حكمة عدم مشروعية التبني، والبديل العملي له

منذ 2016-01-01
السؤال:

أنا سيِّدة أبلُغ من العمر 48 سنة، أُقيم مع زوْجي البالغ من العمر 38 سَنة، ولِي ابنٌ عُمرُه خمس سنوات، وأرغب في أن تكون لي ابنةٌ، تكون أختًا لابني، وحيث إنَّه قد تعذَّر عليَّ ذلك لأسباب صِحيَّة أوَّلاً، وبسبب العُمر ثانيًا؛ لذا فكرتُ مليًّا في أن أسعى أن تكون لي هذه الابنةُ من دار الأيتام، وحيث إنَّ الأمر يحتاج إلى دراسة من كل الوجوه، وخاصَّة بعد اسْتشارتي لبعض أفراد العائلة فيما يتعلَّق بالحلال والحرام عندما تُصبح الابنة في سِنِّ البلوغ.

 وحيث إنَّني وزوجي على مستوًى تعليمي - والحمد لله - جيِّد جدًّا، فأنا خِرِّيجة هندسة مِعماريَّة، وزوْجي خرِّيج اقتصاد، أفيدكم أنَّنا - ومِن المؤكد - أن يكون حرصُنا متناهيًا مِن حيث التربية الصالِحة، والتأهيل العلمي الجيِّد، وبالتالي التنشئة في بيئة سليمة – بإذن الله سبحانه - إذ تُقاس الأعمال بالنيَّات، وأعلم أنَّني وزوْجي وابني لدَيْنا الرغبة في كسْب الأجْر أوَّلاً، وكسْب ابنة صالِحة ثانيًا، وبالتالي أخت لابْنِنا ثالثًا.

 سؤالي هو: ما الذي لنا؟ وما الذي علينا في تبنِّي طِفلة عمرُها لا يتجاوز أربعةَ أشهر، من الناحية الدِّينيَّة، والناحية الاجتماعيَّة؟

 آمل الإفادةَ والنُّصح، وبشكل مفصَّل؛ حتَّى لا يغيبَ عنَّا أي جانب من الجوانب الهامَّة مستقبلاً.

 والسلام عليكم.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحْبه ومَن والاه، أمَّا بعد:

فاعْلمي - رحمكِ الله -: أنَّ التبنِّي كان من عادات الجاهلية التي أبْطلَها الإسلام؛ لِمَا فيه من إثبات أنسابٍ لا أساسَ لها، واشتراك الطِّفْل المتبنَّى مع الأولاد الذين هم مِن الصُّلب في الميراث، ونحو ذلك؛ قال الله - تعالى -: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 4 - 5].

وفي "الصحيحَين" عن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - : أنه سمع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: «ليس مِن رَجلٍ ادَّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلاَّ كَفَر، ومَن ادَّعى قومًا ليس له فيهم نَسبٌ فلْيتبوأْ مقعدَه من النار».

ومن المعلوم أنه يترتب على التبني الوقوع في كثير من المخالفات الشرعية، كالخلوة، والمصافحة، والرؤية لمن لا يحل له؛ ولهذا حَرّمَ الإسلام التبني في الإسلام، بل قد وجدت في مجتمعاتنا الإسلامية حالات غاية في الغرابة، حيث وقعت الفتاة المتبناة بعدما كبرت في حب من تبناها، بل في بعض تلك الحالات تزوج المتبني بمن تبناها؛ فالنفرة الطبيعية الموجودة بين البنت وأبيها لا توجد في تلك الحالة.

 أما إذا كان المقصودُ بالتبنِّي كفالةَ اليتيم، وتربيتَه ورعايتَه، مع احتفاظ المكْفول بنسَبِه وما يترتَّب عليه - فهذا لا مانعَ منه شرْعًا، وهو مِن أعمال البرِّ والإحسان، التي حثَّ عليها الإسلام، وقد جعل الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كفالةَ اليتيم سببًا لمرافقته في الجَنَّة مع الملازمة؛ فعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «أنا وكافِلُ اليتيم في الجَنَّة هكذا - وأشار بالسبَّابة والوُسْطى، وفرَّج بينهما شيئًا»؛ رواه البخاري.

 وإذا أراد أن ينفع المكفولَ بشيء من ماله، فلَه أن يهبَه ما شاء في حياته، وأن يُوصيَ له في حدود الثُّلُث من التَّرِكة قبل وفاته.

 وعليه؛ فيجوز للسائلة أن تكفلَ بنتًا وتُربيَها، وتحنوَ عليها وكأنَّها بنتٌ لها، ولكنَّها تنتبه إلى عِدَّة أمور:

الأول: عدم تسجيل البِنت باسم زوْجك، ولا مناداتها به.

 الثاني: لا تَرِث إرْثًا شرعيًّا؛ لأنَّ أسباب الإرْث محصورةٌ في النَّسَب والنِّكاح والولاء، ولا شيءَ منها يتوفَّر فيها، وبإمكانك أن تَهبِي لها شيئًا من المال، أو تُوصِي لها في حدود الثُّلُث فما دونه.

 الثالث: أنَّ البنت المتبنَّاة بمجرَّد بلوغها تُعتبر أجنبيةً على سائر الذُّكور الموجودين في الأُسْرة، فلا تجوز الخلوةُ بينها وبين أحدٍ منهم، ولا المصافَحة، ولا النظر إلى ما لا تحلُّ رؤيتُه للأجنبيِّ من الأجنبية، وهذا من الناحية العملية سيكون أمرًا شاقًا لمن يحيون في بيت واحد.

ولذلك ننصح الأخت الكريمة بالتريث في الأمر؛ لا سيما وأن عندك ولدًا ذكرًا، فيخشى أن تكون تلك الخطوة فتح باب شر عليه، إلا أن تقومي بإرضاع تلك البنت، فتصير بنتًا لك ولزوجكِ من الرضاعة، وأختا لابنك من الرضاعة أيضًا، وذلك بتناول هرْمُون أو نحوه مدرٍّ للبن، فترضعيها ما دامت دون الحَولين، خمس رضعات مُشْبِعات، وراجعي تفصيل ذلك في فتوى: "حكم الرضاعة بهرمون إدرار الحليب".

 فإن لم تتمكني من ذلك فننصحك بعدم الإقدام على هذا الأمر؛ طلبًا للسلامة التي لا يعدلها شيء،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 13
  • -5
  • 34,366

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً