب، وتذكَّري - بارك الله فيك - أنَّ من أعظم الأسْباب الَّتي تُعين على حصول المقصود: التخلُّصَ من الذُّنوب والخطايا بالتَّوبة الصَّادقة، فإنَّ المعاصيَ سببٌ لِحِرْمان العبد من نعم الله.
أمَّا قراءة سورة البقرة لإزالة قسوة القلب، فليس هناك دليل نعلمه يخص سورة البقرة دون سور القرآن بإزالة قساوة القلب ولكن هي إحدى سوره، والبيت الذي تقرأ فيه البقرة لا يقربه شيطان ثلاثة أيام.
فاحرصي – وفقك الله – على قراءة القرآن كله دون تخصيص – إلا ما خصه الدليل -؛ لأنَّ القرآن شفاءٌ لما في الصُّدور؛ كما قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82]، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57]، قال ابن كثير: "أي: من الشُّبَه والشُّكوك، وهو إزالة ما فيها من رجس ودَنَس".
وقال السَّعدي: "وهو هذا القُرآن، شفاءٌ لما في الصُّدور من أمْراض الشَّهوات الصادَّة عن الانقِياد للشَّرع، وأمراض الشُّبهات القادِحة في العلم اليقيني، فإنَّ ما فيه من المواعظ والتَّرغيب والتَّرهيب، والوعْد والوعيد، ممَّا يُوجب للعبد الرَّغْبة والرَّهبة.
وإذا وُجِدَتْ فيه الرَّغبة في الخير، والرَّهبة من الشَّرِّ، ونَمَتا على تكرُّر ما يرد إليْها من معاني القُرآن - أوْجب ذلك تقديم مراد الله على مُراد النَّفس، وصار ما يُرضي الله أحبَّ إلى العبد من شهْوة نفسِه.
وكذلك ما فيه من البَراهين والأدلَّة التي صرَّفها الله غاية التَّصريف، وبيَّنها أحسن بيان، ممَّا يُزيل الشُّبه القادحة في الحقِّ، ويصل به القلْب إلى أعلى درجات اليقين.
وإذا صحَّ القلْب من مرضه، ورفل بأثْواب العافية، تبِعَتْه الجوارح كلُّها؛ فإنَّها تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده؛ {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}، فالهُدى هو العلم بالحق، والعمل به.
والرَّحمة هي ما يَحصل من الخير والإحسان، والثَّواب العاجل والآجِل، لِمن اهتدى به، فالهُدى أجلُّ الوسائل، والرَّحمة أكْمل المقاصد والرَّغائب؛ ولكن لا يُهْتدى به، ولا يكون رحمةً إلاَّ في حقِّ المؤمنين.
وإذا حصل الهُدى، وحلَّت الرَّحمة النَّاشئة عنْه، حصلت السَّعادة والفلاح، والرِّبْح والنَّجاح، والفرَح والسُّرور".
هذا؛ والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: